الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/04/11
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- التنبيه السابع ( الاضطرار بسوء الاختيار، ولا بسوء الاختيار )- تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.
ثم أضاف السيد الخوئي(قده) قائلاً[1] :- نعم في باب الأحكام الوضعية يمكن أن يتصوّر ذلك - يعني يمكن أن يتصوّر اجتماع المصلحة والمفسدة - ولا إشكال فيه ، ومثاله كما لو فرض أنَّ شخصاً باع مال غيره بالفضولية فهنا قبل أن يجيز المالك هذه الدار التي بيعت فضولاً واقعاً هي ملك من ؟ إنها ملك صاحبها السابق فإنه هو المالك دون المشتري الفضولي ، فالمالك الواقعي هو مالكها الحقيقي السابق ، وحينما يجيز المالك بناءً على الكشف تصير ملكاً واقعاً قبل الاجازة للمشتري ، فقبل الاجازة تكون الدار ملكاً للمشتري الفضولي بناءً على الكشف الحقيقي ، فإذن صار شيء واحد ملكاً واقعاً للمالك - يعني قبل الاجازة - وفي نفس الوقت صار ملكاً واقعاً للمشتري وهذه فترة زمنية واحدة حصل فيها ملكان ملك المالك الحقيقي قبل الاجازة وملك المشتري الفضولي بعد الاجازة ، فإذن لا مانع من ذلك ونلتزم به ، وكيف تلتزم بهذا الشيء ؟
قال:- لأنه هنا لا يلزم اجتماع مصلحة ومفسدة ، فإنَّ المصلحة قائمة في نفس الاعتبار ، فأوّلاً اعتبار الملكية للمالك الأصيل كان فيه مصلحة والآن - أي بعد الاجازة - يكون اعتبار الملكية للمشتري الفضولي هو الذي فيه مصلحة ، فمتعلّق تلك المصلحة أو المفسدة غير متعلّق هذه المصلحة والمفسدة ، فمتعلق ذاك هو اعتبار الملكية للمالك الأصيل بينما متعلّق الثاني هو الاعتبار للمشتري الفضولي ، فالمصلحة والمفسدة - الملاك - قائم بنفس الاعتبار ، وحيث إنَّ الاعتبار متعدّد فلا يلزم اجتماع مصلحة ومفسدة في شيءٍ واحد ، بخلافه في الأحكام التكليفية فإنَّ المصلحة والمفسدة تكون في المتعلّق وليس في نفس الاعتبار ، فالخروج هو الذي يكون مورد المصلحة والمفسدة ، فالخروج يلزم اجتماع المصلحة والمفسدة فيه ، يعني بالتحريم القبلي ينكشف أنَّ فيه مفسدة وبالإيجاب البعدي ينكشف أنه فيه مصلحة فيلزم اجتماع مصلحة ومفسدة في الخروج الذي هو شيء واحد وهذا شيء غير ممكن.
هكذا ذكر الشيد الخوئي(قده) تأييداً وتوضيحاً لما أفاده صاحب الكفاية(قده) ، وبالتالي أيضاً دفع إشكال الأحكام الوضعية وأنه كيف تقول فيها ذلك ، فأجاب بما ذكرناه من أن اختلاف الاعتبار والملاك يقوم بالاعتبار فلا يلزم اجتماع ملاكين في اعتبارٍ واحد.
وفيه:-
أمّا بالنسبة إلى ما أفاده الشيخ الخراساني(قده) فنقول في التعليق على ما أفاده:- نحن لا نرى مانعاً من توجّه حكمين إلى شيء واحد إذا اختلف العنوان والجهة ، فالخروج قبل أن يتحقق الدخول إلى المغصوب كان تركه ممكناً وذلك بأن يترك المكلّف الدخول ، فتركه ممكنٌ فمن الوجه تحريمه ، ولكن بعد أن دخل صار مضطراً إلى الخروج فإيجابه وتوجّه الوجوب إليه بسبب طروّ عنوان الاضطرار يكون وجيهاً.
إذن تثبت الحرمة من البداية لأنك لست بمضطرٍّ فأُثبِت لك التحريم ، وهذا وجيه وعقلائي ولا شيء فيه ، ولكن بعدما دخلت صرت مضطراً للخروج فأُثبِت الوجوب عليك ، إنه لا مانع من ذلك والأحكام تختلف باختلاف العناوين ، فأوّلاً عنوان الاضطرار لم يكن موجوداً فنحرّم الخروج ، والآن صرت مضطراً بطروّ الاضطرار فنوجبه عليك ، وأيّ مانعٍ من أن يثبت للشيء الواحد حكمان مختلفان لكنه بعنوانين فيقال إن لم تكن مضطراً فهو حرام والآن أحرّم عليك الخروج لأنك لست مضطراً إليه ، ولكن متى ما اضطررت إليه فأنا أوجبه عليك ، مثل أكل الميتة - وهذا المثال لا أريد أن أجعله دليلاً ولكن كتوضيح - أو شرب الخمر فإنَّ حياتك إذا لم تتوقف عليه فهو حرام ، ولكن في نفس الوقت أقول لك هو حلال بل واجب إذا توقفت حياتك على تناوله ، فهو حرامٌ مادمت لست بمضطرٍ ، وواجب إذا اضطررت إليه وتوقفت حياتك عليه ، فتوجّه حكمين بسبب عنوانين شيء وجيه ، وبالتالي يكون الخروج كذلك ، فصحيحٌ أن زمانه واحد ولكن أي مانع من أن نقول هو حرام إن لم تكن مضطراً وإذا صرت مضطراً فيصير حينئذٍ واجباً.
وواضحٌ أنَّ الخطاب بالحرمة ثابتٌ في البداية والآن حينما دخل في المغصوب يسقط الخطاب ولكن الأثر يبقى وهو استحقاق العقوبة ولكن لا أقول له لا تخرج بل أقول له لماذا عصيت النهي عن الخروج السابق وسقط بسبب عصيانك ، فكخطابٍ هو ساقط ولكن التحريم من البداية هو ثابت لكنك خالفته بسوء اختيارك فأنا أقول لك يجب عليك الخروج ولكن أعاقبك ، فالمقصود هو أنه مادام الخطاب قد سقط والموجود هو الحرمة فقط مادمت لست بمضطرٍّ فإذا اضطررت يصير وجوباً ، أما خطاب الحرمة فليس موجوداً ولكن أثره يبقى موجوداً فيعاقب فإنا لا نرى مانعاً من ذلك فإنَّ الأحكام تختلف باختلاف العناوين.
وأما بالنسبة إلى ما أفاده السيد الخوئي(قده) من أنه إذا حرم قبلاً ووجب بعداً والمفروض أن زمانه واحد فيلزك اجتماع المصلحة والمفسدة فيه فنقول في جوابه:- إنه لا محذور في اجتماع المصلحة والمفسدة مادام العنوان مختلفاً ، فباعتبار أنك لست مضطراً إلى الخروج - أي قبل أن تدخل المغصوب - فتثبت الحرمة للخروج فتوجد مفسدة لأنك لست بمضطرٍّ فهو تصرف في ملك الغير وأنت ليس مضطراً إليه فهناك مفسدة في خروجك فأنا أحرمه ، ولكن بعد أن دخلت بسوء اختيارك صرت مضطراً إلى الخروج فثبتت فيه مصلحة لكن بسبب اختلاف العنوان ، فأوّلاً لم يكن هنا اضطرار كانت مفسدة ، وبَعداً حصل الاضطرار فتثبت حينئذٍ مصلحة ، ولا مانع في ثبوت المصلحة والمفسدة في شيءٍ واحد مادام العنوان مختلفاً ، كشرب الخمر ، فمادمت ليست مضطر فالآن توجد مفسدة في شربه ، أما مادمت مضطراً إلى شربه ففيه مصلحة ، ولا مانع حينئذٍ في هذا ، وهنا أيضاً كذلك - في مسالة الخروج -.
وأما ما أفاده السيد الخوئي(قده) - من أنَّ هذا الاشكال لا يأتي في الأحكام الوضعية يعني في مثال الملكية فلا بأس بأن تكون ملكية المبيع قبل الاجازة ثابتة للمالك الأصيل واقعاً وبالإجازة يصير ملكاً للمشتري لأنَّ المصالح والمفاسد تتعلّق وتقوم بنفس الاعتبار وليس بالمعتبَر - فيرد عليه:- إنَّ قيام الملاك بالاعتبار شيء لا نرى له وجهاً ، فلا معنى لأن تكون المصلحة أو المفسدة قائمة بنفس الاعتبار ، كلا ثم كلا ، وإنما المصلحة والمفسدة في المعتبَر ، وإذا كنّا ننسب المصلحة أو المفسدة إلى الاعتبار فنحن ننسبها بسبب المعتبَر ، فالمعتبَر وهو الملكية ثبوتها الآن فيه مصلحة فنقول اعتبار الملكية فيه مصلحة ، ولكن في الحقيقة المصلحة قائمة بنفس الملكية أي بالمعتبَر لا بنفس الاعتبار وإنما يكتسب الاعتبار هذه المصلحة أو المفسدة ثانياً وبالعرض ، فهو يكتسبها من خلال المعتبَر لا بنفس الاعتبار ، فكون المصلحة والمفسدة ثابتة بنفس الاعتبار هذا شيء غير مقبول.
وهذا الكلام قاله السيد الخوئي(قده) في مرّةً أخرى في مكانٍ آخر ، حيث قاله في دفع شبهة ابن قبة حينما قال ابن قبة لا يمكن تشريع الحكم الظاهري لأنه يلزم بالتالي اجتماع حكمين وملاكين في شيء واحد وبالتالي يلزم في عالم الامتثال أيضاً أحدهما يسحب نحو الامتثال والآخر يسحب نحو عدم الامتثال لأنه يوجد تغاير بينهما ، وأجابه السيد الخوئي(قده) هناك فقال:- إنه لا تنافي بين الحكمين بحسب المبدأ وبحسب المنتهى ، أي لا بحسب نفس الحكمين ولا بحسب المصلحة والمفسدة ولا بلحاظ عالم الامتثال ، أما بلحاظ نفس الحكمين بما هما حكمان فلأنَّ الحكم اعتبار ، فالوجوب اعتبار ، والحرمة اعتبار ، والاباحة اعتبار ، ولا مانع من اجتماع اعتبار مع اعتبار ، فأنا الآن اعتره ليلاً وفي نفس الوقت اعتبره نهاراً ، فإنَّ الاعتبار سهل المؤونة ، وأما بحسب الملاكات من مصلحةٍ ومفسدة فقد أجاب وقال: بالنسبة إلى الحكم الواقعي مصلحته أو مفسدته قائمة في المتعلّق ، بينما في الحكم الظاهري قائمة بنفس الجعل ، فاختلف مركز الملاكين ، أحد الملاكين مركزه متعلّق الحكم وهو ملاك الحكم الواقعي ، والآخر ملاكه قائم بنفس الجعل ، فإذن لا منافاة بينهما ، وأما أنه لا منافاة بينهما بحسب عالم الامتثال فلأجل أنَّ أحد الحكمين مجهول - يعني الحكم الواقعي مجهول - فلا يجرّنا نحو الامتثال ، والمعلوم فقط هو الحكم الظاهري.
هكذا ذكر السيد الخوئي(قده) هناك ، وشاهدي هو أنه جعل ملاك الحكم الظاهري قائماً في نفس الجعل - في نفس الاعتبار - ، وهنا أيضاً يريد أن يجعله في نفس الاعتبار ، يعني بتعبيرٍ آخر: مصلحة أو مفسدة الأحكام الوضعية قائمة بنفس الاعتبار ، ونحن قلنا هناك ونقول هنا: إنَّ نفس الاعتبار لا معنى لأن تقوم به المصلحة والمفسدة؛ إذ نفس الاعتبار قد تحقق الآن ، واشهدوا عليَّ أني اعتبرت ، فإذا اعتبرت فقد تحققت المصلحة والمفسدة فتحقّق الملاك فلا داعي إلى الامتثال ، فالامتثال لا يكون لازماً.
إذن بمجرّد الاعتبار سوف يتحقق الملاك فإنَّ لازمه هو هذا ، وهذا لا يمكن الالتزام به.