الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/04/15
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: التنبيه السابع ( الاضطرار بسوء الاختيار، ولا بسوء الاختيار ) تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.
ذكرنا أنّ الشيخ النائيني(قده) قال إنَّ الخروج من المغصوب ليس داخلاً تحت الاضطرار بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً لأربعة وجوه ، وقد قلنا سوف نذكر وجهاً واحداً: وهو أنَّ هذا المكلّف لنفترض أنَّ خروجه بمقدار دقيقة مثلاً فهو إذن مضطرّ إلى فترة دقيقة ويتمكن أن يصرف هذه الدقيقة بالخروج كما يتمكن أن يصرفها في البقاء ، فإذن هو محتاج ومضطرّ إلى الدقيقة الجامعة بين الخروج والبقاء ، وإذا كان الأمر كذلك فهو ليس بمضطرٍّ إلى الخروج بعينه وإنما هو مضطر إلى الجامع بين الخروج والبقاء ، والمضطر إلى الجامع ليس مضطراً إلى فرده بالخصوص وإنما هو مضطر إلى الجامع ، فهذا مضطرّ إلى الجامع وليس إلى الخروج ، نظير الانسان الذي عنده أطفال جياع فهو يدور أمره بين أن يتكسّب وبين أن يسرق فهو مضطر إلى الجامع بين الفردين ، فلو فرضنا أنه اختار السرقة فهل يكون ذلك عذراً له ويقول أنا مضطر إليها فلا تذمّوني ولا تعاقبوني ؟ كلا ، بل نقول له إنك مضطرّ إلى الجامع وليس مضطراً إلى هذا الفرد بخصوصه ، والجامع يمكن أن يتحقق بذلك الفرد الثاني وهو التكسب بالحلال.
إذن المضطر إلى الجامع الذي يجمع بين فردين لا يعدّ مضطراً إلى فردٍ منه بخصوصه ، وموردنا من هذا القبيل ، فهو مضطرّ إلى الجامع وهي الدقيقة إلى التواجد في المغصوب وهذه الدقيقة يصرفها إما في الخروج وإما في البقاء ، فعلى هذا الأساس لا يصدق عليه أنه مضطرّ إلى الخروج وإنما هو مضطرّ إلى الجامع كما في المثال الذي أشرنا إليه.
إذن ثبتت النتيجة التي نريدها وهي أنَّ هذا الانسان الذي سوف يخرج من الأرض المغصوبة لا يصدق عليه أنه مضطرّ إلى الخروج وإنما هو مضطر إلى الجامع لا إلى الخروج ، فلا معنى لأن نطبّق عليه القاعدة التي تقول المضطر إلى الحرام بسوء الاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً ، فإن هذه القاعدة لا تأتي لأنه لا يصدق عليه أنه مضطرّ إلى الخروج بل هو مضطر إلى الجامع.
إذن هو أخرج موردنا وهو الخروج من قاعدة الاضطرار إلى الخروج بسوء الاختيار حتى يثبت استحقاق العقوبة ، كلا بل لا ستحق العقوبة لأنَّ المورد خارج عن هذه القاعدة[1] .
ويرد عليه:
أوّلاً: إنه ذكر أنَّ هذا الشخص ليس مضطراً إلى الخروج بعينه وإنما هو مضطرّ إلى الجامع فإنَّ أساس القضية عنده هو هذا ، ونحن نقول: إنه تصوّر أنَّ المقصود من الاضطرار هو الاضطرار التكويني ، فإنه إذا كان المقصود هو الاضطرار التكويني فصحيحٌ هو ليس مضطراً إلى الخروج ، ولكن المقصود هو الاضطرار الشرعي ، فبالتالي هو مضطرّ إلى الخروج؛ إذ لو بقي فسوف يلزم تصرف غصبي أكثر ، فعلى هذا الأساس ليس المقصود الاضطرار التكويني فإنَّ هذا من الواضحات ، أما نحن فكلامنا في الاضطرار الشرعي ، فإن يصدق أنه مضطرّ إلى الخروج بعينه ولكن بالاضطرار الشرعي فيستحق العقوبة لأنه مضطرّ إلى الخروج بسوء الاختيار إذ كان يمكنه أن لا يخالف بأن لا يدخل المغصوب ، فهو منهي بالنهي السابق فيستحق العقوبة على مخالفة ذلك النهي السابق.
ثانياً: نحن نحذف كلمة الخروج ونقول إنه مضطرّ إلى ارتكاب الحرام بسوء اختياره ، والمفروض أنَّ الحرام يصدق على الخروج وعلى البقاء ، فالاثنان حرام ، فهو يضطر إلى أحدهما وكلاهما حرام ، فعلى هذا الأساس سلّمنا أنه لا يصدق عليه أنه اضطرّ إلى الخروج بسوء الاختيار لكن مادام كلا الفردين حرام وهو كان بإمكانه أن لا يقع في الحرام فاضطر إلى ارتكاب أحد فردي الحرام بسوء اختياره فيستحق حينئذٍ العقاب ، لأنّ هذا اضطرار إلى الحرام بسوء الاختيار إذ سابقاً كان منهياً عن الدخول والبقاء والخروج فكلاهما أي البقاء والخروج حرام ومنهياً عنهما وهو قد اضطر إلى أحد فردي الحرام.
فنحن نريد أن نتماشى مع الشيخ النائيني(قده) فنبدل الاضطرار إلى الخروج بالاضطرار إلى الحرام ، فهو قد اضطر إلى الحرام بسوء الاختيار لأنَّ كلا الفردين حرام ، والقياس على مثال إما السرقة أو التكسّب ليس بصحيح ، فإنه في ذلك المثال كان أحد الفردين مباحاً فأنت تستطيع أن تتكسّب فلست مضطراً إلى السرقة ، لكن لو فرضنا أنّ باب التكسّب كان منسدّاً فإما أن يسرق من هذا أو يسرق من ذاك فدار الأمر بين سرقتين فكلاهما حرام ، أو بين السرقة التي هي حرام وبين الغصب فأيضاً كلاهما حرام ، فكلام الشيخ النائيني(قده) لا يأتي هنا ، وفي موردنا كلا الفردين حرام فلا معنى أن يقال أنت مضطرّ إلى الجامع وليس إلى الفرد.
فعلى هذا الأساس هو مضطرّ إلى ارتكاب الحرام ، فإذا كان مضطراً إلى ارتكابه بسوء الاختيار فسوف يكون مستحقاً للعقوبة.
ثالثاً: لنسلّم أنَّ المورد ليس من الاضطرار إلى الحرام أو إلى الخروج ولكن هذا كيف ينفعك ؟ إنه لابد وأن تقول إنه يصدق على الخروج ردّ المال إلى صاحبه وإلا إذا لم تطبّق هذه القاعدة فلا يكفيك أن تقول إنه ليس بمضطر إلى الخروج إلا بعد أن رفعنا هذه القاعدة ، فلابد وأن نبدلها بقاعدة نافعة وهي أنه ينطبق ردّ المال إلى صاحبه فحينئذٍ يكون واجباً ولا مشكلة فيه.
والجواب قد أشرنا إليه سابقاً: وهو أنه هل المقصود أنه يصدق ردّ المال على الخروج نفسه كما يظهر من الشيخ النائيني(قده) ؟ فعلى هذا الأساس هو يكون واجباً وحسناً لأنه يصدق عليه ردّ المال إلى صاحبه.
وجوابه ما أشرنا إليه: من أنَّ الخروج هو بنفسه تصرّف غصبي وليس ردّاً ، نعم الردّ يتحقق فيما بعد وسوف يكون واجبا غيرياً لا أنه يكون واجباً نفسياً ، وإن كان الشيخ النائيني(قده) يذهب إلى الأوّل ، فلابد وأن نصير إلى الثاني وهو أنه واجب غيري ، فإذا كان واجباً غيرياً فحينئذٍ يرد عليه ما أوردناه سابقاً من أن ثبوت الوجوب لما هو مبغوض ولو بالوجوب الغيري ولما يستحقّ عليه المكلّف العقوبة ليس شيئاً وجيهاً إذ لا معنى لوجوب ما هو مبغوض وما تلزم العقوبة عليه ؟
إذن ثبوت الوجوب سواء كان نفسياً أو كان غيرياً ليس بوجيه.
وقد يدافع مدافع عن الشيخ النائيني(قده) ويقول: إنَّ الشيخ النائيني(قده) هو من البداية يعتقد أنَّ الخروج ينطبق عليه عنوان ردّ الأمانة ، فإذا انطبق عليه عنوان ردّ الأمانة فسوف يكون واجباً بلا استحقاق العقوبة ، فإذا أردنا أن نناقشه فلابد وأن نقول له إنَّ هذا ليس من باب ردّ الأمانة ، لا أن نناقشه بأنَّ هذا من موارد الاضطرار إلى الخروج بسوء الاختيار كما صنعنا في ردّنا الأوّل والثاني.
والجواب: إنَّ الشيخ النائيني(قده) الذي أقحم نفسه في هذا المجال ، لأنه من البداية كان من المناسب له أن يقول إنّ المورد الخروج من باب ردّ الأمانة وينتهي ، بينما هو أضاف وقال إنَّ الخروج ليس من باب الاضطرار بسوء الاختيار إليه حتى يستحق العقوبة عليه ، فهذه الجملة هو قد أضافها وحاول أن يثبتها من باب أنه هو مضطرّ إلى الجامع وليس مضطراً إلى الخروج بخصوصه ، فهذا الكلام الذي ذكره دعانا إلى أن نذكر الردّ الأوّل والثاني عليه ، فهو كان من المناسب له أن يقول إنَّ المورد من باب ردّ الامانة ويكتفي بذلك ، لكن يظهر منه أنه أراد إضافةً إلى ذلك أن يقول إنَّ المورد ليس من الاضطرار إلى الخروج وحاول أن يثبت ذلك حيث قال إنه مضطرّ إلى الجامع وليس مضطراً إلى الخروج ، بينما هو لو كان ينظر إلى قاعدة ردّ المال إلى صاحبه فقط فليسلّم أنَّ الخروج لا بأس به وإن اضطرّ إليه فهو ينطبق عليه عنوان ردّ المال إلى صاحبه ولا مشكلة فيه.
فإذن هو يظهر منه أنَّ له دعويان لا دعوى واحدة ، دعوى أوّلى وهي أنه ليس من موارد الاضطرار بسوء الاختيار إلى الخروج ، ودعوى ثانية وهي أنه ينطبق عليه ردّ الأمانة ، فعلى هذا الأساس ننحن نريد أن نناقشه بلحاظ الدعوى الأولى ، فبلحاظ الدعوى الأولى قلنا له هو بالتالي مضطرّ إلى الخروج ولا تقل هو ليس بمضطر ولكنه اضطرار شرعي وليس تكوينياً ، وثانياً أيضاً أوردنا عليه أنه بالتالي هو مضطرّ وبالتالي ولا نعبّر بالخروج فهو مضطرّ إلى ارتكاب الحرام.
فباعتبار أنَّ هذه دعوى أولى وتلك دعوى ثانية وليس هو بصدد دعوى واحدة نحن ذكرنا الردّ الأوّل والردّ الثاني.