الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- هل النهي عن المعاملة يقتضي الفساد ؟

النهي عن بعض آثار المسبَّب:-

إذا نهي المولى عن بعض آثار المليكة التي هي - أعني الملكية التي هي المسبب - فهل يدل ذلك على فساد المعاملة أو لا ؟

والجواب:- إذا كان الأثر الذي نهى عنه الشرع ركناً ركيناً وأساسياً في المعاملة فلا يبعد أن يكون ذلك دالاً بالدلالة الالتزامية العرفية على الفساد ، كما إذا قال لا تتصرّف في ثمن بيع الكلب أو العذرة فقد ورد في الروايات أنه سحت ومعنى سحت يعني يحرم التصرّف فيه ، فهنا هذا النهي نهياً عن التصرّف في الثمن ، وقد يكون النهي نهياً عن التصرّف في المثمن ، والتصرّف في الثمن أو المثمن هو الركن الركين في المعاملة لأنَّ البيع والشراء يراد للتصرّف في الثمن أو المثمن ، فإذا قال الشرع الثمن لا يجوز التصرف فيه لأنه سحت أو المثمن لا يجوز التصرّف فيه لأنه سحت فهذا يدل بالالتزام العرفي على أنَّ المعاملة باطلة وإلا كيف تكون صحيحة والحال أنَّ الثمن أو المثمن لا يجوز التصرّف فيه ؟! ، وأما إذا كان النهي نهياً عن شيءٍ ليس ركناً أساسياً فلا يدل على بطلان هذه المعاملة لفقدان هذه الدلالة الالتزامية العرفية ، كما إذا قال لا تتصرّف في الثمن بإهدائه أو بوقفه وأما سائر التصرفات بأكله أو بشربه لا بأس بذلك أما هذه الحصّة الخاصة فلا ، فهنا لا تنعقد دلالة التزامية عرفية على البطلان ، فالذي يدل بالدلالة الالتزامية على البطلان هو فيما إذا نهى المولى عن التصرّف في الثمن أو المثمن بشكلٍ مطلق ، وأما إذا نهى عن حصّة خاصّة وفي مساحةٍ ضيقةٍ فلا يدل هذا النهي بالالتزام على الفساد.

النهي عن المسبَّب:-

إذا فرض أنَّ الشرع نهى عن المسبَّب - يعني عن الملكية - دون السبب ودون آثار المسبَّب بل عن نفس الملكية ومثلنا لذلك بالنهي عن بيع العبد المسلم للكافر فإنَّ المنهي عنه هو ملكية الكافر للمسلم فإنَّ هذه الملكية مبغوضة لأنها علوّ للكفر على الاسلام ، أو النهي عن بيع المصحف ، فهنا توجد آراء ثلاثة:-

الرأي الأوّل:- يقول إنَّ النهي يقتضي الصحة.

الرأي الثاني:- يقول إنَّ النهي يقتضي الفساد.

الرأي الثالث:- يقول إنَّ النهي لا يقتضي هذا ولا ذاك بل يلتئم مع الاثنين معاً.

أما القول بدلالته على الصحّة:- فقد اختار الشيخ الخراساني(قده) في الكفاية[1] أنَّ النهي عن المسبَّب يدل على صحة المعاملة ، وقال: ذهب إليه فخر الدين(قده) وحكي أيضاً عن أبي حنيفة وتلميذه محمد بن الحسن الشيباني ، وحاصل الوجه في ذلك: هو أنه إذا كانت المعاملة فاسدة والملكية لا تحصل يعني الكافر لا يملك المصحف أو العبد المسلم فإذن هذا النهي لا معنى له ويكون النهي عن شيءٍ غير مقدورٍ ، ومتعلّق النهي لابد وأن يكون مقدوراً ، فلابد وأن نفترض أنه إذا بيع المصحف على الكافر فسوف يملكه الكافر فاحتاج الشرع إلى النهي ، أما إذا كان لا يملكه فحينئذٍ يكون النهي التكليفي لا معنى له ، نعم النهي الارشادي لا بأس به بأن يقول المعاملة باطلة والكافر لا يتملّك الصحف أو العبد المسلم فهذا نهي ارشادي ، وكلامنا في النهي التكليفي لا الارشادي ، فمادام نهياً تكيفياً فلابد وأن يكون المتعلّق مقدوراً وإذا لم يكن مقدوراً فالنهي يكون لغواً ، مثل أن أقول لك لا تَطِر إلى السماء فسوف لا أقبل هذا منك حيث أقول لك وهل أنا أستطيع أن أطير حتى تنهاني عن ذلك ؟!! وهذا معناه أنَّ النهي يلزم في متعلّقه أو يكون مقدوراً ، فإذا نهانا الشرع عن بيع العبد المسلم للكافر فهذا يدل على أنه لو وقع البيع ملك الكافرُ العبدَ المسلم وإلا إذا لم يتملّكه فالنهي التكليفي لا معنى له آنذاك بل من المناسب أن يكون النهي نهياً ارشادياً إلى الفساد وكلامنا في النهي التكليفي وليس في الارشادي.


[1] كفاية الأصول، الخراساني، ص189، ط مؤسسة آل البيت.