الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/04/03
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: التنبيه السابع (الاضطرار بسوء الاختيار، ولا بسوء الاختيار )- تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.
ثم إنه من خلال هذا اتضح ما لو اضطر المكلّف إلى الوضوء بالماء المغصوب ، كما إذا قال له الظالم توضأ بهذا الماء المغصوب وإلا آذيتك ، فهنا حينما يتوضأ هل يقع الوضوء بمقتضى الأمر الأوّلي صحيحاً أو فاسداً ؟ إنه بمقتضى ما ذكرناه يقع صحيحاً لأنَّ منشأ الشرطية هو النهي التكليفي عن الغصب والنهي قد سقط بسبب الاضطرار بسبب الظالم ، فحينئذٍ لا يعود مانع من التمسّك بالأمر الأوّل لإثبات صحّة الوضوء ، نعم على رأي الشيخ النائيني(قده) إنه لا يرى ذلك أما على رأي المشهور من المناب صحة الوضوء ، هذا خلاف ما إذا قال الظالم للمكلّف صلِّ في هذا الثوب الذي هو مصنوع من أجزاء ما لا يؤكل لحمه فالمناسب للقاعدة بطلان الصلاة ، لأنَّ شرطية أن يكون أجزاء اللباس مما يحلّ أكل لحمه مطلقة ، فإذا كانت مطلقة فهذا الأمر بالصلاة يكون ساقطاً عنّي ، نعم إذا فرض أني تخلّصت من الظالم قبل نهاية الوقت فلابد من الاعادة وإذا فرض أنه خرج الوقت فربما يقال بوجوب القضاء باعتبار أنه لم يؤدِّ الصلاة المطلوبة ولكن هذه قضيّة أخرى والمهم أنَّ هذه الصلاة رغم كونه مضطراً إلى أن يلبس هذا الثوب ولكن مع ذلك تقع الصلاة فاسدة لا صحيحة.
هذا كلّه بالنسبة إلى هذه القضيّة - وهي حكم الصلاة بمقتضى القاعدة -.
القضية الثانية:- كيفية أداء الصلاة في المغصوب[1] :-
هناك حالات ثلاث:-
الحالة الأولى:- أن يفترض أنه لا يرتفع الاضطرار إلى آخر الوقت ، يعني أغلقوا عليه باب السجن المغصوب وهو يعلم أنهم لا يفتحونه إلى آخر الوقت.
الحالة الثانية:- أن يعلم فإمكان التخلّص قبل آخر الوقت يعني بمقدار يمكن أداء الصلاة فيهز
الحالة الثالثة:- أن نفترض أنه من الممكن أن يخرج من السجن المغصوب من البداية.
أما بالنسبة إلى الحالة الأولى:- فهل يؤدي الصلاة إيماءً أو يجوز له أن يصلّي الصلاة الاختيارية فيأتي بسائر الأمور الواجبة في الصلاة عدى السجود حيث قلنا إنه ربما يشكل فيه باعتبار أنه يلقي ثقله على المكان المغصوب والثقل هو نحو تصرّف زائد في الأرض ، ولكن بقطع النظر عن السجود وافترض إنه لا يتمكن من السجود ولكنه يتمكن أن يركع وغير ذلك فهل يتمكن أن يزاول الصلاة الاختيارية أو يصلّي بالإيماء ؟ إنَّ ذلك تقدّمت الاشارة إليه وهو أنَّ المناسب له أن يزاول الصلاة الاختيارية فإنَّ الركوع لا يعد تصرّفاً زائداً فإنَّ الانسان يشغل مقدارا ًواحداً من الفضاء أو من المساحة مهما تغيّرت الهيئات ، فعلى هذا الأساس يجوز له الركوع الاختياري والقنوت بل والصلوات المستحبة أيضاً - ليس بالإيماء ما عدى السجود ولكن السجود دعنا عنه الآن - فكلّ هذا يمكن أن تأتي به بلا مشكل وبلا مانع.
بيد أنَّ البعض ذهب وربما ينقل صاحب الجواهر(قده) عن بعض معاصريه أنه يلزم أن يصلي إيماءً ، بل هو حينما دخل المكان الغصبي إلى ذلك المكان الغصبي بأيّ شكلٍ كان يلزم أن يبقى بذلك الشكل ولا يغير شكله فإذا كان معتدل القامة فعلية أن يبقى معتدل القامة ولا ينحني ، حتى أنَّ البعض زيّد اللهجة فقال يلزمه حتى جفون عينيه يبقيها كما هي عليه ، والشيخ صاحب الجواهر(قده) ثارت ثائرته على هذا.
وعلى أيّ حال المناسب أنه مادام اضطراره لا بسوء الاختيار فالمناسب كما ذكرنا أن يأتي بالصلاة بكامل أجزائها ما خلا السجود فإنَّ فيه إلقاء ثقل الجبهة على الأرض فهذا قد يشكل فيه أما ما زاد على ذلك فلا مشكلة فيه ، خلافاً لمن نسب إليهم صاحب الجواهر(قده) عدم الجواز ، ونصّ عبارته:- ( يجب على المحبوس الصلاة على الكيفية التي كان عليها أوّل الدخول إلى المكان المحبوس فيه إن قائماً فقائم وإن جالساً فجالسٌ بل لا يجوز له الانتقال إلى حالة أخرى في غير الصلاة أيضاً لما فيه من الحركة التي هي تصرف في مال الغير ....... ولم يتفطّن أن البقاء على الكون الأوّل تصرّف أيضاً ...... كما أنه لم يتفطّن أنه عامل هذا المظلوم المحبوس قهراً بأشد ما عامله الظالم بل حبسه حبساً ما حبسه أحدٌ لحد اللهم إلا ان يكون في يوم القيامة مثله خصوصاً وقد صرّح بعض هؤلاء أنه ليس له حركة أجفان عيونه زائداً على ما يحتاج إليه ولا حركة يده ...... أعاذ الله الفقه من أمثال هذه الخرافات وأغرب شيء دعواهم أنَّ الفقهاء على ذلك )[2] .
وللشيخ النائيني(قده) كلام[3] ذكر فيه:- أنه صحيحٌ أنّه بالدّقة الانسان يشغل مقداراً وحيّزاً واحداً من الفراغ لا يتغيّر بتغيّر الحالات لكنَّ هذا بالنظر الدّقّي ، وأما بالنظر العرفي فهو يعدّ هذا تصرّفاً فلا يكون جائزاً ، ولكنه في فوائد الأصول[4] قال:- صحيحٌ أنه بالنظر العرفي هذا يعدّ تصرّفاً إلا أنَّ المدار على النظر الدّقّي دون النظر العرفي ، وهذا عكس ما هو مذكور في أجود التقريرات ، وهو لم يبيّن النكتة في أنَّ المدار على النظر الدّقّي ، وما هي النكتة في ذلك ؟ هي أننا نحن نتبع العرف في تحديد المفاهيم ، وهذا هنا ليس تحديداً للمفهوم ، وحينئذٍ مادام كذلك فلا نرجع إلى العرف وإنما المدار على الدّقة ، فالدّقة مادامت تقول هذا ليس تصرّفاً زائداً فالعبرة بذلك . وعلى أي حال أنا أردت أن أقول هناك اختلافٌ موجود بين التقريرين في هذا المجال.
وأما بالنسبة إلى الحالة الثانية:- فهل يحقّ له أن يؤدّي الصلاة في أوّل الوقت ؟ الجواب:- مادام أنَّ تصرفاته الآن ليست محرّمة ، يعني هذه ليست تصرّفات زائدة فإنَّ هذا المقدار من الوجود مضطرٌّ إليه وحينما يركع لا يعدّ تصرّفاً زائداً فيجوز له الصلاة بلا مانع مادمنا قلنا يكون سجوده بالإشارة ولا يستطيع أن يسجد على الأرض ، وأما إذا كان سجوده على الأرض فعلية أو يؤخّر الصلاة ، لكن مادام لا يوجد عنده سجود على الأرض فلا يوجد عنده تصرّف محرّم ، فمادام لا يوجد عنده تصرّف محرّم فيصير مثل الحالة الأولى فيجوز له ذلك.
وأما بالنسبة إلى الحالة الثالثة:- ففي مثل هذه الحالة لابدّ وأن يخرج بسرعة من المكان المغصوب ولا ينتظر أكثر من القدار المضطر إليه ، فلو فرضنا أنه يخرج بعد ساعة فهو في مقدار ساعة يتمكّن أن يأتي بالصلاة فلا بأس فليأت بها مادام معذوراً عن السجود ويصير مثل الحالة الثانية ، أما إذا فرض أنه يُفتح له السجن الآن من دون فاصلٍ زمني يعني بمجرد أن يعطي السجّان المال فسوف يفتح به باب السجن فرواً فهنا لا يجوز أداء الصلاة لأنه يستلزم تأخير البقاء في المغصوب وهو ليس مضطراً إليه فلابد من الخروج بسرعة.
وإذ سألت وقلت:- هل يجوز له أن يصلّي أثناء الخروج ؟
قلت:- إذا فرض أنه يحصل له اطمئنان واستقرار فإنه أثناء الخروج يسير فالطمأنينة ليست موجودة ، اللهم إلا أن يفترض أنه راكب على دابة أو سيّارة يحصل فيها الاطمئنان الكامل فهنا يتمكن أن يأتي بالصلاة لأنه بمقدار الخروج هو مضطرٌّ لا بسوء الاختيار فيتمكّن أن يأتي بالصلاة بكامل أجرائها مادام هناك طمانينة كما في الحالة الأولى والثانية ، أما إذا فقدت الطمأنينة كما هي الحالة العادية فلا يجوز له حينئذٍ الصلاة أثناء الخروج.
هذا كلّه بالنسبة إلى الاضطرار لا بسوء الاختيار.