الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/03/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- التنبيه السادس ( العبادة المستحبة والمكروهة ) – اجتماع الأمر والنهي.
وأجاب غير واحد ومنهم الشيخ الخراساني(قده)[1] حيث قال:- إنَّ النهي هنا هو نهي ارشادي أيضاً كما في النحو الأوّل ، وذلك ببيان:- إنه يوجد عندنا شيآن فعل الصوم وهو مستحب في كل يوم إذ فيه مصلحة بلحاظ كل يوم بما في ذلك يوم عاشوراء ، فهو مستحب من هذه الزاوية - أي من زاوية أنه فيه مصلحة كسائر الايام فإن كل يوم في صومه مصلحة ومستحب - ولكن هناك مصلحة ثانية وهي أن يترك المكلف الصوم في يوم عاشوراء كي لا يحصل شبه ببني أمية وهذه المصلحة أقوى من تلك المصلحة في صوم كل يوم ، فيكون فعل الصوم مستحباً وذا مصلحة والترك أيضاً يكون مستحباً وذا مصلحة غايته مصلحة أعظم وأكبر ، فالمورد إذن من التزاحم بين المستحبين والمصلحتين والملاكين والنهي جاء ليرشدك إلى صاحب المصلحة الأعظم وهو الترك ، فالترك مصلحته أعظم ، فإذن اندفع الاشكال لأنّ النهي عن صوم يوم عاشوراء ليس نهياً تكليفياً مولوياً ناشئاً عن مفسدة حتى تقول النهي التكليفي المولوي الناشئ عن مفسدة كيف يجتمع مع الأمر الناشئ عن مصلحة ، كلا بل هذا النهي لم ينشأ عن مفسدة وإنما هو ارشاد الى أنّ الترك أفضل من الفعل ، فعلى هذا الأساس الاشكال زائل من أساسه.
وأشكل الشيخ النائيني(قده)[2] على ما ذكره صاحب الكفاية بما حاصله:- إنه تارةً يفترض أنه بعد المقارنة بين الملاكين نفترض أن ملاك الفعل هو الأقوى يعني ينحذف مقدار المصلحة المتساوي لأن مصلحة الفعل نفترض أنها تساوي عشرة ومصلحة الترك نفترض أنها تساوي تسعة ، ومرّة بالعكس إذا افترضنا أنّ الفعل مصلحته تساوي عشرة والترك مصلحته تساوي تسعة فتذهب تسعة مع التسعة الأخرى فمن المناسب حينئذٍ أن يكون الفعل هو المستحب فقط وحده ، ولا يكون الترك مستحباً لأنّ المصلحة الباقية غير المعارضة هي واحد وهي موجودة في جانب الفعل ، وإذا فرضنا العكس يعني الترك مصلحته عشرة والفعل مصلحته تسعة فتذهب تعسة مع تسعة بعد الكسر والانكسار ويبقى واحد في الترك فيكون الترك مستحباً من دون أن يكون الفعل مستحباً ، فأين التزاحم بين المستحبين ؟!
وإذا فرضنا أنَّ المصلحتين كانتا متساويتين فتسقطان عن التأثير وتصيران بمثابة العدم ، وإلا إذا أرادتا أن يؤثرا فكيف يؤثرا وما هي نتيجة التأثير هل هي التخيير ؟ ومعلوم أن التخيير هو شيء قهري تكويني خارجي بلا حاجة الى تخييرٍ شرعي ، فحينئذٍ لا يمكن التخيير فإنَّ المكلف تكويناً إما أن يفعل الصوم أو يتركه فهو تكويناً هو مخير فلا يحتاج حينئذٍ الى تخييرٍ شرعي بعدما فرضنا أنه مخير تكويناً ، وبكلمةٍ أخرى:- إنّ الفعل والترك نفيضان والتخيير الشرعي بين النقيضين مضحك للثكلى ، مثل أن تقول لشخص أنت مخيّر بين أن تنام وبين أن لا تنام وإما أن تتزوج وإما أن لا تتزوج إما أن تأكل أو لا تأكل ، فهو في الحقيقة مخيّر تكويناً بين النقيضين ظ فحينئذٍ التخيير الشرعي لا معنى له بعدما كان مخيّر تكويناً.
والسيد الخوئي(قده)[3] في هذا المورد كان يميل الى الخراساني:- أي الى التزاحم بين الملاكين فلذلك أخذ يردّ على الشيخ النائيني(قده) وبالتالي يثبت ميله الى الشيخ الخراساني(قده) ، فناقش السيد الخوئي شيخه النائيني فقال له:- أنت قلت إذا كان الملاكان متساويين فلا يمكن التخيير لأنه تخيير بين النقيضين والتخيير بين النقيضين قهري ، فقال له قف هنا فإنَّ الكبرى تامة ولكن الصغرى ليست بتامة ، فالكبرى وهي التخيير الشرعي بين النقيضين لا معنى له بعد ثبوت التخيير التكويني فهي تامة ولكن نناقش في الصغرى وهو أن نقول إنَّ المورد ليس من النقيضين فإنَّ لنقيضين لا ثالث لهما وفي المورد يوجد ثالث فلا يكون إذن من النقيضين ، وكيف يوجد ثالث ؟ وذلك لأنَّ المكلف إما أن يترك الصوم رأساً وهذا الذي نقول بأنه هو الفرد الأفضل لأنَّ فيه ترك التشبه ببني أمية ، ويوجد فردٌ ثاني وهو أنه يصوم مع القربة ، ويوجد فردٌ ثالث نبرزه فيزول التناقض وهو أن يصوم بلا قصد القربة . فإذن المورد ليس من النقيضين حتى تقول إن التخيير بين النقيضين قهري تكويني فعلى هذا الأساس ما أفدته قابل للمناقشة.
فالسيد الخوئي(قده) نظر الى ذيل كلام النائيني لأنَّ الشيخ النائيني قال في ذيل كلامه أنه إذا كانا متساويين - يعني المصلحة في الفعل والمصلحة في الترك - فيسقطان عن الـتأثير والتخيير بينهما شرعاً لا معنى له لأنَّ الفعل والترك نقيضان والتخيير بين النقيضين قهري تكويني فلا معنى للتخيير الشرعي ، والسيد الخوئي(قده) ناقشه هنا فقال إنَّ المورد ليس من النقيضين بل يوجد شق ثالث وهو أن يصوم بلا قصد القربة.
ويرده:
أوّلاً:- إنَّ السيد الخوئي(قده) نظر الى ذيل كلام الشيخ النائيني(قده) وموردنا ليس من الذيل وإنما موردنا مما قبل الذيل ، لأنَّ النائيني(قده) قال إذا كانت مصلحة الفعل أكبر فيلزم أنه يوجد استحباب للفعل فقط ولا استحباب للترك وإذا كانت مصلحة الترك أكبر فحينئذٍ يكون المستحب هو الترك فقط بلا أن يكون الفعل مستحباً ، فموردنا هو أنا قد فرضنا أرجحية الترك فإذا كان الترك أفضل ومصلحته أكبر فحينئذٍ يصير اشكال الشيخ النائيني تام على الشيخ الخراساني ، فأنت احذف ذيل كلامه ولا تتمسّك به فإنه هذا ليس بصحيح عليماً وعيلك أن تناقش أساس المطلب فإن كلامنا في العبادات المكروهة يعني يوجد نهي عن صوم يوم عاشوراء ، فالشيخ النائيني يقول لابد وأن نفترض أنّ مصلحة ترك الصوم أعظم فإذا كانت أعظم فالفعل إذن سوف لا يكون مستحباً ، فلا يكون المورد من التزاحم بين المستحبين والارشاد الى المستحب الأعظم ، كلا إنَّ المورد ليس من هذا ، فالذي يريد أن يقوله الشيخ النائيني هو هذا وهو تام ، غاية الأمر ما ذكره في الذيل فيه مناقشة مثلاً ، لكن محل كلامنا ليس في الذيل وإنما في الصدر وكلام الشيخ النائيني بلحاظ الصدر يكون تاماً وإشكال السيد الخوئي عليه ناظر إلى الذيل وليس إلى الصدر فلا يضرّ بالشيخ النائيني.