الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/04/22
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: هل النهي عن المعاملة يقتضي الفساد ؟
وفيه:- إنَّ المسبب الذي هو الملكية ماذا يراد منه ؟ وبتعبير آخر: ما هي الملكية ؟ هل هي اعتبار شرعي يعني أنَّ الشرع يعتبر تحقق الملكية بعد تحقّق العقد ، أو هي اعتبار عقلائي يعني أنَّ العقلاء يعتبرون الملكية بعد صدور بعت واشتريت ، أو أنها اعتبار من المتعاملين ؟ فسلّمنا أنَّ الملكية هي اعتبار ولكن أي اعتبارٍ هي فهل هو اعتبار شرعي أو عقلائي أو من المتعاقدين ؟ وحينئذٍ نقول:- إذا كانت الملكية عبارة عن الأوّل يعني هي اعتبار شرعي فهنا يتم ما قيل وما ذكر في الدليل ، يعني يتم ما ذكره الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية من أنَّ النهي في المعاملة عن السبب يقتضي الصحة ويكون صحيحاً ، لأنها إذا كانت اعتباراً شرعياً فلابد وأن يعتبر الشرع تحقق الملكية حتى ينهى عنها أما إذا لم يعتبرها فالنهي التكليفي يكون من الأساس لغواً إلا إذا حملناه على الارشاد وأنه يرشد إلى عدم اعتباره للملكية وكلامنا في النهي التكليفي لا الارشادي.
ولكن أصل هذا الاحتمال باطل من أساسه:- فلو كان صحيحاً فسوف يتم ما أفاده الشيخ الخراساني(قده) ، ولكن نحن نقول إنَّ هذا الاحتمال باطل في حد نفسه ، إذ لا معنى لأن ينهى العاقل عن فعل نفسه ، أي أنا أنهى نفسي عن فعل نفسي فإنَّ هذا لا معنى له فإنه سوف يتّحد الناهي والنهي وهذا غير ممكن ، فهذا الاحتمال ليس بمعقولٍ في حدّ نفسه ، بل المعقول هو أن تنهى غيرك.
والمتعيّن من الاحتمالات الصحيحة في الملكية هو الاحتمال الثاني أو الثالث - يعني هي إما اعتبار عقلائي أو اعتبار من المتعاقدين - فحينئذٍ ينهى الشارع عن هذا الاعتبار العقلائي أو اعتبار المتعاملين ، يعني هو ينهى عن فعل غيره وهذا شيء معقول ، ولكن نقول للشيخ الخراساني(قده) إنَّ هذا المعقول لا يقتضي الصحة كما قلت ، والوجه في ذلك: هو أنَّ هذا الاعتبار مقدورٌ ، يعني أنَّ العقلاء فيما بينهم بإمكانهم أن يعتبروا الملكية أو المتعاملان بإمكانهما أن يعتبرا الملكية سواء كان العقد صحياً أو ليس بصحيح ، يعني افترض أنَّ العقد باطل لكن بالتالي العقلاء أيضاً يقدرون على اعتبار الملكية سواء حكم الشارع بتحقق الملكية أو لم يحكم بها فإنَّ هذا ليس بمهم نهى أو لم ينهَ عن هذا الاعتبار، فهم كعقلاء يمكن أن يعتبروا تحقق الملكية بينهم سواء نهى الشارع عنها أو لم ينه ، نعم قد يكونون عاصين لكن العصيان شيء ثانٍ ويبقى اعتبار الملكية شيئاً مقدوراً ، وهكذا المتعاملان بإمكانهما أن يعتبرا الملكية نهى الشارع أو لم ينهَ ، يعني حكم بالصحة أو لم يحكم بها فإن هذا شيء مقدور للمتعاملين.
وحينئذٍ نخرج بهذه النتيجة:- وهي أنه إذا كانت الملكية اعتباراً شرعياً فالنهي عنها يستلزم القدرة عليها كما قال صاحب الكفاية(قده) وإلا فالنهي عن الشيء غير المقدور لا معنى له ، فالنهي يدل على الصحة كما قال صاحب الكفاية(قده) لكن إن كان هذا الاحتمال معقولاً في حدّ نفسه ، ولكن هذا الاحتمال ليس معقولاً في حدّ نفسه إذ لا معنى لأن ينهى الناهي عن فعل نفسه ، إنما الصحيح هو الاحتمال الثالث ، أعني أنَّ الملكية اعتبار عقلائي أو هي اعتبار من المتعاملين ونهي الشارع عن هذا الاعتبار هو نهي عن فعل غيره وهو شيء معقول وممكن ، فهذا النهي يستدعي القدرة على المتعلّق والقدرة موجودةٌ فإنّ العقلاء يمكنهم أن يعتبروا أو المتعاملان يمكنهما أن يعتبرا الملكية حتى لو نهى الشارع عنها وإن عصوا النهي ولكن الاعتبار مقدورٌ لهما ، فالنهي عن الملكية بمعنى الاعتبار العقلائي أو الاعتبار من المتعاقدين لا يقتضي الصحة لأنَّ القدرة على المتعلّق - الملكية - موجودة حتى لو فرض أنَّ المعاملة كانت باطلة لأنَّ الاعتبار بالتالي بيد العقلاء أو المتعاملين.
وأما القول الثاني - الذي يقول إنَّ النهي عن المسبَّب يقتضي الفساد - فقد يستدل له بالتقريباتٍ التالية:-
التقريب الأوّل:- أن يقال: إنَّ النهي عن المسبّب - يعني عن الملكية - يدل على أنها مبغوضة للشرع المقدّس ، ومادمت مبغوضة كيف يحكم الشرع بترتّبها تحقّقها عند صدور العقد ؟! إنه لا يمكن أن يحكم بتحققها مادامت مبغوضة ، وهذا هو معنى الفساد ، وربما ينسب هذا التقريب إلى الشيخ الأنصاري(قده)[1] .
وفيه:- صحيحٌ أنَّ الملكية مبغوضة ولكن من المحتمل أنها مبغوضة من ناحية إيجاد السبب ، يعني أنها من ناحة السبب هي مبغوضة ، أما لو وجد السبب فتحقّق المسبَّب بعد تحقق سببه يمكن أن لا يكون مبغوضاً.
وبتعبيرٍ آخر:- إنَّ تحقق الملكية يحتاج إلى شيئين الأوّل إيجاد السبب يعني أنَّ المتعاملان يقولان بعت واشتريت ، والثاني امضاء الشارع ، ولعلّه يكره الملكية من الناحية الأولى - أي من ناحية إيجاد السبب - أما بعد تحقّق السبب فلا يبغض تحققها ، مثل السكين فأنا مبغوض لي أن تطعن شخصاً بها ولكن نتيجة الطعنة هي أنه يخرج دم ، فأنا وأنت نبغض أصل الطعن بالسكين لكن بعد أن طعنته فخروج الدم بعد الطعنة ليس مبغوضاً لأنَّ من حُسنِ السكين أنها تؤلم وتخرج الدم ، فالذي أبغضه هو أنك تطعن شخصاً بالسكين أما بعد أن طعنت بها فما يترتّب على الطعنة هو من الأشياء التي تعدّ من حسنات السكّين ، فإنَّ من محاسن السكين الجيّدة أنها تذبح وتقتل وتخرج الدم ، فالمبغوض لدينا هو أن تطعن بها أما ما يترتب بعد تحقق الطعن لا يكون مبغوضاً بل هو من نتائج السكين الحسنة فإنَّ من حسنات السكين هو ذلك.
التقريب الثاني:- ما أفاده الشيخ النائيني(قده)[2] حيث قال: إنَّ من شرائط صحة المعاملة أن يكون المتعاملان مالكين بالغين عاقلين .... وأن يكون العاقد صاحب سلطنة على النقل والانتقال وليس محجوراً من النقل والانتقال ، ومع النهي عن الملكية لا تكون له سلطنة على الملكية ، فلا تتحقق الملكية ، وبالتالي يكون القعد فاسداً لفقده شرط من شرائط الصحة وهو السلطنة وعدم الحجر ، فأنت بالنهي تكون ليس بمسلّط ومحجور عليك ، فإذا كانت كذلك فحينئذٍ تقع المعاملة باطلة.
وأتى بشواهد على أنَّ السلطنة شرط من شرائط صحة العقد حيث قال:- مثل باب الواجبات ، فإنَّ ما يكون واجباً على الانسان أن يفعله لا تجوز الأجرة عليه - العقد عليه - ، لأنه مادام واجباً يلزم أن تأتي به ، فهو واجب إلهي عليك ، مثل الدفن والصلاة على الميت والتغسيل والتكفين وهكذا ، فهذا الفعل لا تكون لك سلطنة عليه ، فحينئذٍ يقع العقد باطلاً لأنك فاقدٌ للسلطنة ، فالسلطنة شرطٌ ومع النهي لا تكون لك سلطنة فيقع العقد باطلاً.