الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/04/09
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- التنبيه السابع (الاضطرار بسوء الاختيار، ولا بسوء الاختيار )- تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.
مقتضي - ملاك - الوجوب النفسي:-
ربما يقال إنَّ الخروج من المغصوب يشتمل على ملاك الواجب النفسي؛ إذ الخروج من الغصب ينطبق عليه عنوان ردّ الامانة إلى أهلها ، فأنا ردّ ملك الغير الى صاحبه من الواجبات النفسية ، فانطبق على الخروج عنوان الواجب النفسي ، فهو واجبٌ نفسي.
وممّن صار الى ذلك الشيخ النائيني(قده)[1] ، وينسب ذلك إلى الشيخ الأعظم(قده) أيضاً .
ولكن يمكن الاشكال عليه:- بأنَّ الخروج نفسه هو تصرّف في ملك الغير ، فكيف تقول إنَّ الخروج ينطبق عليه درّ المال إلى صاحبه ؟! وإنما هو تصرّف في المال ، فأنا حينما ارفع قدماً وأضع الأخرى فهذا تصرّف في ملك الغير فكيف تقول هو ردّ المال إلى صاحبة؟! ونحن نحن نقول:- كلا بل هو تصرّفٌ في مال الغير وليس ردّاً.
إن قلت:- إني بخروجي سوف أترك الغصب الزائد ويتحقّق الردّ.
قلت:- هذا صحيح ، ولكن هذا يعني أنه صار مقدّمةً للردّ ، فإذن صار وجوباً غيرياً وليس نفسياً ، فهو بنفسه ليس ردّاً للمال على إلى صاحبه وإنما هو تصرّفٌ في ملك الغير وإنما يتحقّق به الردّ بَعداً وليس الآن ، فهو مقدمة لردّ الامانة والملك إلى صاحبه بَعداً لا أنه الآن كذلك . إذن ملاك الوجوب النفسي ليس موجوداً فيه وإنما صار مقدّمية.
والخلاصة من كلّ هذا:- إنَّ ملاك الوجوب النفسي ليس موجوداً فيه خلافاً للعلمين ، وأما ملاك الوجوب الغيري فهو ثابتٌ ولكن ملاك المقدّمية للواجب العقلي دون الواجب الشرعي.
الأقوال في مسألة الخروج:-
تعدّدت الأقوال في مسألة الخروج وأنه واجب أو حرام ؟ ، وواضحٌ أنَّ الدخول لو كان لا بسوء الاختيار فالخروج واجب ولا مشكلة فيه وإنما الكلام فيما لو دخلت بسوء اختياري فالخروج الآن لابد منه ولكن بالتالي هل هو واجب شرعاً أو محرّم شرعاً أو ليس واجباً وليس حراماً ؟ هذه القضية حرّكت الأصوليين ، وهناك آراء متعددة:-
الأوّل:- إنه محرّم ، لأنه تصرّف غصبي.
الثاني:- إنه واجب ومحرّم ، فبناءً على جواز اجتماع الأمر والنهي نقول هو واجبٌ ومحرّم ، والنكتة واضحة:- فهو واجبٌ لأنه يحقّق ترك الغصب الزائد ويحقّق ردّ المال إلى صاحبة فيما بعد فهو واجبٌ بهذا الاعتبار ، وهو حرامٌ لأنك دخلت بسوء اختيارك فيصير خروجك حراماً.
الثالث:- هو واجب ولكن يجري عليه حكم المعصية.
والمقصود من أنه يجري عليه حكم المعصية يعني هو منهيٌّ عنه بالنهي السابق الذي سقط الآن ، فإنه قبل أن يدخل الأرض لمغصوبة كان يوجد نهيٌ يقول لا تغصب بأيّ انحاء الغصب ومنه الخروج فإنك قادرٌ على تركه وذلك بأن لا تدخل المغصوب ، فكل تصرّف غصبي أنت قادر على تركه ، لكن هذا النهي يسقط سقوطاً عصيانياً بدخولك المغصوب فتبقى مستحقاً للعقوبة ، نظير الانسان الذي يرمي بنفسه من أعلى البناء فحينما صار بين السماء والأرض هل تستطيع أن تخاطبه في الاثناء وتقول له لا توقع نفسك أو ﴿ ولا تلقوا بأيديكم الى التهلكة ﴾[2] ؟ كلا فإنه سوف يقع ولا يستطيع الوقوف في الهواء فيسقط النهي ولكنه سقوط عصياني ، فيستحق العقوبة والذم ، وهذا معناه أنِّ النهي وإن كان ساقطاً ولكنه بالتالي يستحقّ العقوبة ، هذا ما قيل أن ما يسقط بسوء الاختيار يسقط التكليف خطاباً لا عقاباً.
إذن اتضح أنَّ الخروج واجب ولكنه موجبٌ لاستحقاق العقوبة.
الرابع:- إنه لا يوجد تكليف شرعي لا بالحرمة ولا بالوجوب ، فالشارع لا يستطيع أن يقول لك ( هو واجب ) لأنه تصرّف في ملك الغير ، ولا يستطيع أن يقول لك ( هو حرام ) لأنك مضطرٌّ الآن فيسقط ، ولكن نقول أنت تستحق العقوبة لأنَّ سقوط هذا التكليف هو بسبب العصيان ، فتستحق العقوبة عقلاً كما قال صاحب الرأي الثالث ، وبالتالي نقول العقل يُلزِمُكَ عقلاً أن تختار الخروج من باب أنه أخفّ القبيحين والمحذورين.
إنه لا يوجد تكليف شرعي وإنما الموجود هو حكمان عقليان الأوّل ( إنك تستحق العقوبة ) لأنّ الخطاب قد سقط سقوطاً عصيانياً وسقوط الخطاب بسبب العصيان - بسوء الاختيار - لا ينافي الاختيار من حيث العقوبة ، فأنت تستحق العقوبة على الخروج هذا أولاً ، وثانياً العقل يُلزِم بارتكابه رغم أنه قبيح لأنه أخفّ القبيحين ، فالعقل يلزم بالخروج من باب ارتكاب أخفّ القبيحين والمحذورين.
الخامس:- الخروج واجب من دون حرمةٍ ومن دون أن يستحقّ العقاب على مخالفة التكليف السابق.
وهذا الرأي يشترك مع الرأي الثالث لكنه في الرأي الثالث هو واجب بإضافة استحقاق العقاب على مخالفة التكليف السابق ، فإنَّ التكليف السابق سقط بسبب العصيان وسوء الاختيار ، أما هذا الرأي فيقول إنه يوجد وجوب فقط من دون استحقاق العقوبة على مخالفة التكليف السابق.
هذه آراء خمسة في هذه المسألة ، وبعد استعراض هذه الآراء نأتي للتحدث حولها ومناقشتها:-
أما الرأي الأوّل:- فالالتزام به صعب ولا يمكن ، لأنه بالتالي هو مضطر الآن ولو بسوء اختياره إلى الخروج كي لا يرتكب البقاء الذي هو أكثر محذوراً فيكف يكون مخاطباً بالتحريم يقول له - كخطاب – ( يا فلان حرم عليك الخروج ) إذ لو لم يخرج لزم أن يرتكب محذوراً أكبر لأنه سوف يبقى في المغصوب ، فالخطاب بالتحريم لا معنى له ، وهذا نظير الشخص الذي ألقى نفسه من شاهق ففي البداية يقال له يحرم عليك أن توقع نفسك ولكن بعد أن أوقع نفسه فهو حينما كان بين السماء والأرض هو مضطرٌ ولا يتمكّن أن يترك فلا معنى لأن تقول له ( يحرم عليك إلقاء نفسك ) فإنَّ هذا غير ممكن فإن الخطاب يزول فأنه مضطر.
ومقامنا أيضاً كذلك ، فصحيح هو في البداية كان مخاطباً أن يترك الغصب بكلّ أنحائه ومن ذلك الخروج ولكن بعد أن دخل فخروجه سوف يكون مضطراً إليه وإلا يلزم التصرف الغصبي الأكثر والأوسع ، ومادام مضطراً إلى الخروج كيف يخاطب ويقال له حرام عليك الخروج ، نعم أنت قل:- هو يستحق العقوبة على مخالفة النهي السابق الذي هو ساقط الآن فإنَّ هذا وجيبه ، أما أن تقول هو محرّم يعني أنه يوجد خطاب والخطاب لا يمكن بعد فرض اضطراره.