الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تنبيهات هل النهي عن المعاملة يقتضي الفساد ؟

التنبيه الثالث: النهي كما ذكرنا سابقاً تارةً يتعلّق بالعبادة وأخرى بالمعاملة ، والآن نربد أن نقول: إذا تعلّق بالعبادة فتعلّقه بها يشتمل على أنحاء ثلاثة:

النحو الأوّل: أن يتعلّق النهي بنفس العبادة ، يعني الصلاة يتوجه النهي إليها كما في حقّ الحائض ( دعي الصلاة أيام أقرائك ) فإنَّ هذا وإن كان في صيغة الأمر ولكن من حيث الروح هو نهي فهو متوجه إلى العبادة بعنونها وهي الصلاة.

النحو الثاني: أن يتوجه النهي إلى جزء العبادة ، من قبيل النهي عن قراءة العزائم.

النحو الثالث: أن يتوجه النهي إلى شرط من شروطها.

أما بالنسبة إلى النحو الأوّل: فقد تقدّم الحديث عنه ، وحاصل ما ذكرناه في النهي عن العبادة: هو أنه يقتضي الفساد حتماً لثلاثة تقريبات ثالثها أنَّ قصد التقرّب لا يمكن ، نعم قلنا توجد مشكلة وهي أنه هل يتصوّر نهي عن العبادة كصغرى ، يعني هل توجد عبادة في الخارج نشير إليها ونقول هذا العمل عبادة ويكون النهي متوجهاً لها ؟ قلنا: يمكن أن يقال لا يوجد هكذا مصداق ، فهذه كبرى بلا مصداق ، لأن الذي تأتي به المكلف إذا كان مع القربة فهو عبادة لكنك مع النهي لا تستطيع أن تأتي به إلا إذا كنت جاهلاً ، ولكن قلنا سوف يصير حال الجاهل أسوأ من حال العالم فإنَّ العالم لا يتمكّن من ذلك ، وأما إذا جاء بالعمل من دون قربة فحينئذٍ هذا ليس بعبادة أصلاً حتى يتعلّق به النهي ، ولكن هذا دعنا عن.

والآن نريد أن نتكلّم عن جزء العبادة كالنهي عن قراءة العزائم: والمناسب أن يقال إنَّ جزء العبادة عبادة أيضاً لابد أن يكون عبادة ، فإنَّ الأجزاء هي عين المركّب الكل والكلّ هو عين الأجزاء فالصلاة هي عين الأجزاء غايته لوحظت بنحو الاجتماع وإلا فهي عين الأجزاء ، فجزء العبادة لابد وأن يكون عبادة وإلا لم تكن الصلاة عبادة ، فمادامت الصلاة عبادة فأجزائها يلزم أن تكون عبادة ، فالعبادية لازمة في أجزائها ، فإذا كان جزء العبادة عبادة حتماً فالنهي عن جزء العبادة نهيٌ عن العبادة وبالتالي يقتضي الفساد ، وإذا فسد الجزء فسد الكلّ المركّب ، اللّهم إلا إذا تدارك الفساد وذلك بأن يصلح صلاته بقراءة سورةٍ أخرى إن لم نقل بأنه يلزم محذور الزيادة ، وعندنا روايات تدلّ على أنَّ من زاد في صلاته لزمته الاعادة ، من قبيل صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه السلام: ( من زاد في صلاته لزمته الاعادة )[1] .

والنتيجة التي انتهينا إليها: هي أنه يوجد مجال لتصحيح الصلاة من خلال قراءة سورة أخرى إن فرض أننا بنينا على عدم صدق الزيادة.

هذا ولكن الشيخ النائيني(قده)[2] ذكر وجوهاً ثلاثة حكم من خلالها ببطلان الصلاة مطلقاً:

الوجه الأوّل: إنه إذا نهي عن قراءة العزيمة في الصلاة فذلك يعني بعبارة أخرى أنَّ الصلاة قد أخذت بشرط لا من هذه الناحية يعني من ناحية قراءة العزيمة ، يعني سوف تصير النتيجة هكذا: ( يشترط في صحة صلاتك أن لا تقرأ العزيمة فإذا قرأت العزيمة بطلت صلاتك ) ، وإذا أردنا تصحيحها من خلال قراءة سورة أخرى فسوف لا ينفع ذلك لأجل أنه حتى لو قرأت سورة أخرى فبالتالي صلاتك التي أتيت بها قد اختلّ شرط من شروطها وهو أنَّ شرط الصحة هو أن لا تقرأ العزيمة فإنَّ المفروض أنَّ الصلاة مأخوذة بشرط لا من حيث العزيمة ، يعني شرط الصحة عدم قراءة العزيمة ، فإذا قرأت العزيمة بطلت الصلاة مهما أتيت بسورٍ بعد ذلك لأنَّ هذا القيد قد اختلّ فلا يمكن الترميم.

ويردّه: من أين لك أنَّ النهي عن شيءٍ كقراءة العزيمة يعني أخذ الصلاة بشرط لا من ناحية قراءة العزيمة ؟! ونحن نقول: يحتمل أن يكون هذا الشيء منهياً عنه بالنهي النفسي ، فهو بما هو هو مبغوض منهي عنه أما أن يؤخذ عدمه شرطاً من شرائط الصلاة فهذا كيف تثبته ؟! فنحن نتفق مع الشيخ النائيني(قده) في أنه مادام قد نهي عنه فهو مبغوض وفاسد ولكن نختلف معه في إنَّه قال إنََّ عدمه شرط في صحة الصلاة ونحن نقول من أين لك هذا ، لأنه إذا قال إنَّ عدمه شرط في صحة الصلاة فسوف لا تنفع أيّ سورة قرأتها بعد ذلك لأنَّ هذا الشرط قد اختلّ لأنَّ المفروض أنَّ عدمه شرط في صحة الصلاة فأختل هذا الشرط.

ونحن نقول له: من أين أتيت بهذا وهو أنَّ عدمه يكون شرطاً لصحة الصلاة فإنه لا توجد ملازمة بين النهي عن العزيمة أو بالأحرى مبغوضية قراءة العزيمة في الصلاة وبين أن يؤخذ عدمها شرطاً ، فنحن لا نسلّم هذه الملازمة ، فهذه الدلالة لم تثبت لا عقلاً ولا عرفاً ، بل نتمكن أن نقول: إنه يمكن أن لا يكون عدم العزيمة شرط في صحة الصلاة ، مثل سماع الغيبة أو الغناء أو غير ذلك فإنه محرّم قبل الصلاة وتمتدّ الحرمة إلى الصلاة ، فعلى هذا الأساس النهي موجودٌ أثناء الصلاة ومستمرّ وهو أنه أيها المكلّف لا تسمع الأغنية أو لا ننتظر إلى المرأة الأجنبية ، فهذا النهي متوجّه إلينا قبل الصلاة وأثناء الصلاة لكن رغم وجوده هل نقول إنَّ عدمه شرط في صحة الصلاة بحيث أنَّ الصلاة أخذت مقيّدة بعدمه ؟! كلا ، وإلا سوف يلزم بطلان صلاة من نظر إلى الأجنبية أو سمع الغيبة أثناء الصلاة مهما تاب لأنه قد اختلّ شرط من شروط صحة الصلاة ، ولا يوجد فقيه يحتمل ذلك.

إذن وجود النهي أثناء الصلاة لا يلازم أخذ عدم المنهي شرطاً في الصحة وأخذ الصلاة بشرط لا من حيث هذا الشيء المنهي ، كلا لا يوجد هذا الشيء كما في هذه الأمثلة التي ذكرناها.

إذن ما أفاده الشيخ النائيني(قده) ليس بثابتٍ ، فلا يتم ما أفاده.

إن قلت: إنَّ كلامك وجيه ولكن ما أبرزته مجرّد احتمال يحتاج إلى مثبت وكيف تثبته ؟ ، يعني أنَّ ما قاله الشيخ النائيني(قده) احتمال فربما الصلاة واقعاً مقيدة بعدم هذا وربما لا تكون مقيّدة بعدم هذا ، فكلا الاحتمالين موجود ، فكيف نثبت احتمالنا في مقابل احتمال الشيخ النائيني(قد) ؟

قلت: إنّه إذا شككنا فهذا شكٌّ في تقيّدٍ زائدٍ في حقّ الصلاة فننفيه بالبراءة ، فنحن نشك أنَّ الصلاة مقيّد بعدم هذا أو لا ؟ فهذا شكٌّ في شيءٍ زائد فينفى حينئذٍ بالبراءة كأيّ شرطٍ من الشروط إذا شككنا في اعتباره في الصلاة ، فكيف أننا ننفيه في مسألة الدوران بين الأقل والأكثر الارتباطيين حيث نتمسّك بالبراءة فهنا أيضاً نتمسّك بالبراءة لنفي هذا الشرط الزائد ، فهل اشترطت صحّة الصلاة بعدم قراءة العزيمة أو لا ؟ فهذا شكٌّ في التقيّد الزائد فننفيه بالبراءة حينئذٍ.

نعم إذا ثبت ما قاله الشيخ النائيني(قده) من أنَّ الظاهر فهو لابد وأن يدّعي الظهور العرفي من النهي عن قراءة العزيمة في الصلاة أنَّ الصلاة قد أخذت بشرط لا من حيث العزيمة ، وسلّمنا به فلا معنى حينئذٍ للمصير إلى البراءة ، ونحن قلنا للشيخ النائيني(قده) إنه لا يوجد ظهور بل أقصى ما موجود هو احتمالٌ في مقابل احتمال ، فإذا صار احتمالاً في مقابل احتمال فسوف ننفي احتمال تقيّد الصلاة بعدم قراءة العزيمة بأصل البراءة.

بيد أنّ السيد الروحاني(قده)[3] حاول أن ينتصر للشيخ النائيني(قده) فقال: إنَّ قياس النهي عن العزيمة عن النهي عن النظر أو سماع الغيبة مثلا أو غير ذلك قياس مع الفارق ، والوجه في ذلك: هو أنَّ السورة جزء من الصلاة ، فإذا قرئت العزيمة المنهي عنها فسوف يصير الجزء المأتي به هو المنهي عنه يعني الصلاة المشتملة على العزيمة ، فصارت الصلاة متشخّصة ضمن هذا الجزء وهو ما اشتمل على العزيمة ، وإذا صارت الصلاة متشخّصة بذلك فإطلاق الأمر بالصلاة سوف لا يشمل هذه الصلاة لأنها صارت متشخّصة ضمن الجزء المنهي عنه ، فلا يمكن أن تكون مصداقاً لذلك الاطلاق ، وإذا لم تصر مصداقاً لذلك الاطلاق فلا تكون صحيحة ولا تكون مجزية ، وبالتالي يتم ما أفاده الشيخ النائيني(قده) من أنَّ الصلاة مشروطة بعدم قراءة العزيمة ، فإنَّ الشيخ النائيني لا يقصد من بشرط لا إلا هذا ، يعني أنَّ اطلاق الأمر بالصلاة لا يشمل هذا الفرد ، فحينما نقول إنَّ اطلاق الصلاة لا يشمل هذا الفرد يعني أنَّ النتيجة هي أنَّ هذه الصلاة مأخوذة بشرط لا فلا يشملها الاطلاق ، فالنتيجة هي نفس النتيجة.

وهذا بخلاف ما إذا تحقّق سماع الغيبة أو النظر إلى الأجنبية أو سماع الغناء فإنه ليس جزءاً من الصلاة ، وبالتالي لا تكون الصلاة متشخّصة بجزءٍ محرّم ، لأنّ النظر أو سماع الغيبة ليس جزءاً ، ومن ثم اطلاق الأمر بالصلاة لا مانع من شموله لهذه الصلاة ، وإذا لم يكن مانعاً فالنتيجة سوف تصير هي أنَّ الصلاة لم تؤخذ مشروطة بعدم النظر إلى الأجنبية أو بعدم سماع الغيبة فتقع صحيحة.


[1] وسائل الشيعة، العاملي، ج8، ص231، ابواب الخلل في الصلاة، ب19، ح2، آل اليت.
[2] فوائد الأصول، النائيني، ج1، ص465، ولعل عبارة الفوائد أوضح ي هذا المجال. أجود التقريرات، الخوئي، ج1، ص395.،
[3] منتقى الأصول، السيد عبد الصاحب الحكيم، ج3، ص189.