الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/05/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المفاهيم.

وما ذكره(قده) قد أشار إليه في مورد آخر:- يعني في مسألة الأمر بالطبيعة والنهي عن الطبيعة ، فإنه قد قرأنا أنه لو نُهِي عن الطبيعة فيلزم اعدام جميع الأفراد فإنَّ المطلوب هو عدم الطبيعة والطبيعة لا تنعدم إلا بانعدام جميع أفرادها ، وهذا بخلاف ما لو أمر بالطبيعة فإنَّ المطلوب هو وجود الطبيعة ووجود الطبيعة يتحقق بالفرد الواحد ، وهنا أشكل الشيخ الأصفهاني(قده) بإشكالٍ مثل هذا الاشكال حيث قال: ما هو مقصودكم من الطبيعة المأمور بها أو المنهي عنها ؟ فهل مقصودكم هو الطبيعة الثابتة في جميع الأفراد والمتحققة ضمن جميع الأفراد أي الطبيعة ذات الوجود السعي الشامل لكل الأفراد فأقول إنسان ومقصودي من ذلك كل الأفراد فالمقصود هو الطبيعة الملحوظة ضمن كل الأفراد ؟ أو أن مقصودكم من الطبيعة هو صرف وجود الطبيعة الذي يتحقق بالفرد الواحد ؟ فإن كان المقصود هو الطبيعة الثابتة في جميع الأفراد فأسلم أنَّ عدم الطبيعة لا يتحقق إلا بعدم جميع أفرادها ، ولكني أقول إَّن وجودها أيضاً لا يتحقق إلا بوجود جميع الأفراد لا بالفرد الواحد لأننا لاحظناها بما هي ثابتة في جميع الأفراد ، فكما أنَّ عدمها يتوقف على عدم جميع الأفراد وجودها يتوقف على وجود جميع الأفراد ، وإذا فرض أنا لاحظناها ضمن الفرد الواحد فأسلّم لكم أنَّ وجودها يتحقق بالفرد الواحد لكن عدمها أيضاً يلزم أن يكون بعدم الفرد الواحد ولا يتوقف عدمها على عدم جميع الأفراد.

وأنا أريد أن أقول:- إنَّ إشكاله هناك وإشكاله من وادٍ ومنظورٍ واحد ، والجواب الذي نذكره واحد أيضاً حيث نقول:- ينبغي أن نفرّق بين الطبيعة الموجودة خارجاً وبين الطبيعة كمفهوم ذهني ، فالطبيعة الموجودة خارجاً هي صحيح كما قلت هي مرّة تكون موجودة ضمن جميع الأفراد مثل الانسان الموجود ضمن هؤلاء الأفراد الجالسين فهذه الطبيعة صار وجودها ضمن هؤلاء الأفراد وعدمها لا يكون إلا بعدم جميع هؤلاء الأفراد ، فالعدم يكون بعدم الجميع والوجود يلزم تحققه بوجود الجميع لا بفردٍ واحد ، وأما إذا لاحظناها كمفهوم ذهني طُلِب تحقيقه كما لو قلت لك ( جئني بإنسان ) فهذا مفهوم ذهني طلب حقيقه في الخارج فالمطلوب هو تحقيق طبيعة وهنا نقول يكفي أن تأتي بفردٍ واحدٍ فإنه تصدق الطبيعة بالفرد الواحد ، وإذا طلب الترك - يعني لا تحقق هذا المفهوم في الخارج - فينبغي ترك جميع الأفراد.

إذن ينبغي أن نفرّق بين الطبيعة في عالم الوجود الخارجي والطبيعة في عالم المفاهيم الذهنية ، فبلحاظ الوجود الخارجي الأمر كما قلت فالإنسان الذي نلاحظه ضمن هؤلاء الأفراد عدمه لا يكون إلا بعدم جميع هؤلاء ووجوده لا يكون إلا بوجود جميع هؤلاء ، ولكن حينما نلاحظ الطبيعة كمفهومٍ ذهني فحينئذٍ وجود الطبيعة كمفهوم ذهني يتحقق بالفرد الواحد في الخارج وعدمها لا يكون إلا بعدم جميع الأفراد ، وحيث إنًّ الأحكام الشرعية والعقلائية وجميع الأحكام لا تتعلّق بالوجودات الخارجية كما توحي بذلك عبارة الآخوند الخراساني في مبحث اجتماع الأمر والنهي وإنما تتعلّق بالمفاهيم الذهنية كما هو رأي الشيخ الأصفهاني(قده) ، فإذا كانت تتعلق بالمفاهيم الذهنية فما ذكرته لا يأتي.

يبقى ما ذكره أخيراً حيث قال:- ولكني أتغلب على المشكلة بأن أقول:- إنَّ الجزاء الذي علّق على الشرط هو شخص الوجوب لا الطبيعي لكنه شخص الوجوب بما هو وجوب لا بما هو شخص ومتقيّد بهذا القيد وهو قيد المجيء كلا بل بما هو وجوب فيلزم عند انتفاء الشرط انتفاء جميع أفراد الوجوب ، لأنَّ هذا هو لازم كون الجزاء هو الوجوب بما هو وجوب.

والجواب:-

أوّلاً:- من أين لك أنَّ المعلّق هو الوجوب بما هو وجوب ؟!! إنه يحتاج إلى اثبات ، ولا مثبت لذلك.

ثانياً:- لو تنزلنا فنقول: إنَّ المعلّق بعبارة أخرى هو طبيعي الوجوب الثابت في جميع أفراده لكنك لم تعبّر عنه بهذا التعبير بل عبّرت عنه بشخص الوجوب بما هو وجوب ، لكن هذان لفظان مختلفان ولكن واقعهما واحد وأنت لا تقبل بذلك بل تقول إنَّ المعلّق ليس هو الطبيعي الثابت في جميع الأفراد إنما هو الطبيعي الثابت في جميع الأفراد ؟!!