الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/03/28
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- التنبيه السادس ( العبادة المستحبة والمكروهة ) – اجتماع الأمر.
وبعد أن اتضح أنَّ المشكلة في النحو الثاني يعني العبادات المكروهة التي لا بدل لها لا تنحلّ بما أفاده الشيخ النائيني(قده) ولا بما أفاده الشيخ الخراساني فلابد من ذكر جوابٍ آخر.
ويمكن أن يجاب بما يلي:- وهو أنَّ المكلف وإن كان يستحب له أن يصوم في كل يوم من أيام السنة عدى الأيام الخاصة ولكن عادةً وعملاً هو لا يصوم جميع هذه الأيام المستحبة وإنما يصوم قسماً منها ، وحينئذٍ يقال إن النهي الكراهتي جاء للإرشاد ، يعني كأنه يريد أن يقول ادّخر قدرتك لصوم سائر الأيام التي أنت بحسب عادتك الخارجية تأتي بها واجعل يوم عاشوراء من القسم المتروك بحسب عادتك.
إذن بناءً على هذا يصير هذا النهي نهياً ارشادياً أيضاً ولكن بهذا المعنى - أي بمعنى أنه ادّخر قدرتك للصوم المستحب في تلك الأيام فإنّ صوم تلك الأيام أفضل مادمت أنت لا تأتي بالصوم في جميع أيام السنة -.
وبهذا الجواب يتضح أنَّ الجواب في كلا النحوين - يعني في النحو الأوّل الذي كان له بدل والجواب في هذا النحو الذي ليس له بدل - صار واحداً وهو الارشاد الى الفرد الأفضل ، ولكن بيان الفرد الأفضل ربما يختلف هنا عنه وهناك بالشكل الذي أوضحناه ، فإذن هكذا يجاب عن هذا الاشكال.
وربما يقول قائل:- يوجد عندي جواب آخر ليس فيه هذا التطويل ، بل بكلمة واحدة نقول:- إنَّ النهي عن صوم يوم عاشوراء جاء تخصيصاً لاستحباب الصوم في كلّ يوم من أيام السنة فنجري عملية تخصيص وتنحلّ كل المشكلة ، فيصير حينئذٍ الصوم في كل أيام السنة مستحباً إلا في يوم عاشوراء فإنه ليس بمستحب بل هو مكروه بلا استحباب.
وإذا قلت:- هذه مجرّد دعوى تحتاج إلى مثبت.
أجبت بجوابين:-
أولاً:- إنه كسائر موارد التخصيص ، فإنه إذا جاءنا دليل يقول هذا الشيء مستحب كإكرام كلّ ضيف ثم جاءنا دليل على أنَّ هذا الضيف الظالم لا تكرمه أوليس نلتزم بالتخصيص ؟! كذلك هنا فلنلتزم بالتخصيص فإنَّ القاعدة الأولية في العام والخاص والمطلق والمقيد هي ذلك ولا نحتاج إلى دليل فلنطبقه هنا.
ثانياً:- نقول يكفينا الاحتمال ، أليس أنَّ المشكلة الموجودة هي أنه كيف اجتمع الأمر والنهي في صوم يوم عاشوراء ؟! وهذا اشكال ثبوتي فيكفينا أن نقول يحتمل أنه يوجد تخصيص في المورد ، فيوجد إذن نهي بلا أمر ، فالمشكلة حينئذٍ تنحلّ بإبراز الاحتمال ولا تحتاج إلى اثبات لأنَّ مثل هذا الاشكال يكفيه ابراز الاحتمال.
والجواب أن يقال:- إنه بناءً على هذا يلزم أن نقول إنَّ صوم يوم عاشوراء باطل ، فإذا فرضنا أنه توجد عملية تخصيص فصوم يوم عاشوراء لا استحباب فيه ولا ملاك فيه فيقع باطلاً من الأساس إذ لا أمر استحبابي ولا ملاك والمفروض أنَّ الاجماع قائم على أنه يقع صحيحاً لا أنه يقع فاسداً ، فإذا بنينا على أنه حرام فذاك مطلب آخر - وواضح أنه لا بالعنوان الثانوي بل بالعنوان الأولي - لكن المفروض أنَّ الصوم يوم عاشوراء يقع صحيحاً غايته مكروه ، ومع وقوعه صحيحاً لا معنى للالتزام بعملية التخصيص؛ إذ لازم الالتزام بعملية التخصيص وقوع صوم يوم عاشوراء باطلاً إذ لا أمر استحبابي ولا ملاك فيلزم أن يقع باطلاً ، فلذلك لا يصار الى التخصيص ولا يذكر التخصيص كأحد الأجوبة ، والنكتة هي هذه.