الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: التنبيه السابع (الاضطرار بسوء الاختيار، ولا بسوء الاختيار )- تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.

قضيتان في المقام:- هناك قضيتان في المقام:-

القضية الأولى:- ذكرنا فيما سبق أنَّ المضطر لا بسوء الاختيار يتمكن أن يؤدي الصلاة الاختيارية واستثنينا من ذلك السجود لأنَّ فيه إلقاء الثقل على الأرض ، والآن نريد أن نستدرك ونقول:- إنه حتى السجود على الأرض يجوز أيضاً مادام اضطراره لا بسوء الاختيار.

وإذا قلت لي:- أوليس فيما سبق قلت إنَّ الغاصب لا تصح صلاته من ناحية السجود فالسجود لا يجوز على الأرض المغصوبة.

قلت:- إنَّ ذاك ذكرته إذا كان الشخص غاصباً لا أنه مضطر بسوء الاختيار أو لا بسوء الاختيار ، فالشخص إذا كان جالساً في بيتٍ مغصوب ولا يوجد اضطرار فهنا إذا أراد أن يصلّي فإنَّ ركوعه وقيامه وقراءته كلّها ليس تصرّفاً في المغصوب ما عدى السجود فإنَّ فيه إلقاء الثقل على الأرض ، أما هنا فهو مضطر ، فهو ليس بغاصبٍ وإنما هو مضطرٌّ لا بسوء الاختيار ، نعم هو رغم أنه مضطر لكن لا يجوز له أن يتصرّف تصرّفاً زائداً على مقدار ما يضطر إليه ، وحينئذٍ نقول:- لو فرضنا أنَّ هذا الانسان يتمكن دائماً من الوقوف على قدميه من دون جلوس على الأرض فيلزمه حينئذٍ أن يقف على قدميه لأنَّ جلوسه سوف يشغل مساحة أكثر من الأرض وهو في غنىً عن ذلك ، لكن عادةً الانسان لا يتمكن أن يقف على قدميه طيلة الفترة فبالتالي هو يعجز فيضطر إلى الجلوس على الأرض وهذا اضطراره لا بسوء الاختيار فهو له جائز ، فإذا جاز فحينئذٍ يجوز له أن يسجد على الأرض إذ بمقدار سجوده لا يزداد مقدار تصرّفه في الأرض بل يكون بنفس المساحة ، لأنه حينئذٍ يضع جبهته على الأرض وكفّيه وركبتيه وإبهاميه وهذا إذا أردت أن تحسبه فلعلّه أقل إن لم يكن مساوياً لمساحة الجلوس ، فإذا كان مساوياً فحينئذٍ لا محذور في ذلك إذ لو لم يفعل السجود بالتالي سوف يجلس على الأرض فإذا جلس فهو قد شغل هذه المساحة ولا فرق بين أن يشغلها بالجلوس أو يشغلها بالسجود ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.

إذن لابدَّ من التفرقة بين ما ذكرناه في التنبيه الأوّل وبين ما نذكره هنا ، فما ذكرناه في التنبيه الأوّل وهو أنَّ الانسان إذا دخل أرضاً مغصوبة قد فعل حراماً لكنه إذا أراد أن يصلّي فصلاته هل هي مورد لاجتماع الأمر والنهي أو لا ؟ وقلنا إنَّ صلاته ليست مورداً للاجتماع لأنَّ القراءة والركوع وغير ذلك ليست تصرّفاً في المغصوب إلا السجود فيصير اجتماع أمرٍ ونهيٍ فيه ولكن ذاك إذا كان هو الغاصب وليس مضطراً ، أما هنا فنحن نفترض أنه مضطرٌّ ، ومادام مضطرّاً فنستطيع أن نحلّل حتى سجوده للنكتة التي أشرنا إليها.

القضية الثانية:- نحن ذكرنا أنَّ كيفية الصلاة في حقّ هذا المضطر لا بسوء الاختيار توجد لها حالات ثلاث ، الأولى أن يكون عالماً بأنه يبقى في هذا المكان المغصوب المسجون فيه إلى نهاية الوقت ، والثانية يعلم أنه لا يبقى إلى نهاية الوقت وإنما يبقى بمقدار الصلاة فما زاد وليس كلّ الوقت ، والثالثة يعلم أنه يتمكّن من الخروج الآن ، ففي الحالة الأولى جوّزنا له الصلاة ولا مشكلة لأنه بالتالي هو مضطرّ لا بسوء الاختيار وأيضاً جوّزنا له الآن حتى السجود الاختياري ، وفي الحالة الثانية أيضاً جوّزنا له ذلك لأننا قلنا هو باقٍ بمقدار ربع أو نصف ساعة فيتمكن أن يأتي بالصلاة إذ لو لم يأت بالصلاة ماذا يصنع ؟ إنه ربما يجلس أو يقف فليشغل هذه الفترة بدلاً من الجلوس أو القيام بالصلاة فإنَّ الصلاة ليست تصرّفاً في المغصوب ، أما في الحالة الثالثة فلا يجوز له أن يصلّي لأنَّ الصلاة تأخير في المغصوب من دون مبرّر ، نعم قلنا إذا استطاع أن يصلّي أثناء الخروج جاز له ذلك إن حصل له الاستقرار والاطمئنان.

ورب قائل يقول:- إذا فرض أنه هناك حالة رابعة وهي أن نفترض أنه لا يعلم هل يخرجه السجّان الآن أو بعد ساعة أو إلى نهاية الوقت ، يعني لا يعلم أنَّ حالته من أي الأقسام الثلاثة فهذا ما هو حكمه ؟

والجواب:- إنَّ حالته ليست هي الثالثة جزماً إذ بالتالي السجان ليس موجوداً حتى يقول له اخرج فالحالة الثالثة ليست موجودة ، إنما أمره يدور بين الحالة الأولى والثانية وفي كلتيهما جوّزنا له الصلاة ، فإذن مادمت لا تدري فحالتك إما الأولى أو الثانية فيجوز لك أن تصلّي.

الاضطرار بسوء الاختيار:-

كما لو دخلت الأرض المغصوبة باختياري ولكن سوف اضطر إلى الخروج منها فهذا الخروج سوف أصير مضطراً إليه ولكن اضطراري ناشئ من سوء الاختيار لأني مضطر إليه للتخلّص من الغصب ولكنه اضطرار ناشئ من سوء الاختيار ، والكلام مرّة يقع في حكم الخروج بمقتضى القاعدة ، وأخرى يقع في حكم الصلاة اثناء الخروج.

وإذا قال قائل:- ما حكم الصلاة قبل الخروج ؟ أحجبنا:- بأن هذا قد تقدّم في التنبيه الأوّل وهو أنَّ الشخص الغاصب إذا أراد أن يصلّي فهل تقع الصلاة صحيحة أو لا ؟ وأجبنا وقلنا بأنَّ التكبير ليس تصرّفاً في الغصب وهكذا الركوع والقراءة وإنما استشكلنا من ناحية السجود فقط ، أما الآن فنتكلّم في حكم الخروج بمقتضى القاعدة ، والقضية الثانية التي نبحثها هي الصلاة أثناء الخروج.

حكم الخروج بمقتضى القاعدة:- وتحت هذا العنوان نبحث مرّة هل يوجد مقتضي الوجوب الغيري للخروج يعني أن يكون الخروج واجباً بالوجوب الغيري ، فهل يوجد مقتضي للوجوب الغيري أو لا ، ونبحث قضيّة ثانية وهي أنه هل يوجد مقتضي للوجوب النفسي أو لا ؟ ، والقضية الثالثة التي نبحثها هي الأقوال في مسألة الخروج ، إذن هذه ثلاثة أمور سوف نبحثها تحت حكم الخروج بمقتضى القاعدة.

مقتضي الوجوب الغيري:- فهل يوجد مقتضي للوجوب الغيري للخروج ؟ المقتضي للوجوب الغيري أن يقال غن الخروج مقدّمة للتخلص من الغصب فيصير واجباً بالوجوب الغيري فالمقتضي قد يقال موجود.

بيد أنه قد يذكر بيانان في مقابل ذلك ويقال المقتضي ليس بموجود:-

اللبيان الأوّل:- إنَّ الخروج ليس مقدمة لترك الغصب وإنما هو مقدّمة للكون خارج المغصوب ، يعني إذا سرت إلى أن خرجت من المغصوب فسوف أصير خارج المغصوب والكون خارج المغصوب ليس من الواجبات في الشريعة الاسلامية وإنما الواجب في الشريعة الاسلامية هو ترك الغصب أما الكون خارج العصب فليس بواجب والخروج مقدّمة للكون خارج الغصب والكون خارج الدار ليس بواجب فلم يقع الخروج مقدمة لواجب ، نعم نستدرك ونقول:- إنَّ الكون خارج المغصوب يلازم ترك الغصب ولكن ليس نفس الكون خارج المغصوب فإنَّ الكون خارج الدار عنوان وجودي وترك العصب عنوان عدمي فلا يكون هذا عين ذاك وإلا صار الوجودي عدمي والعدمي وجودي ، فترك الدار المغصوبة ملازم للكون خارج الدار وليس نفس الكون خارج الدار ، فالخروج صار إذن مقدّمة لشيء غير واجب يعني صار مقدّمة للكون خارج الدار الذي هو ليس بواجب ولم يصر مقدّمة لترك الغصب ، نعم ترك الغصب ملازم للكون خارج الدار وليس نفس الكون خارج الدار ، فالخروج لا يوجد فيه مقتضي لأن يكون واجباً غيرياًً ، وهذا مطلبٌ ذكره الشيخ الأصفهاني(قده)[1] والسيد الخوئي(قده)[2] .

ويردّه:-

أوّلاً:- إنَّ ترك الغصب مادام ملازماً للكون خارج الدار فالخروج الذي هو مقدّمة للشيء - وهو الكون خارج الدار - قهراً يكون مقدّمة لملازمه ، فبالتالي كما هو علّة للكون خارج الدار يصير علّة في نفس الوقت للملازم - الذي هو ترك الغصب -.

ثانياً:- قيل بأنَّ ترك الغصب واجب ، ونحن نقول:- إنَّ ترك الغصب ليس بواجب ، فإنَّ الغصب حرام أما ترك الغصب فلا يصير واجباً وإلا يصير كل من ارتكب حراماً يلزم أن يكون معاقباً بعقابين ، فالذي غصب يعاقب عقاباً أوّلاً لأنه ارتكب محرّم ثم يعاقب ثانياً لأنه ترك الواجب ، وكذلك من شرب الخمر والذي يستغيب والذي يسرق أيضاً كذلك.


[1] نهاية الدراية، الأصفهاني، ج1، ص287.
[2] أجود التقريرات، الخوئي، ج1، ص379، الهامش.