الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/04/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التنبيه السابع ( الاضطرار بسوء الاختيار، ولا بسوء الاختيار )- تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.

فيردّه:- إنه قد اتضح من خلال ما سبق أنَّ النهي لا يمكن ثبوته ، أي لا يمكن أن يخاطب بحرمة الخروج لأنه مضطر إليه والمضطر إلى شيءٍ ولو بسوء الاختيار لا يمكن أن يخاطب - كخطابٍ - بالتحريم ، نعم كعقابٍ لا بأس بأن يعاقب أما كخطابٍ فلا يمكن ، فالتحريم إذن لا يمكن ثبوته كما اتضح من خلال مناقشتا للاحتمال الأوّل.

كما وأنَّ الوجوب يشكل ثبوته لما ذكرناه فيما سبق من أنَّ وجوب الخروج هل هو نفسي أو غيري ؟ والنفسي باطلٌ لأنه يكون ثابتاً باعتبار أنه يصدق على الخروج ردّ المال إلى صاحبه أو ردّ الأمانة إلى صاحبها ، وأجبنا: إنه في الحقيقة هو ليس ردّاً بل هو تصرّف بمال الغير ، نعم هو مقدّمة للردّ فيما بعد لا أنه ردٌّ الآن حتى تقول هو واجبٌ نفسي ، فالواجب النفسي لا معنى له.

وأما الوجوب المقدّمي فأيضاً استشكلنا فيه باعتبار أنه يتوقف على أنَّ ترك الغصب من الواجبات ، وقد قلنا إنَّ الغصب حرام أما ترك الغصب فليس من الواجبات ، نعم لا بأس بالالتزام بأنه واجب عقلي أما كوجوبٍ شرعي فلا ، فعلى هذا الأساس لا يوجد وجوب شرعي وحرمة شرعية ، لا الحرمة لأجل الاضطرار ، ولا الوجوب الشرعي - لا من باب الوجوب النفسي - لما أشرنا إليه من النكتة ، ولا من باب الوجوب الغيري لعدم وجوب ترك الغصب.

ثم لو غضضنا النظر وقلنا إنَّ الخروج واجب غيري باعتبار أنَّ ترك الغصب مثلاً هو واجب - فلنلتزم بهذا تنزّلاً - مع ذلك لا يمكن ثبوت الحرمة ثبوت الحرمة والوجوب معاً بناءً على الجواز ، والوجه في ذلك هو أنَّ ثبوت الحكمين فرع ثبوت عنوانين وهنا لا يوجد عنوانان؛ إذ أحد العنوانين إذا أردنا أن نسلّمه فهو التصرّف الغصبي فيكون محرّماً ، فعنوان الغصب هو الذي ينصبّ عليه التحريم ، والعنوان الثاني الذي ينصبّ عليه الوجوب هو ليس إلا عنوان المقدمية - وكلامي هو على الوجوب الغيري فهذا اشكال يأتي على الوجوب الغيري - ولكن عنوان المقدّمية لا ينصبّ عليها الوجوب فإنَّ العنوان المذكور حيثية تعليلية وليس تقييدية ، يعني أنَّ مصبّ الوجوب الغيري ليس هو عنوان المقدّمة بل واقع المقدّمة؛ إذ واقع المقدمة - يعي المقدّمة بالحمل الشايع - هو المقدّمة وهو الذي يتوقّف عليه فعل الواجب بخلاف عنوان المقدّمة فإنه ليس بمقدّمة فهو لا ينفع شيئاً ولا يتوقّف عليه تحقق الواجب وإنما الواجب يتوقف على تحقّق واقع المقّدمة ، فإذن سوف نحصل على عنوانٍ واحدٍ وليس على عنوانين ، يعني نحصل على عنوانٍ واحدٍ للنهي وهو عنوان الغصب أما للوجوب الغيري إذا كان الوجوب وجوباً غيرياً فلا يوجد عنوان آخر - وقلنا إذا كان وجوباً نفسياً فيوجد عنوان آخر وهو ردّ المال إلى صاحبه -.

وأما الرأي الثالث:- الذي يقول بأن الخروج واجب وليس بحرام ولكن يجري عليه حكم المعصية - فقد أشكل عليه غير واحدٍ منهم الشيخ الخراساني(قده)[1] حيث قال:- إنَّ الخروج له زمان واحد وهو ما يكون بعد الدخول إلى الأرض المغصوبة آنذاك يتحقق الخروج ، وهو شيءٌ واحدٌ والشيء الواحد لا يمكن ثبوت حكمين له وان اختلف زمان الحكمين مادام هو شيئاً واحداً ، فلا يمكن أن تقول في البداية ( الخروج الذي يقع بعد الدخول إلى الأرض المغصوبة حرام ) - هذا يقوله المولى في البداية - ، ثم حينما يدخل المكلّف إلى الأرض المغصوبة الخطاب يسقط لكنه حرام بتلك الحرمة السابقة التي سقطت الآن ولكن المولى يقول له الآن ( يجب عليك الخروج ) وهذا معناه أنه شيء واحد تعلّق به حكمان غايته في زمانين ، واجتماع حكمين على شيءٍ واحدٍ له زمانٌ واحد - أعني الخروج - مستحيل رغم اختلاف زمان الحكمين.

نعم الذي هو ممكن هو اختلاف زمان المتعلّق ، فمتى ما اختلف زمان المتعلّق أمكن توجيه حكمين ولو في زمانٍ واحد مادام المتعلّق مختلفاً ، مثلاً الآن أقول للصائم ( الأكل قبل غروب الشمس محرّم ) وفي نفس الوقت نقول له ( وهو جائز لك بعد الغروب ) فهذا الشيء ممكن رغم أن زمان الحكمين واحد بيد أنَّ زمان المتعلّق مختلف ، فمع اختلاف زمان المتعلّق لا بأس بتوجيه حكمين ولو كان التوجيه في زمانٍ واحد ، أما العكس الذي هو محلّ كلامنا يعني أنَّ زمان المتعلّق واحد فإنَّ زمان الخروج واحدٌ إذ الخروج يقع بعد الدخول إلى الأرض المغصوبة فزمانه واحدٌ ، فمادام زمان الخروج واحداً فلا يمكن توجيه حكمين إليه ولو في زمانين ، فقبل الدخول يقال له ( يحرم عليك الخروج ) ثم بعدما يدخل يقال له ( يجب عليك الخروج ) ، إنَّ زمان ثبوت الحكمين مختلف لكن زمان المتعلّق واحد ومع وحدة زمان المتعلّق لا يمكن توجيه حكمين ولو في زمانين ، وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نلتزم بكون الخروج منهيّ عنه بالنهي السابق الذي هو ساقط الآن وفي نفس الوقت الآن واجب فإنََّ زمان الحكمين مختلف إلا أنَّ زمان المتعلّق واحد ، ومادام زمان المتعلّق واحداً وإن اختلف زمان الحكمين فلا يجوز.

والسيد الخوئي(قده) الذي اختار هذا المعنى أيضاً أخذ يوجّه ما ذكره صاحب الكفاية(قده) وأشار إلى هذا التوجيه في المحاضرات[2] حيث قال:- إنّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح والمفاسد ، والمولى إذا حرّم الخروج في البداية بمقتضى إطلاق ( لا تغصب ) فهذا يعني أنه وجد مفسدةً في الخروج الذي زمانه يكون بعد تحقّق الدخول إلى الأرض المغصوبة - كما قلنا - فإذا دخل المكلّف وأوجبنا عليه الخروج فهذا يعني أنه صار فيه مصلحة ، وبالتالي يلزم اجتماع مصلحة ومفسدة في الخروج في زمانٍ واحد وهذا شيءٌ مستحيل فإنه لا يمكن اجتماع مصلحة ومفسدة في زمانٍ واحد.

نعم يمكن هذا المعنى في حقّنا بأن يفترض أنه في البداية حرّمت عليه الخروج لتصوّري وجود مفسدةٍ ثم ألتفت بعد ذلك إلى أنه ليس من المناسب وجود مفسدة بل رأيت أنَّ المناسب وجود مصلحة فأثبت الوجوب ، وهذا جائز ولكن هذا ليس من باب اجتماع المصلحة والمفسدة وإنما من باب أنه انكشف لي أنَّ المفسدة ليست موجودة وإنما الموجود هو المصلحة فقط وهذا لا يكون إلا في حقّ الجاهل والله تعالى منزّه عن ذلك ، فلا يمكن إذن ثبوت هذين الحكمين رغم اختلاف الزمانين ، هذه مناقشة للقول الثالث وبالتالي هو دعمٌ للشيخ الخراساني(قده).

ثم أضاف السيد الخوئي(قده) شيئاً فقال:- إنَّ هذا يأتي في الأحكام التكليفية وأما في الأحكام الوضعية فلا مانع من ذلك.


[1] كفاية الأصول، الآخوند الخراساني، ص172، ط مؤسسة آل البيت.
[2] محاضرات في الأصول، الخوئي، ج4، ص368.