الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التنبيه السابع ( الاضطرار بسوء الاختيار، ولا بسوء الاختيار )- تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.

وبهذا اتضح أنَّ ما ذكره الشيخ الخراساني وهكذا السيد الخوئي قابل للمناقشة كما أوضحنا ، بيد أنه في نفس الوقت يصعب علينا الالتزام بالقول الثالث الذي دفعنا عنه هذه الاشكالات ولكن رغم ذلك يصعب الالتزام به ، وذلك لأنه إذا كان يستحق العقوبة على النهي السابق - لأنَّ سقوط النهي السابق سقوط عصياني فيستحق العقوبة - كيف يصير الخروج واجباً وهل يجب ما هو مبغوض للمولى ؟ فإنه مادام يستحق العقوبة عليه يعني هو مبغوض وهل يجب ما يستحق المكلّف عليه العقوبة ، فكيف يجتمعان ؟ يعني يجب عليك ما هو مبغوض ويجب عليك ما تستحق عليه العقوبة ، يعني يجب عليك الخروج الذي تستحقّ عليه العقوبة ، إنَّ هذا جمعٌ بين المتنافيين والجمع ينهما لا يتصوّر ، فالمناسب على هذا الأساس أن نقول إنَّ الوجب ساقط والنهي السابق ساقط وبالتالي لا حكم شرعي في البين لا وجوب ولا حرمة؛ إذ حرمة الخروج قد سقطت بسبب الدخول إلى المغصوب ، والوجوب قد أوضحنا الآن أنه لا يمكن أن يثبت ، فلا وجوب شرعي ولا حرمة شرعية ، فلا يوجد حكم شرعي ، غايته العقل يلزم بالخروج من باب أنه أخفّ المحذورين وأهون القبيحين ، وهذا عبارة أخرى عن القول الرابع.

إذن القول الرابع هو الوجيه في هذا المجال ، ولكن يبقى علينا أن نعلّق على القول الخامس إذ مادمنا لم نردّه فلا يمكن الالتزام بالقول الرابع ، فلعلّ القول الخامس هو الأوجه ، ومن هنا نشرع في مناقشته.

وأما الاحتمال الخامس الذي يقول إنَّ الخروج يكون واجباً بلا حرمة وحتى بنحو الحرمة الساقطة فاستحقاق العقوبة ليس موجوداً ، وبحكم المعصية ليس موجوداً ، بل يوجد وجوب شرعي بالخروج فقط ولكنه لا يعاقب أثناء الخروج ولا بعده بل يوجد وجوب فقط من دون أن يكون الخروج بحكم المعصية.

فيرد عليه:- إنه مادام كان يحرم عليه الغصب سابقاً بكلّ أنحائه يعني بالدخول والبقاء والخروج فحينئذٍ سقوط النهي سوف يكون سقوطاً عصيانياً ويستحق المكلّف على مخالفته العقوبة فإنَّ المناسب هو ذلك لا أن نقول لا استحقاق للعقوبة أصلاً وليس بحكم المعصية ، نعم الاشكال الذي ذكرناه قبل قليل وهو أنه كيف يجب الخروج وبالتالي قلنا إنه لا يحتمل وجوب الخروج والحال أنه بحكم المعصية فهذا الاشكال الذي أوردناه على القول الثالث من أنه كيف يكون الخروج واجباً ويستحق في نفس الوقت عليه العقوبة ويكون مبغوضاً فإنه توجد منافاة بين يجب وبين كون الواجب مبغوضاً أو فيه عقوبة ، فهذا الاشكال لا يأتي على هذا الاحتمال الخامس لأنَّ الاحتمال الخامس يقول لا يوجد استحقاق للعقوبة فإنَّ النهي السابق ليس شاملاً للخروج ، فبناءً عليه يصير في حقّ الخروج وجوب فقط بلا مبغوضية ولا استحقاق عقوبة ولا بحكم المعصية ، فهذا الاشكال الذي سجّلناه على الاحتمال الثالث لا يرد على الاحتمال الخامس.

يبقى شيء لابد أن يعالجه هذا الاحتمال الخامس:- وهو أنه كيف تقول إنَّ الخروج ليس مشمولاً للنهي السابق ؟ يعني نهي لا تغصب لا يشمل الخروج ، إنه لابدّ وأن يُلتزَم بهذا الشيء وإلا إذا التزم بأنه يشمل الخروج فالسقوط سوف يصير سقوطاً عصيانياً فيستحق العقوبة والمفروض أنَّ صاحب الاحتمال الخامس يقول هو لا يستحق العقوبة ، يعني أنَّ النهي السابق عن الغصب لا يشمل الخروج فكيف لا يشمل الخروج ؟ هذا سؤال نوجهه إلى الشيخ النائيني(قده) فإنَّه من روّاد هذا الاحتمال الخامس.

ذكر الشيخ النائيني(قده)[1] وقال:- إنَّ الخروج ينطبق عليه عنوان ردّ الامانة إلى أهلها وليس المورد من مصاديق الاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً ، فمن البداية الخروج أصلاً ليس مشمولاً لدليل يحرم الغصب حتى نقول حينئذٍ إنََّ الخطاب بحرمة الخروج إنما سقط من باب الاضطرار والاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً فيستحق العقوبة ، فلا تقولوا ذلك ، فإنه ليس من الصحيح أن نقول: إنَّ نهي لا تغصب يشمل الخروج وإنما سقط التحريم بسبب الاضطرار بسوء الاختيار لكن تبقى العقوبة لأنَّّ الاضطرار بالاختيار لا ينافي الاختيار عقاباً ، بل قولوا ينطبق عليه عنوان ردّ الامانة إلى أهلها فيكون حسناً بلا استحقاق عقوبة أبداً.

وما هو دليلك على ذلك ؟

والجواب:- قد استدل بأربعة أدلة سنذكر واحداً منها:-


[1] أجود التقريرات، الخوئي، ص376.