الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/05/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: المفاهيم.

ويردّه: إنَّ ما ذكره أولاً ولا ثانياً ولا ثالثاً ليس بلازم ، بل المهم هو الرابع ، فالمهم أن يكون الشرط شرطاً منحصراً ولا يوجد شرط غيره فإنَّ هذا هو المهم لاستفادة المفهوم أما بقية الأمور الثلاثة فهي ليست ضرورية وهي كضم الحجر إلى جنب الانسان.

أما الأوّل فنجيب عليه ونقول: إنه ولو كانت هذه الملازمة اتفاقية كفى ذلك لانتفاء الجزاء عند انتفاء الشرط مادام توجد ملازمة ولو اتفاقية ، فهذا الشخص متى ما رأيت ملابسه جميلة ويضحك فأنت اعرف أنَّ أخلاقة جيّدة فلو كانت عندك حاجة إليه فتكلّم معه ، فهذه ملازمة اتفاقية لكن بالتالي يثبت المفهوم ، وإنَّه فرض أنه لا يضحك ولم يلبس ملابسه الجميلة فلا تتكلّم معه ولا تطلب حاجتك منه ، فهذا يكفي لاستفادة المفهوم ولا يحتاج أن تكون الملازمة ملازمة حقيقية من باب العلّة والمعلول بل تكفي الملازمة ولو اتفاقاً ، فالمفهوم لا يتوقف عرفاً على أن تكون الملازمة بين الشرط والجزاء ملازمة حقيقية وليست اتفاقية.

وهكذا بالنسبة إلى ما ذكره ثانياً فإنَّ جوابه: إنه لماذا لا يكفي أن يكونا معلولين لعلة ثالثة ؟! فإنهما إذا كانا معلولين لعلّة ثالثة إذا انتفى أحد المعلولين انتفى الثاني لأنَّ انتفاء المعلول كاشف عن انتفاء العلّة ، فإذا انتفت العلّة فالمعلول الثاني منتفٍ أيضاًً وهذا من الواضحات.

وهكذا ما ذكره من أنه لا يكفي أن يكون أحدهما علّة والآخر معلول لكن بالعكس ، ونحن نقول: إنه حتى لو كان بالعكس يعني كان الشرط معلولاً والجزاء علّة فبالتالي إذا انتفت العلّة ينتفي المعلول وإذا انتفى المعلول كان كاشفاً عن انتفاء العلّة ، فيكفي إذن لإثبات الانتفاء عند الانتفاء أنه إذا انتفى المعلول نستكشف انتفاء العلّة وإذا انتفت العلّة نستكشف انتفاء المعلول ، فالقضية صحيحة وواضحة من الطرفين ، فإذن حتى لو كان الشرط معلولاً فمتى ما انتفى هذا الشرط يكشف عن انتفاء الجزاء – انتفاء العلّة – ، فإذا قلت لك ( إذا كان النهار موجوداً فالشمس طالعة ) فإذا لم يكن النهار موجوداً فحتماً الشمس غير طالعة ، وهكذا بالعكس فلو قلت لك ( إذا كانت الشمس طالعة فالنهار موجود ) فإذا لم تطلع الشمس فالنهار ليس موجوداً ، فكلاهما صحيح ووجيه.

وأما بالنسبة إلى ما ذكره ثالثاً فنقول: يكفي أن يكون الشرط جزء العلّة ولا يلزم أن يكون علّة تامة ، لأنَّ جزء العلّة إذا انتفى فالمعلول فقد انتفى حتماً لأنَّ انتفاء جزء العلّة معناه أن العلّة التامة ليست موجودة ، وإذا لم تكن موجودة فالمعلول أيضاً ليس بموجود.

فإذن هذه الأمور الثلاثة التي ذكرها ليست مهمة ، والمهم هو اثبات الرابع يعني أنَّ هذا الشرط هو الشرط فقط وفقط ، فإذا كانت الشرطية منحصرة بهذا الشرط ثبت المفهوم آنذاك ، هكذا نقول.

أو نقول بعبارة ثانية: إذا ثبت أنَّ الجزاء متوقف على الشرط بحيث أنه حينما نسمع الشرطية نفهم عرفاً التوقف ، يعني حينما يقال ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) نفهم أنَّ وجوب الاكرام متوقف على المجيء ، فإذا فهمنا هذا بحيث أنَّ العرف كان يفهم هكذا أي يفهم التوقف – فهنا يثبت المفهوم ، فتعال بعرفيتك فهل تفهم من أنَّ عدم التنجّس موقوفاً على بلوغ الماء قدر كرٍّ ؟ فإن فهمت التوقّف فلازم التوقف أنه بانتفاء الشرط ينتفي الجزاء وإلا إذا لم ينتفِ فهو خلف التوقف ، والتوقف هو عبارة أخرى عما قلناه يعني العلّية الانحصارية أو الشرطية الانحصارية ، فنحن قد قلنا أنَّ الركن الرابع وحدة هو الذي يكفي وهو أنَّ يكون الشرط قد انحصرت فيه الشرطية يعني لا يوجد شرط ثانٍ ، فإذا لم يوجد شرط ثانٍ يعني قد انحصرت فيه الشرطية ، فإذن الجزاء متوقف عليه ، فبدل ما تعبّر بذاك التعبير عبّر بهذا التعبير ، ونحن قلنا لصاحب الكفاية أنه يكفي ما ذكرته رابعاً وهو أن يكون الشرط شرطاً منحصراً ولكن سوف نصوغه بصياغة أخرى وهي أن يكون الجزاء متوقفاً على الشرط ، ومتوقفاً يعني أنَّ الشرط قد انحصرت فيه الشرطية.

إذن نصوغ الركن الذي يتوقف عليه ثبوت المفهوم بصياغتين خلافاً لصياغة صاحب الكفاية وهما:

الأولى: أن يكون الشرط قد انحصرت فيه الشرطية ، وهذا ما ذكره رابعاً.

الثاني: أن تدل الشرطية عرفاً على التوقف ، يعني أنّ الجزاء متوقف على الشرط ، فإذا فهمنا التوقف عرفاً فحينئذٍ يثبت المفهوم.

وقد قلت إنَّ هاتان عبارتان لشيءٍ واحد ولكن الاختلاف في التعبير.

فالركن الأوّل إذن سوف نثبته هكذا فإنَّ صاحب الكفاية قال أن يكون الشرط علّة تامّة منحصرة وهو الذي يشتمل على أربعة أمور ، ونحن نقول: كلا بل الركن الأوّل هو أن يكون الشرط قد انحصرت فيه الشرطية ولا يوجد شرطٌ آخر.

ولك أن تقول بعبارة أخرى: إنَّ الجملة الشرطية تدل على التوقف فهي يفهم منها عرفاً أنَّ الجزاء متوقف على الشرط ، وهذا المقدار يكفي في الركن الأول ولا نحتاج في هذا الركن إلى الأمور الثلاثة الأخرى التي ذكرتها(قده) ، بل المهم ما أشرنا إليه وهو أن يكون الشرط قد انحصرت فيه الشرطية ، أو بتعبيرٍ ثانٍ أن تكون الشرطية تدل على توقف الجزاء على الشرط.

وأما الركن الثاني الذي ذكره صاحب الكفاية(قده): وهو أن يكون المعلّق على الشرط هو طبيعي الحكم أو بالأحرى سنخ الحكم أو بتعبيرٍ ثالث أصل الحكم وليس شخص الحكم ، فتوضيحه أنه يوجد عندنا حكم خاصّ هو جوب اكرام خاص وعندنا وجوب إكرام ليس خاصاً ، ووجوب الاكرام الخاص هو الناشئ من مجيء زيد فوجوب الاكرام هذا مرتبط بالمجيء فعلّته ونكتته وسببه ملاكة ومنشؤه هو المجيء ، فوجوب الاكرام الناشئ من المجيء يسمّونه بشخص الحكم وهو وجوبٌ ضيّقٌ ناشئ من المجيء ، ومرّة نلحظ أصل وجوب الاكرام لا بقيد الناشئ من المجيء بل الناشئ من مناشئ ولو أخرى مثل وجوب الاكرام الناشئ من كونه فقيراً أو الناشئ من كونه عالماً أو الناشئ من كونه هاشمياً ، فمرّة يكون المقصود من ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) هو الاكرام الذي يكون منشؤه المجيء وهذا نعبّر عنه بشخص الحكم ، ومرّة يكون المقصود من ( إذا جاءك زيد فأكرمه ) يعني أنَّ أصل وجوب الاكرام متعلّق ومرتبط بالمجيء فإذا لم يجئ فلا تكرمه بأي إكرام ولو كان هاشمياً ولو كان عالماً أو غير ذلك ، فهذا أصل وجوب الاكرام من دون ملاحظة منشأ وملاك خاص وهذا يعبّر عنه بطبيعي الحكم ، ونحن متى نستفيد المفهوم من الشرطية ؟ إننا نستفيده فيما إذا كان المعلّق على المجيء هو وجوب الاكرام الطبيعي من أي منشأٍ كان حتى ينتفي هذا الطبيعي بانتفاء الشرط من أي منشأ كان ، يعني إذا لم يجئ فلا تكرمه ، فأصلاً لا يوجد وجوب من أي منشأ ، يعني لو كان هاشمياًً ولو كان عالماً لا يوجد وجوب إكرام في حقه ، أما انتفاء وجوب الاكرام المتقيّد بالمجيء فانتفاء هذا عند عدم المجيء ليس من باب المفهوم بل من باب أنه وجوب متقيّد بهذا القيد الخاص ، ولازم تقيّده بهذا القيد الخاص أنه ينتفي المقيّد بانتفاء قيده.

والخلاصة: هي أنّ انتفاء شخص الحكم ليس مفهوماً ، وإنما المفهوم هو انتفاء أصل وجوب الحكم ، فالركن الثاني من ركني المفهوم هو أن يكون المعلّق على الشرط هو أصل وجوب الاكرام لا وجوب الاكرم الناشئ من المجيء يعني أصل الحكم وطبيعي لا شخص الحكم ، وهذا ركنيته واضحة لا تحتاج إلى دليل.