الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه الرابع - تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.

وفيه:- إنه لابد من التمييز بين عالم الثبوت وعالم الاثبات ، ففي عالم الثبوت يتم ما أفاده ، فثبوتاً لا يمكن أن يكون وجود الضدّ علّة لعدم الضدّ الآخر كما قال - وهذا قد مرّ علينا في مبحث الضدّ وهنا نأخذه من الأصول الموضوعية - ففي عالم الثبوت لا يمكن أن يكون وجود الضدّين علّه لعدم وجود الضدّ الآخر ، ولا عدم الضدّ الآخر يكون معلولاً لوجود ذلك الضدّ الأوّل ، ولكن نحن نتكلّم بلحاظ عالم الاثبات ، فالذي منعنا من استفادة وجوب الصلاة في المغصوب من دليل وجوب الصلاة - الذي هو أقيموا الصلاة - هو حرمة الغصب ، فإذا زالت حرمة الغصب فلا يوجد مانع من استفادة الوجوب منه ، فاستفد وجوب الصلاة في المغصوب من دليل أقم الصلاة.

إذن الشيخ النائيني(قده) يتكلّم بكلامٍ صحيح ولكنه أجنبي عن محلّ كلامنا ، فنحن لا نريد ثبوتاً أن نقول حرمة الغصب ولّدت عدم وجوب الصلاة فإن كلامه هنا يكون في محلّه ، ولكن نحن لا نقول هذا فنحن لا شغل لنا بعالم الثبوت والفقيه لا شغل له بعالم الثبوت ، فهو لا يريد أن يقول إنَّ حرمة الغصب ولدت ثبوتاً وواقعاً عدم وجوب الصلاة ، كلا فنحن لا نريد أن نقول هكذا حتى يقال بأنّ أحد الضدّين لا يكون علّة لعدم الضدّ الآخر ، وإنما نريد أن نقول إنَّ الذي يمنعنا من استفادة وجوب الصلاة المغصوب من دليل أقم الصلاة هو الحرمة وهذا بحث اثباتي وهو بحثٌ في الدلالة ، فإذا زال المانع من الدلالة - الذي هو الحرمة - فحينئذٍ لا مانع من استفادة الوجوب من دليل أقم الصلاة ، فالقضية قضية إثباتية ، أما أنه ثبوتاً كيف ؟ فتلك قضيّة عند المولى تعالى ، ولا نريد أيضاً أن نجعل عالم الاثبات على عالم الثبوت ، كلا بل نريد أن نقول فقط هذا دليلٌ ونحن مكلّفون بالأخذ بمفاد الدليل ، فدليل أقم الصلاة لا توجد فيه دلالة على وجوب الصلاة حينما توجد حرمة للغصب فإذا لم تكن حرمة فلا مانع من استفادة الوجوب ، فبحثنا في الاستفادة من الدلالة في عالم الاثبات وما ذكره لا يأتي في عالم الاثبات.

وهذا البيان - الذي أجبنا عنه بالجواب المذكور - قد ذكره في أجود التقريرات.

وله بيانٌ آخر في فوائد الأصول[1] وحاصله:- إنَّ ملاك حرمة الغصب - يعني المفسدة - علّة لأمرين الأوّل هو حرمة الغصب والثاني تقيّد الصلاة بعدم الغصب ، وحينئذٍ نقول:- إذا سقط المعلول الأوّل - أعني سقطت حرمة الغصب - بسبب الاضطرار لا بسوء الاختيار فلماذا يسقط المعلول الثاني ؟! بل يبقى على حاله مادامت العلّة باقية ، والنتيجة هي أنَّ الصلاة بَعدُ متقيّدة بعدم الغصب ، فلا يمكن حينئذٍ التمسّك بالأمر الأوّل لأنَّ هذا التقيّد بَعدُ معتبر.

ويرد عليه:-

أوّلاً:- هو قال إذا سقط المعلول الأول فالعلّة مادامت باقية يبقى المعلول الثاني ، ونحن نقول له:- قف هنا حيث نقول إذا سقط المعلول الأوّل فحتماً سقطت العلّة؛ إذ العلّة لو كانت باقية على ما هي عليه سالمةً وافيةً فكيف يسقط المعلول الأوّل ؟! إنَّ هذا مستحيل وغير ممكن ، فإذن العلّة بتلك الدرجة العالية قد سقطت إذ لو تسقط لما سقط المعلول الأوّل فإذا سقط فما هو المثبت للمعلول الثاني فإنَّ المعلول الثاني يتوقّف على العلّة بتلك المرتبة العالية.

ثانياً:- إنَّ موردنا ليس من قبيل علّة ولها معلولان ، بل موردنا علّة ولها معلولٌ واحد ولذلك المعلول الواحد معلولٌ - يعني المعلول الأوّل هو علّة للمعلول الثاني - فنحن ندّعي هكذا وهكذا يدّعي المشهور ، فإنَّ مفسدة حرمة الغصب أو الغصب صارت علّة لحرمة الغصب ، وحينما صارت علّة لحرمة الغصب هذه الحرمة سوف تصير سبباً وعلّةً لتقيّد وجوب الصلاة بعدم الغصب ، فمادام توجد حرمة فالحرمة هي التي تصير علّة لحرمة الصلاة لا أننا استفدنا من الملاك حرمة الصلاة ، بل استفدنا تقيّد الصلاة بعدم الغصب ليس من مفسدة الغصب فنحن لم نطّلع على عالم الملاكات فلا نقول إنَّ تلك المفسدة أوجبت معلولين ، بل نقول تلك المفسدة حتماً صارت سبباً لجعل حرمة الغصب فإنَّ الله تعالى جعل حرمة الغصب فلابد وأنه توجد مفسدة وإلا كان يلزم العبث ، فحينما ثبتت الحرمة نحن سوف نستكشف ونقول مادام توجد حرمة للغصب فإذن الصلاة متقيّدة بعدم الغصب ، فصار تقيّد الصلاة بعدم الغصب ليس معلولاً للمفسدة وإنما هو معلولٌ لحرمة الغصب ، فإذا كان معلولاً لحرمة الغصب والمفروض أنَّ حرمة الغصب قد سقطت بسبب الاضطرار لا بسوء الاختيار فيلزم سقوط التقيّد كما قال المشهور ولا تأتي القاعدة التي ذكرها - وهي أنه إذا كان الملاك هو علّة لمعلولين فإذا سقط المعلول الأوّل بقي المعلول الثاني - ، فنحن نقول له إنَّ موردنا ليس من هذا القبيل بل هو أجنبي عنه ، إنما موردنا هو مصداقٌ لكبرى ثانية وهي أنه إذا كان شيء علّة لمعلول - يعني مفسدة حرمة الغصب علّة لحرمة الغصب - وهذا المعلول - وهو حرمة الغصب - عله لمعلولٍ آخر - وهو تقيّد الصلاة بعدم الغصب - فعند سقوط المعلول الأوّل يلزم سقوط المعلول الثاني لأنَّ علته قد سقطت لأنَّ العلّة لاستكشاف تقيّد الصلاة بعدم الغصب هو الحرمة ، فإذا سقطت الحرمة فتقيّد الصلاة بعدم الغصب سوف يسقط.

إذن كلا البيانين اللذين أفادهما الشيخ النائيني(قده) قابل للمناقشة ، وما ذكره المشهور يكون وجيهاً ، لكني أبقى أقول:- هذا الكلام كلّه على مقتضى القاعدة الأوّلية وهو بحثٌ علميٌّ صرف ، والمفروض أنَّ القاعدة الثانوية - الرواية - دلت على أنَّ الصلاة تبقى صحيحة ، وهي واردة في المستحاضة والنفساء ونصها:- ( ولا تدع الصلاة على حالٍ فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الصلاة عماد دينكم ")[2] فإنَّ الوارد فيها هو ( ولا تدع الصلاة على حال ) ، ولكن رغم أنها واردة في الحائض والمستحاضة لكن تلغى خصوصية المورد فيثبت بذلك قاعدة ( لا تترك الصلاة بحال ).


[1] فوائد الأصول، الخراساني، ج1، ص445.
[2] وسائل الشيعة، العاملين ج2، ص373، أبواب الاستحاضة، ب1، ح5، آل البيت.