الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/05/02
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: التنبيه الخامس تنبيهات
التنبيه الخامس: الاضطرار إلى لبس الحرير أو الذهب.
نحن نعرف أنَّ الحرير لا يجوز لبسه للرجال فهو بنفسه من المحرّمات وهكذا الذهب ، كما لا يجوز ذلك أيضاً في الصلاة بالخصوص وتبطل به ، يعني توجد حرمة تكليفية وحرمة وضعية ، فتكليفاً هو بنفسه من المحرّمات ، ووضعاً هو أيضاً كذلك يعني تبطل به الصلاة ، بخلاف ما لا يؤكل لحمه فإن أجزاء ما لا يؤكل لحمه لا توجد حرمة تكليفية فيها ، يعني إذا فرض أنّ المكلف لبس حزاماً من جلد الأسد فهذا ليس بمحرّم لكنه لا يجوز لبسه في الصلاة لأنه يبطلها.
فإذن الأشياء التي يحرم لبسها على قسمين ، قسمٌ منها محرّمةٌ تكليفاً في حدّ نفسها بقطع النظر عن الصلاة وهي أيضاً توجب البطلان لو لبست أثناء الصلاة ، وبعضها ليست كذلك وإنما هي مبطلة للصلاة فقط من دون أن تكون محرّمة تكليفاً ، وكلامنا في هذا التنبيه هو في الأشياء المحرّمة تكليفاً.
وحينئذٍ نقول: إذا لم يضطر الانسان إلى لبسها أثناء الصلاة فالصلاة تقع باطلة بلا اشكال ، أما إذا اضطر إلى لبسها فهل تبطل الصلاة أو أنها صحيحة مادام مضطراً إليها ؟
لعل المنسوب إلى المشهور أنَّ الصلاة تقع صحيحة ، فمن اضطر إلى لبس الحرير أو الذهب أثناء الصلاة فصلاته تقع صحيحة ، ولعل النكتة في ذلك هي أنه يُبطِل الصلاة من حيث أنه حرام في نفسه فإذا سقطت الحرمة للاضطرار أو للنسيان أو لأيّ عاملٍ آخر فلا موجب حينئذٍ للبطلان ، فلعل المشهور ذهب إلى ذلك إن تمت النسبة إليهم لأجل هذا الوجه.
بيد أنّ الشيخ النائيني(قده) خالف المشهور[1] [2] في ذلك وذهب إلى البطلان حيث ذكر ما حاصله[3] : إنَّ فساد الصلاة لو كان مسبّباً عن الحرمة التكليفية ومعلولاً لها فالحقّ حينئذٍ مع المشهور ، إذ الحرمة التكليفية سقطت بسبب الاضطرار ونحوه فمن المناسب أن يرتفع البطلان ونحكم بالصحة ، ولكن يمكن إن يقال: إنّ كلا الحكمين يعني الفساد والحرمة التكليفية هما معلولان للملاك ، ومعه إذا سقط أحدهما أعني بذلك الحرمة التكليفية لأجل الاضطرار مثلاً فلا موجب لسقوط المعلول الآخر أعني البطلان ، إذ المفروض أنَّ الثاني ليس فرع الأوّل وإنما الاثنان متفرعان على الملاك ، فليسقط أحد المعلولين لكن يبقى المعلول الآخر على حاله.
ونقول في التعليق على ما أفاده(قده):
أوّلاً: إنَّ هذه المنهجة وطرح البحث بهذا الشكل لا أراه مناسباً ، يعني نحن نبحث المسألة من بٌعدٍ وليس من قربٍ ، فلا يصح أن نبحث المسألة ونتنازع فيها من دون النظر إلى الروايات ، وهنا أيضاًً كذلك فلا معنى لأنَّ يقول الشيخ النائيني(قده) إنَّ الحرمة الوضعية ليست مسبّبة عن الحرمة التكليفية وإنما هي معلولة للملاك فإنَّ كلّ هذا الكلام من دون مدرك وهذه طريقة ليس بصحيحة ، إنما الطريقة الصحيحة هي أن نذهب إلى الروايات ونلاحظ ماذا يستفاد منها ، فهل يستفاد منها الفرعية أو العرضية ، ومقصودي من الفرعية أنَّ الحرمة الوضعية متفرّعة على الحرمة التكليفية فإذا سقطت الحرمة التكليفية بالاضطرار سقطت حينئذٍ الحرمة الوضعية ويكون الحق حينئذٍ مع المشهور ، وإذا كانا بنحو العرضية فحينئذٍ سقوط واحدٍ لا يوجب سقوط الآخر فيصير الحق مع الشيخ النائيني(قده).
إذن لابد وأن نلاحظ الأدلة لا كما قال الشيخ النائيني(قده) من أن الصحيح أنهما معلولان للملاك فإنَّ هذه طريقة ليست بصحيحة ، ولا أقل قل هناك روايات المستفاد منها أنَّ الحرمة الوضعية ثابتة في حدّ نفسها بما هي هي ، فدعها تصير حواله لا أنك تقول هما ثابتان للملاك فإذا سقط لأحدهما بقي الآخر.
ونحن ننقل روايتين في هذا المجال:
الرواية الأولى: صحيحة محمد بن عبد الجبار عن أبي محمد عليه اللام: ( لا تحلّ الصلاة في حريرٍ محض )[4] ، إنه لو أخذنا بهذه الرواية فسوف لا نستفيد منها الحرمة التكليفية ، بل ليس من البعيد أن يستفيد الفقيه الحرمة الوضعية فقط فإنها قالت ( لا تحلّ الصلاة ) يعني أنّ الصلاة باطلة ، فربما يستفيد الفقيه الحرمة الوضعية فيتمسك بالإطلاق حينئذٍ ومقتضى الاطلاق أنها باطلة مطلقاً ، فيصير هذا في صالح الشيخ النائيني(قده).
الرواية الثانية: موثقة عمار عن أبي عبد الله عليه السلام: ( لا يلبس الرجل الذهب ولا يصلّي فيه لأنه من لباس أهل الجنة )[5] ، إنَّ هذه الرواية ربما يستفاد فيه منها الطولية فإنها قالت: ( لا يلبس الرجل الذهب ) يعني أنه في نفسه حرام ، وأما ( لا يصلّي فيه ) فيقول هو متفرع على الحرمة التكليفية لأنه من لباس الجنّة ، وبما يقول فقيه آخر هما نهيان مستقلان فتثبت العرضية ينهما.
والذي أريد أن أقوله: هو أنا لا نبحث بقطع النظر عن الروايات ، يعني أنَّ طريقة الشيخ النائيني(قده) مرفوضة لأنه بحث بقطع النظر عن الروايات ، والبحث بقطع النظر عن الروايات لا ينفع.
ثانياً: إنه قال هما معلولان لملاكٍ واحد ونحن قلنا من أين لك هذا ؟! بل قل أحدهما فرع الثاني ، ولكن غضّ النظر عن هذا الجواب وحينئذٍ إذا سقط أحد المعلولين لا موجب لسقوط الآخر ، وهنا نقول له: قف هنا فإنّ سقوط أحد المعلولين يدل على أنَّ العلّة ليست تامة ، يعني أنَّ الملاك ليس كافياً وافياً شافياً وإلا لو كان كافياً شافياً لما سقط المعلول ، فإنه مع تمامية العلّة كيف يسقط المعلول ؟!! فإذا سقط المعلول الأوّل كشف ذلك عن طرو تغيّر على العلّة ، فإذا طرأ تغير على العلّة فلازمه أنَّ المعلول الثاني لا نجزم بثبوته هذا من الأمور الواضحة.
والمناسب في مثل هذه المسألة: الرجوع إلى الروايات ونلاحظ أن الحرمة الوضعية هل هي مجعولة بنحو الطولية أو بنحو العرضية ، فإذا كانت بنحو الطولية فنقول الصلاة صحيحة ، وإذا كانت بنحو العرضية فالصلاة تكون آنذاك باطلة ، هذا هو المناسب فنّياً وعلمياً ، وأيضاً هذا هو المناسب بمقتضى القاعدة الأوّلية.
بيد أنه في حالة الاضطرار يوجد عندنا أنه إذا اضطر فحينئذٍ يجوز له أن يلبس الحرير وهكذا الذهب لأنه مضطر إلى ذلك ، ففي مثل هذه الحالة لا تسقط الصلاة بعد التسليم بأنها لا تسقط بحال وهذه قضية مفروغ عنها بين الفقهاء فحينئذٍ يصلّي مع الحرير أو الذهب من دون إشكال في ذلك ، فإذن لا يأتي هذا البحث وهو أنَّ الصلاة تقع باطلة أو لا تقع باطلة فإنَّ هذا لا معنى له ، بل هذا بحثٌ بمقتضى القاعدة الأوّلية قبل الالتفات إلى قاعدة ( الصلاة لا تسقط بحال ) يعني هو بحث علمي صرف.
وأما أذا فرض أنه كان لابساً للحرير أو الذهب نسياناً ولكنه بعد أكمل الصلاة التفت أو نبّه إلى ذلك فماذا نحكم على صلاته لأنه هنا لا يوجد اضطرار ؟ نحكم بالصحّة أيضاً لقاعدة لا تعاد فإنَّ الصلاة لا تعاد إلا من خمسة وهذا ليس من الخمسة فالصلاة إذن تقع صحيحة.
والنتيجة: هي أنَّ هذا النزاع بين الشيخ النائيني(قده) وبين المشهور في الحقيقة لا ثمرة فيه ، لأنه إذا اضطر إلى لبس الحرير أو الذهب فمن باب أنَّ الصلاة لا تسقط بحال نقول لابد وأن يصلّي في الحرير أو الذهب ، وإذا فرض أنه كان ناسياً فحينئذٍ يكفينا لإثبات الصحة قاعدة لا تعاد ، فهذا البحث بحث علمي صرف وليس فيه ثمرة عمليّة.