الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/04/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات هل النهي عن المعاملة يقتضي الفساد ؟

وفيه: إنَّ ما أفاده وجيه لو فرض أنَّ المكلف اقتصر على الجزء المنهي عنه ، أي اقتصر على قراءة العزيمة ولم يقرأ سورة غيرها فهنا سوف تتشخص الصلاة بالجزء المحرّم ، وبالتالي اطلاق الأمر بالصلاة سوف لا يشمل هذه الصلاة لاشتمالها على جزءٍ محرّم ، ولكن مفروض كلامنا هو فيما إذا أتى بسورةٍ ثانية ففي مثل هذه الحالة ما المانع من شمول الاطلاق لمثل هذه الصلاة ؟! فليشملها اطلاق الأمر بالصلاة ، فهي قد أتي فيها بقراءةٍ صحيحةٍ غايته توجد إلى جنبها قراءة فاسدة ودليل الأمر بالصلاة مطلق من هذه الناحية ، فهو يريد الجزء الصحيح أما إذا كان إلى جنبه جزءً فاسداً فهو لا يمنع عنه ، بل الاطلاق يشمل هذا الفرد ولا مانع من ذلك.

إن قلت: إنَّ هذه زيادة فنتمسّك بدليل بطلان الصلاة بالزيادة لإثبات بطلان هذه الصلاة ؟

قلت: هذا دليل ثانٍ سوف يأتي من الشيخ النائيني(قده) ، ولا تدخِل دليلاً في دليلٍ آخر ، ونحن الآن مع هذا المقدار بقطع النظر عن الزيادة.

إن قلت: لِمَ لا نقول إنَّ الصلاة مقيّدة بعدم قراءة العزيمة التي هي منهي عنها ؟

قلت: من أين لك أنها مقيّدة بعدم قراءة العزية ؟! فإن هذا هو عين المتنازع فيه ، فلا يمكن أن تجعل عين المتنازع فيه دليلاً ، فالشيخ النائيني(قده) يقول إنه بالنهي صارت الصلاة مقيّدة بعدم العزيمة فلا يمكن أن تصحّ ، ونحن نقول: إنه لا مثبت لذلك.

إذن لا يمكن أن نقول إنَّ هذا الاطلاق لا يشمل هذا الفرد لأنَّ الصلاة مقيّدة بعدم قراءة العزيمة – يعني الجزء المحرّم – إذ نقول: إنَّ هذا عين المتنازع فيه بيننا وبين الشيخ النائيني(قده) فلا يمكن جعله دليلاً ، فلا تغفل عن ذلك ، وقلنا إنه مع الشك في أنه قُيّدت بعدمه أو لم تقيّد نرجع إلى أصل البراءة لنفي التقيّد المشكوك.

والخلاصة في ردّ السيد الروحاني: إنه بالتالي مع الاتيان بقراءةٍ أخرى غير قراءة العزيمة يمكن أن نتمسّك بإطلاق دليل الصلاة ونقول إنه يشمل هذا الفرد بلا مانع غايته توجد إلى جنب القراءة الصحيحة قراءة فاسدة والمانع من الصحّة هو إما الزيادة وقد قلنا هذا دليل آخر سوف يأتينا ، وإما أن الصلاة مقيّدة بعدم قراءة العزيمة وقد قلنا هذا عين المتنازع فيه بيننا بين الشيخ النائيني(قده) فلا يمكن جعله دليلاً ومع الشك نتمسك بأصل البراءة.

هذا كله بالنسبة إلى الوجه الذي ذكره الشيخ النائيني(قده) على بطلان الصلاة مع القال القيل الذي فيه وقد اتضح أنه ليس بتام.

الوجه الثاني: إنَّ المكلّف إما أن لا يقرأ سورة ثانية أو يقرأ سورة ثانية إلى جنب العزيمة التي قرأها ولا شق ثالث في البين ، فإن لم يقرأ سورة أخرى فمن الواضح أنَّ الصلاة باطلة لأنه لم يأتِ بالجزء الصحيح المطلوب بل أتى بالمنهي عنه ، وإن أتى بقراءة سورة أخرى كانت زيادةً في الصلاة والدليل قد دلّ على أنَّ كلّ زيادة في الصلاة مبطلة لها ، والدليل هو معتبرة أبي بصير المتقدّمة: ( من زاد في صلاته فعليه الاعادة ) ، فتمسّك بها ، فإنَّ هذه زيادة فتصير الصلاة باطلة حينئذٍ.

ويردّه: إنه إذا صدقت الزيادة جزماً فنحن معك يعني تصير الصلاة باطلة ، ولكن يا ترى هل تصدق الزيادة بكلّ إضافة في الصلاة ؟! مثل سعال المصلّي أثناء الصلاة باختياره فهنا قد زاد في صلاته فهل هذا يضرّ بالصلاة أيضاً ؟

إنه لابد وأن يجيب ويقول : كلا بل تصدق الزيادة إذا كانت من جنس الصلاة لا ما إذا كانت من خارجها وإلا فالتثاؤب والسعال أثناء الصلاة لا يصدق عليه أنه زيادة لأنه ليس من جنس الصلاة فلا يؤثر ، ولكن لو كرّر الآية الواحدة مرّتين كما لو قال ( بسم الله لرحمن الرحيم الحمد لله ربّ العالمين ) ثم كرّرها من باب الاحتياط لأنه شك في أنَّ القراءة الأولى فيها شيء من الاشتباه فهذه زيادة فهل تتمسّك بالإطلاق لإثبات البطلان ؟ إنَّ هذا صعب جداً ، إنه ليس من البعيد أنَّ عنوان الزيادة يصدق فيما إذا قصد الجزئية والاضافة فهذا يكون قد زاد ، كما لو كان يفعل بدل الركوع الواحد ركوعين أو بدل القنوت الواحد قنوتين أو بدل قراءة الحمد مرّة واحدة مرتين فإنَّ هذا يقال له قد زاد أما غيره فليس من المعلوم أنه يصدق عليه أنه قد زاد ، ويكفينا الشك لأنه في حال الشك لابدّ وأن التمسّك بالقدر المتيقّن ولا نتمسّك بالعام لأنه يكون من التمسّك بالعام في الشبهة المصداقية لأنك كيف تتمسّك به ؟! إنه لابد وأن يثبت أنَّ هذه زيادة والمفروض أننا نشك في أنَّ هذا يصدق عليه أنه زيادة أو لا ، كما لو دخل علينا شخص ونحن عندنا دليل يقول أكرم العالم وشككنا في أنه عالم حتى نكرمه أو لا فهل يمكن التمسّك بعموم أكرم العالم لوجوب اكرامه ؟ كلا لا يمكن ذلك ، لأنَّ هذا تمسّك بالعام في الشبهة المصداقية وهو لا يجوز.

وهنا أيضاً كذلك إذا شككنا ، فحينئذٍ لا يجوز التمسك بإطلاق أو عموم ( من زاد في صلاته ) بل نرجع إلى البراءة من الزائد في مورد الشك ، لأنه هنا يوجد شك في التقيّد الزائد.

اللهم إلا أن يقول الشيخ النائيني(قده): كلا بل تصدق الزيادة حتماً وإن لم يقصد عنوان الزيادة والجزئية.

فنقول: إنَّ هذا حجّة بينك وبين ربّك ، أما نحن فلم يثبت عندنا هذا المعنى ، فنحن لا نجزم بأنَّ الزيادة تصدق إذا لم يقصد عنوان الزيادة والجزئية.

فإذن هذا الدليل لا ينفع ، على أنه لو تم فهو خاصّ بالصلاة ولا يعمّ مثل الحج مثلاً الذي هو مركّب من أجزاء ، فإذا جاء المكلف بالقِران بين الطوافين الذي هو منهي عنه فلا يشمله دليل ( من زاد ) لأنَّ هذا مختصٌّ بالصلاة ولا يتم في غيرها.