الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة التنبيه الخامس ( تخريج فتوى المشهور ) ، التنبيه السادس ( العبادة المستحبة والمكروهة ) – اجتماع الأمر والنهي.

وهو شيء جيد إذا انسدت علينا الأبواب بأجمعها.

بيد أنه يمكن أن يقال:- إنَّ المشكلة تأتي في الجهل كما أشرنا سابقاً - وهذا استذكار فقط وليس الذي أريد أن أقوله – ولا تأتي في النسيان لأنه قلنا في النسيان الرفع يكون واقعياً فمادام المكلف ناسياً لحرمة الغصب فالرفع رفعاً واقعياً ، ومادام الرفع واقعياً يعني لا يوجد نهي في حق الناسي واقعاً ، فإذن لا يعود مانع من الأمر إذ المانع من الأمر كان هو النهي ، أما إذا لم يكن النهي موجوداً ومرتفع ، فالمشكلة حينئذٍ تأتي في حالة الجهل ، وقلت هذه قضية ليست مهمة ولكن أردت فقط التنبيه عليها وليست هي الجواب ، فالمشكلة تأتي في حالة الجهل ففي الجهل الرفع يكون ظاهرياً ومعنى ظاهري يعني أن الحرمة موجودة واقعاً غايته لا يوجد تنجّز وعقوبة أما الحرمة فواقعاً هي موجودة ومادامت موجودة فحينئذٍ يأتي الاشكال وهو أنه إذا كانت موجودة فإذن لا يوجد أمرٌ ، فإذا لم يكن الأمر موجوداً كيف صحت الصلاة من الجاهل بحرمة الغصب أو الغصب ؟

والجواب الذي أريد أن أذكره:- هو أنه يمكن تصحيح الصلاة في حق الجاهل - سواء كان جاهلاً بالحكم أو بالموضوع - بقاعدة لا تعاد ، وهي صحيحة زرارة ( لا تعاد الصلاة إلا من خمس الطهور الركوع والسجود .... ) فهذه باب ينفتح منه أبواب يستفيد منها الفقيه الكثير في باب الصلاة ، ولذلك قلنا لو كان المكلف يكبّر ثم يؤذن فصلاته صحيحة لأن الصلاة لا تعاد إلا من هذه الخمس ، وكذلك لو كانت قراءته غير صحيحة فمادامت الأركان محفوظة لا تعاد الصلاة.

نعم يوجد كلام لا بأس بذكره هنا وإن كان ليس محله هنا ولكن هذه نكات مفيدة ، فإنه يوجد كلام وهو أنّ هذه القاعدة تعم القاصر والمقصّر أو تشمل القاصر فقط ، فإن استطعنا أن نجعلها تشمل الجاهل المقصّر فهو جيد ، وكان السيد الخوئي(قده) يصرّ على أنها لا تشمل الجاهل المقصّر بل تشمل الجاهل القاصر فقط ، فلذلك حينما يسأل الناس على رأي السيد الخوئي(قده) أنا أحاول أن أساعدهم بالموضوع – بالصغرى – فمثلاً يأتيني شخص ويقول إن قراءتي فيها إشكال فقد يقول شخص له أنت مقصّر ويلزمك التعلّم ، ولكن أنت حاول أن تساعده فإذا استطعت أن تجعله قاصراً فساعده في ذلك ، فنساعده من ناحية الموضوع ونصحّح صلاته ، أما إذا بنينا على أنها تعمّ القاصر والمقصّر فالمسألة منحلّة.

ويوجد خلاف ثاني أيضاً - وكل هذا الكلام قد ذكرته في دروس تمهيدية في القواعد الفقهية - وهو أنها تختص بالناسي أو تعم الجاهل ايضاً ؟ والشيخ النائيني(قده) قال هي تختص بالناسي ، وعلى رأيه سوف تصير القاعدة ضيقة خاصة بالناسي أما الجاهل فلا تشمله وسوف لا تفيدنا ، أما إذا عممناها إلى الجاهل فسوف تنفعنا ، وهذه نكات جانبية لا تهمنا.

عود الى صلب الموضوع:- قلنا إنه بناءً على الامتناع هذا الذي يصلي صلاته من المناسب بمقتضى القاعدة أن تكون فاسدة لأجل أنا قدّمنا جانب النهي ومع تقديم جانب النهي لا أمر بالصلاة فتقع فاسدة ، وأنا أقول لك:- هذا كله صحيح ، ولكن لو كان الامام الصادق عليه السلام يقول لا تعاد الصلاة إلا من خمس وشرطية اباحة المكان ليس واحداً من الخمسة - أي ليست من الاركان - فإذن بمقتضى قاعدة لا تعاد أنه من غير الخمسة لا تعاد الصلاة وموردنا هو من غير الخمسة فلا حاجة لإعادة الصلاة.

إن قلت:- هذه تنفع إذا فرض انه كان يوجد أمر واقعا أنا إذا فرض أنه لم يكن يوجد أمر واقعاً وإنما كان الموجود هو نهي ، فإذن في مثل هذه الحالة كيف نصحح الصلاة فإنّ قاعدة لا تعاد ناظرة إلى حالة وجود الأمر من دون وجود نهي.

قلت:- هذا المكلف بالتالي يوجد في حقه أمر بالصلاة غايته أنه في هذا المكان لا يوجد أمر في حقه أما أمر بالصلاة موجود في حقه ، فافترض أنه يتمكن أن يصلي خارج المغصوب فإذا كان يتمكن أن يصلي خارج المكان المغصوب فحينئذٍ يوجد أمر في حقه ، فهو لم يسقط ، ولا أقل إذا فرضنا أنه لا توجد مندوحة فأيضاً يوجد أمر ولكنه ترتّبي ، فكيفما كان على تقدير عصيانه يؤمر بالصلاة ، فإذن يوجد أمر بالصلاة غايته هو لم يأتِ بالفرد الكامل الجامع ، فعلى هذا الأساس يكون مشمولاً لحديث لا تعاد بلا مانع ، أما أن تريد هذه الصلاة لابد وأن يوجد فيها أمرٌ وليس الأمر الكلّي فإذا كنت تريد هذا فكلّ صلاة هي فاقدة لأحد الشروط فهي لا يوجد فيها أمر ، فقاعدة لا تعاد يلزم أن لا ننتفع بها أبداً ، لأنه متى ما اختل أحد الأمور فالأمر بها يكون ليس موجوداً ، فيلزم أن لا نستفيد منها.

إذن إذا كان المقصود أنك تريد أمر بالصلاة كلّي فهذا المكلف مأمور بالصلاة خصوصاً إذا كانت له مندوحة ، وإذا أردت أمراً بهذه الصلاة فأمرٌ بالصلاة ليس موجوداً في جميع موارد قاعدة لا تعاد لأنه حتماً أحد الأمور مختل فلا أمر فيلزم أن لا نطبق قاعدة لا تعاد.

إذن هذه القاعدة يمكن التمسّك بها لإثبات صحة الصلاة إذ المختل هو ما أشرنا إليه لا أكثر.

هذا ما يمكن أن يقال في حل هذه المشكلة.

التنبيه السادس:- العبادة المكروهة والمستحبة.

قد يستدل على جواز اجتماع الأمر والنهي بالعبادات المكروهة أو المستحبة ، بتقريب:- أنه في الشريعة يوجد عندنا عبادات مكروهة مثل النوافل المبتدأة في أوقات معينة غير الرواتب ، فعند ارتفاع الشمس أو عند قريب غروب الشمس يكره للمكلف أن يصلي أو الصلاة في الحمام مثلاً أو صوم يوم عاشوراء مثلاً بناءً على كراهته ، هذه عبادات مكروهة ، وعندنا عبادات مستحبة كالصلاة في المسجد وما شاكل ذلك ، قد يستدل بهذه على جواز الاجتماع فيقال إنه في العبادات المكروهة مثل صوم يوم عاشوراء هو مكروه وعبادة فمعناه أنه يوجد أمر ويوجد نهي غايته هذا النهي نهي كراهتي وليس نهياً تحريمياً ، وإذا جاز اجتماع هذا النهي الكراهتي مع الوجوب جاز أن يجتمع النهي التحريمي مع الوجوب لعدم الخصوصية للنهي الكراهتي حيث حكم بجواز اجتماعهما ، فالنهي إذا كان لا يجوز اجتماعه مع الأمر يلزم أن لا يجوز اجتماعه حتى لو كان النهي نهياً كراهتياً ولم يكن النهي نهياً تحريمياً ، فجواز ذلك يكشف عن جواز اجتماع الأمر والنهي.

ولك أن تقول بصيغة أخرى أو بروح أخرى:- كيف يكون الشيء عبادة وفي نفس الوقت يكون مكروهاً أي أنه مبغوض بدرجة مخففة إنه آنذاك لا يمكن التقرّب ، فالعبادية مع الكراهة لا يمكن اجتماعهما ، فإذا اجتمعا دلّ ذلك على أنه يجوز اجتماع الوجوب مع التحريم أيضاً ، فهذان المتنافيان إذا جاز اجتماعهما جاز ذاك ولا فرق.

ونفس الشيء يأتي في العبادات المستحبّة ، فإنَّ المستحب يجوز تركه ، فإذا كان هو واجباً لا بجوز تركه فكيف يجتمع جواز الترك مع عدم جواز الترك أليس هو واجب ؟ أليست هي صلاة يومية ؟ نعم هي واجبة فإذا وقعت في المسجد تكون مستحبة ، ومعنى الاستحباب يعني يجوز تركه فإن لازم الاستحباب جواز الترك ، فكيف يكون واجباً وفي نفس الوقت يجوز تركه ؟! فهذان كيف يجتمعان ، فإذا قبلنا جواز اجتماعهما فلنقبل أيضاً باجتماع الوجوب مع التحريم.

هذا دليلٌ قد يستدل به على جواز اجتماع الأمر والنهي.

وألفت النظر إلى أن هذا الاشكال لابد من حلّه لا أنَّ الامتناعي فقط يحتاج إلى حلٍّ ، بل حتى من يقول بالجواز يحتاج الى حلّ ، فأنت القائل بالجواز كيف هي الصلاة في المسجد واجبة ومستحبة ، فهي عنوان واحد وليست هناك عناوين متعدّدة ، فهي الصلاة في ذاتها واجبة وفي ذاتها مكروهة مادامت في الحمام ، أو وهي في ذاتها مستحبّة يعني مادامت في المسجد ، فالصلاة كيف تكون واجبة ومستحبة بعنوانٍ واحد وهو عنوان الصلاتية ، أو مكروهة وواجبة بعنوان واحد وهو الصلاتية . هذه مشكلةٌ يحتاج إلى حلّها حتى القائل بالجواز لا فقط القائل بالامتناع.