الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/03/19
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: التنبيه الخامس ( تخريج فتوى المشهور ) – اجتماع الأمر والنهي.
أجاب الشيخ الخراساني(قده):- بأنه يوجد لي مبنى في باب الاجتماع بناءً عليه - ولا أعلم هل يوجد غيره يبني عليه ولكن من بعده لم أرَ أحداً يوافقه بل الكلّ خالفوه - وهو أنه لا يكون المورد من باب اجتماع الأمر والنهي إلا إذا فرض تحقق ملاك كلا الحكمين في مورد الاجتماع ، فملاك الأمر بالصلاة وهو المصلحة يلزم أن يكون ثابتاً وملاك النهي وهو المفسدة يلزم أن يكون ثابتاً ، فالمصلحة والمفسدة إذا كانتا ثابتتين في مورد الاجتماع - يعني في الصلاة في الدار المغصوبة - هنا سوف يصير هذا مورد اجتماع ، أما إذا فرض أن أحد الاملاكين دون الثاني فلا تحقق للاجتماع ، فلو فرضنا أنه توجد مفسدة فقط دون المصلحة فالثابت هنا هو الأمر فقط ، أما الأمر فملاكه وهي المصلحة ليس موجوداً فلا يتحقق اجتماع أمر ونهي.
وهل هذا صحيح أو لا فنحن لسنا بصدده وإنما نحن نريد الالتفات إلى أن صاحب الكفاية(قده) يبني على أن شرط تحقق اجتماع الأمر والنهي هو احراز وجود كلا الملاكين في مورد الاجتماع ، فإذا أحرزنا وجود كلا الملاكين فحينئذٍ يجيء أنه بناءً على الجواز كلاهما يكون ثابتاً وأما بناءً على الامتناع يثبت أحدهما ، أما إذا كان أحد الملاكين ثابت دون الثاني فهذا من الأساس يكون ليس من مورد الاجتماع ، فإذا كان يوجد ملاك واحد فالموجود هو النهي ولا يكون هذا من مورد الاجتماع.
إذن عرفنا هذا المبنى وهو أن شرط كون المورد من باب الاجتماع وجود كلا الملاكين فقال إنه بناءً على هذا المبنى تحل المشكلة وهو أنه إذا كان المكلف جاهلاً أو ناسياً فيمكن تصحيح صلاته في المغصوب بالملاك فإن الملاك موجود حتى لو بنينا على الامتناع وقدّمنا جانب النهي فالصلاة يمكن تصحيحها بالملاك ويمكن أن يقصد القربة لأنه جاهل أو ناسي فتقع صلاته صحيحة بالملاك ، وهذا بحلاف ما إذا كان ملتفتاً عالماً فإنه لا يمكن تصحيحها بالملاك لأنك مادمت تدري أنّ هذا غصب محرّم فالتقرّب آنذاك لا يمكن . إذن تفصيل المشهور بين الناسي والجاهل من جهة وبين العالم من جهة أخرى منشؤه هو هذا.
هكذا وجّه(قده) رأي المشهور ودفع التنافي ، وبناءً على هذا يحكم بصحة الصلاة سواءً بنينا على الامتناع أم بنينا على الجواز فإنَّ هذا لا يؤثر لأنه على كلا التقديرين الملاك موجود فيمكن أن نصحح الصلاة في حقّ الجاهل والناسي حيث يمكن قصد القربة ، وفي حق العالم لا يمكن قصد القربة لأجل أنه عالم والتقرّب لا يمكن في حقه ، هذا ما أفاده الشيخ الخراساني(قده).
ولكن الاشكال عليه:- أنه لو كنّا امتناعيين فكلا الحكمين ليس موجوداً ، بل الموجود حكماً واحداً ، فإذا قلنا هو النهي - قدمناه - فالنهي هو الموجود وبالالتزام يدل على أنّ ملاكه موجود ، وأما الأمر فحيث إنه ليس بموجود فمن أين تستكشف ملاكه ؟!
ولعلّ هذه مناقشة على أصل المبنى ، فنحن نريد أن نقول لصاحب الكفاية(قده) إنّ مبناك الذي بينته وهو أن المورد لا يصير من باب الاجتماع إلا إذا أحرزنا من البداية أنّ كلا الملاكين موجود ، وهذه المناقشة سوف تصير على أصل المبنى فنحن نقول له من أين تحرز من البداية أنّ كلا الملاكين موجود ؟ إنه لا يمكن أن يحرز ذلك ، فباب الاجتماع لا يمكن تحققه أصلاً على رأي الشيخ الخراساني(قده) ، إلا أن يجيب فإنه يوجد عنده جواب واحد وهو أنه إلا أن يثبت بالإجماع أنّ كلا الملاكين موجود ، ولكن هذا غير ثابت فإنه لا يمكن تحصيل الاجماع على أن كلا الملاكين موجود فهذا الذي بينته إشكال في الحقيقة على أصل المبنى.
فخلاصة ما نريد أن نقوله في جواب صاحب الكفاية:- هو أنه لو ثبت وجود كلا الملاكين فما أفدته يكون وجيهاً ، أما من أين نستكشف تحقق كلا الملاكين بعد أن كنّا امتناعيين وقدّمنا جانب النهي فأمرٌ ليس موجوداً فمن أين تستكشف المصلحة حتى يمكن تصحيح الصلاة من خلالها ؟!
وأجاب الشيخ النائيني(قده)[1] وحاصل ما ذكره:- قال إني أحلّ المشكلة بناءً على الجواز وأن يكون منشأ الجواز هو تعدّد المعنون خارجاً – لأنه سابقاً قلنا يوجد منشآن للجواز إما تعدّد المعنون خارجاً فيتعدّد الحكم بتعدّده والمنشأ الثاني هو أنّ المعنون واحد ولكن بما أنّ العناوين متعدّدة والأحكام تتعلّق بالعناوين فيكفي للجواز - أو على الجواز وبناءً على أن منشأ الجواز هو تعدّد المعنون ، فهو بناءً على هذا قال تنحلّ المشكلة فإنه مادام المعنون متعدّداً فيوجد أمرٌ ويوجد نهي من دون مانع.
ثم قال:- إني أصحح الصلاة لا بالأمر بل أصححها بالملاك لا بالأمر - كما قال صاحب الكفاية - فنقول حينئذٍ في حالة الجهل والنسيان تقع الصلاة صحيحة بالملاك - بناءً على الجواز - ويمكن التقرّب إذ لا قبح فاعلياً لأنه جاهل أو ناسي فالصدور لا يصير قبيحاً ، وهذا بخلافه فيما إذا كان عالماً فإنّ الصدور من العالم بالغصبية يكون قبيحاً بالقبح الفاعلي فلا يمكن فصد التقرّب فتقع الصلاة فاسدة لا لعدم الملاك بل لعدم إمكان فصد التقرّب.
يبقى شيء:- وهو أنه لماذا استعان الشيخ النائيني(قده) بالملاك أيضاً فإنه بناءً على الجواز وتعدّد المعنون خارجاً ، فتعال تمسّك بالأمر وقل إنّ الأمر بالصلاة موجود لأن الأمر متعدّد ؟ أجاب عن هذا فيما سبق حيث قال:- إنّ الصلاة والغصب هما اثنان ولكنهما متلازمان من حيث الوجود الخارجي ، وماداما متلازمين فصدور الصلاة سوف يكون قبيحاً ويكون غير مقدور لأنه ملازم للغصب ومادام غير مقدورٍ فالأمر لا يثبت لأنّ الأمر يختص بالحصة المقدورة ، والصلاة الملازمة إلى الغصب فهي وإن كانت مقدورة تكويناً ولكنها غير مقدورة شرعاً والممتنع شرعاً كالممتنع عقلاً فهو غير مقدور وإذا كان غير مقدور فالأمر لا يمكن أن يثبت ، فلذلك اضطررنا أن نتمسّك بالملاك.
وفيه:-
أولاً:- إنَّ هذا ليس حلاً للمشكلة فإنَّ المفروض في المشكلة أنَّ المشهور قائل بالامتناع فإنَّ هذا هو المعروف عنهم فيلزمك أن تحلّ المشكلة على هذا ، فهم لا يقولون بالجواز بل المنسوب إليهم هو الامتناع فلذلك هذا إشكال موجّه إلى المشهور على مبناهم هذا أما أنك تأتي وتفر وتتخذ شيئاً آخر فهذا لم يصر دفعاً للإشكال ، فجوابك هذا ليس فنّياً ، بل لابد لك أن تأتي بحلٍّ بناءً على ما نسب إلى المشهور - وهو الامتناع -.
ثانياً:- أنت قلت نصحح الصلاة بالملاك لا بالأمر ، وأمر لماذا ليس موجوداً ؟ لأنَّ الملازم للحرامة غير مقدور شرعاً وغير المقدور شرعاً كغير المقدور عقلاً فلا يوجد أمر ، ونحن نقول:- إذا لم يكن هناك أمر فمن أين لك الملاك حتى تصحح به الصلاة ؟! نعم إذا كان هناك ملاك فصحيح ولكن من أين تستكشف الملاك ؟ إلا اللهم أن تقول:- أنا أجزم بأنَّ الأمر قد انتفى لا لقصورٍ في المصلحة أو الملاك وإنما لأجل وجود المانع ، ونحن نقول له:- لا يمكنك أن تجزم بذلك ، بل لعلّ هذا المانع الذي طرأ - وهو الغصب - أزال الملاك فإنَّ المبادئ الإلهية لا نعرفها ، فلا يمكنك الجزم بوجوده.
ثالثاً:- هو أنه يقال:- إذا فرص أنه كان يوجد مندوحة - يعني يمكن أن يصلّي في مكانٍ آخر مباح - فيمكن أن نقول هناك أمر بالصلاة موجود ، فإنَّ هذا الفرد - وهو الصلاة في المغصوب - وإن كان غير مقدور حيث إنه ممتنع شرعاً لأنه ملازمٌ للغصب لكن بالتالي الفرد الآخر المفروض أنه ممكن لأنَّ المندوحة موجودة ويمكنه أن يخرج الى المكان المباح ويصلّي ، فمادام الفرد الثاني كان ممكناً فحينئذٍ يتوجه الأمر إلى جامع الصلاة - للطلاة على أحد فرديها - ويكفي في القدرة على الجامع القدرة على أحد أفراده.
ولكن هذا جواب مبنائي ، ولكني أريد بيان واقع المطلب فإنَّ بعض الحلول نحن نريدها لحلّ بيننا وبين الله عزّ وجلّ ، فإذن في هذه الأمور الثلاثة اتضح أنَّ جواب الشيخ النائيني(قده) لا يمكن تبنّيه ، فإذن ماذا نصنع لحلّ هذه المشكلة ؟
وقال السيد الخوئي(قده)[2] إنَّ المشكلة موجودة وهذا إشكال يتسجّل على المشهور ولا دافع له.