الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/03/18
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: تتمة التنبيه الرابع ، التنبيه الخامس ( تخريج فتوى المشهور ) – اجتماع الأمر والنهي.
ولكن يبقى:- أنه في مقامنا لا يوجد حكمان أحدهما ترخيصي والاخر نهي تحريمي وإنما أحدهما وجوب والاخر حرمة وما أفدته من القاعدة يتم في باب الترخيص مثل يجوز أكل الجبن ويستحب أكله أول الشهر ، فيجتمع ترخيص مع حكم الزامي مثل يحرم السرقة أو الغصب ، أما إذا كان اجتماع وجوب مع الحرمة كما هو محل كلامنا فهنا العرف لا يقول نحمل الوجوب على الحكم الأولي الاقتضائي والتحريم نحمله على الحكم الفعلي ، كلا فإنَّ هذا الشيء ليس موجوداً ، فكيف ؟ من هنا حاولوا أن يقولوا هذه المقالة وهي أن الأمر في مقامنا مثل صلِّ والنهي مثل لا تغصب هذا الأمر صحيح أن مدلوله الوجوب لكنه يدل بالالتزام على ترخيصات واباحات متعدّدة ، يعني أنت مرخّص أن تصلي في البيت ومرخّص أن تصلي في المسجد ومرخّص أن تصلّي في الحسينية وأحد الأشياء المرخّص فيها هو أن تصلّي في المغصوب ، فالأمر يدل بالالتزام على مجموعة اباحات وترخيصات ، فبالتالي يصدق أنه اجتمع الحكم الترخيصي مع الحكم الالزامي فيقدّم الحكم الالزامي على الحكم الترخيصي ، بهذا ننتهي من هذا المرجح الرابع ، وهذا مكمل للمرجح الرابع وهذه التكملة إذا لم نذكرها فالمرجح الرابع سوف لا ينفعنا.
وفيه:- إنه يمكن أن يقال:- إنّ هذه القاعدة العرفية - أعني أنه متى ما اجتمع ترخيص مع الزام وكانا متنافيين فيحمل الحكم الالزامي على الحكم الفعلي وذاك على الاقتضاء - تتم فيما إذا فرض أن الترخيص كان مدلولاً مباشرياً ومطابقياً له وليس التزامياً ، فإذا كان مطابقياً مباشرياً مثل يجوز أو يستحب أكل الجبن أوّل الشهر فهنا حينما يجتمع هذا الاستحباب مع لا تسرق أو لا تغصب فالعرف يحمل لا تغصب على الحكم الفعلي وهذا على الحكم الاقتضائي ، يعني أن يستحب أكل الجبن فيه اقتضاء لكن لو لم يمنع مانع مثل السرقة والغصب ، فإذا كان مدلول الدليلين أحدهما يدل على الترخيص بالمباشرة والمطابقة والآخر يدل على الحكم الالزامي بالمطابقة أيضاً فهنا العرف يطبّق هذه القاعدة ، أما إذا فرض أن أحد الدليلين لا يدل على الرخصة بالمباشرة وإنما بالالتزام كما هو محل كلامنا إذ في محل كلامنا الأمر يقول صلِّ ومدلوله المطابقي المباشري هو تجب الصلاة وهو حكم الزامي ومدلوله الالتزامي هو أنه حيث لم يقيد الصلاة بقيدٍ فأنت مرخّص في الاتيان بالصلاة في هذا المكان أو ذاك المكان أو ذاك وفي المغصوب ، فصارت الرخصة إذن مدلولاً التزامياً وليست مدلولاً مطابقياً وهنا من قال إنَّ العرف يجمع بهذا الجمع الذي ذكر ، فهذا الجمع يختص بما إذا كان الترخيص مدلولاً مطابقياً مباشرياً دون ما إذا كان التزامياً.
أجل لا يبعد أن يقال إنَّ العرف يستفيد من دليل الالزام مثل صلِّ ترخيصات متعددة لكن كل ترخيص مشروط بعدم المانع ، يعني العرف هكذا يفهم وهو أنه حينما يقول لك صلِّ ولم يقيد بقيد فمكان الصلاة لم يقيده بقيدٍ فيفهم العرف أنك مرخّص في أن تصلي في المسجد لو لم يمنع مانع شرعي من هذا الترخيص ، ومرخّص أيضاً في الصلاة في البيت لو لم يمنع مانع من جهة الشرع ، وهكذا مرخّص أن تصلّي في الحمام لو لم يمنع مانع ، فهذا القيد - وهو ( لو لم يمنع مانع ) - مضمرٌ في داخل المدلول الالتزامي ، فالمدلول الالتزامي أنت مرخّص في الصلاة في هذا المكان لو لم يمنع مانع شرعي ومرخّص في هذا المكان الثاني لو لم يمنع مانع شرعي ، فإذا جاء المانع الشرعي وقال لا تغصب - يعني أيَّ غصب - فصار الغصب مانعاً شرعياً من تطبيق أحد الترخصيات على أخد الأمكنة فيقدّم حينئذٍ لا تغصب من باب أنه مانع شرعي ، وأمر صلِّ وإن دل على الترخيص في كلّ مكان بأداء الصلاة ولكنه مقيّد بعدم المانع الشرعي ، وحيث أن لا تغصب يصلح أن يكون مانعاً شرعياً فيكون هو المقدّم ، هذا إذن شيء وجيه وبه يثبت تقديم النهي على الأمر ، لكن بهذا البيان الذي أشرنا إليه - وهو أن كل ترخيص من الترخيصات مقيد بعدم المانع الشرعي وذاك النهي يصلح أن يكون مانعاً شرعياً فيقدم النهي على الترخيصات من هذه الزاوية - لا من الزاوية التي أشار إليها السيد الخوئي(قده) ، فإذا كان مقصوده هو هذا فنعم الوفاق.
التنبيه الخامس:- تخريج فتوى المشهور.
المشهور في مسألة اجتماع الأمر والنهي ذهبوا الى رأيين:-
الرأي الأوّل:- هو الامتناع ، وهو المعروف بينهم دون الجواز.
الرأي الثاني:- قالوا إنه بناءً على الامتناع لابد من وجود أحدهما إما الأمر وإما النهي ، والمشهور قدّموا النهي.
فإذن المشهور قالوا بالامتناع وقالوا بتقديم النهي.
وتوجد عندهم فتوى:- أيضاً حيث قالوا إذا كان الانسان عنده بيت مغصوب وحلّ وقت الصلاة وبدأ بالصلاة فيه فهل تكون صلاته صحيحة أو باطلة ؟ قالوا:- إذا كان عالماً وملتفتاً الى أنّ هذا غصب وأن الغصب لا تحوز الصلاة فيه فصلاته باطلة ، أما إذا كان جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة ، هكذا فصّلوا بين الملتفت وغير الملتفت.
ويرد هنا إشكال على المشهور أشار إليه صاحب الكفاية(قده)[1] حيث قال:- إنه يوجد تنافي بينهما ، لأنه إذا بني على الامتناع والمفروض أنهم قدّموا جانب النهي فتقديم جانب النهي يعني أنه لا يوجد أمر بالصلاة وإذا لم يكن هناك أمر بالصلاة والموجود هو نهيٌ فقط فكيف تقع الصلاة صحيحة من الجاهل والناسي ؟! بل المناسب أن تقع باطلة من الجميع الجاهل والناسي والعالم إذ الثابت هو النهي دون الأمر فكيف جمعتم بين هذين المطلبين - يعني قلتم بالامتناع وتقديم جانب النهي وفي نفس الوقت قلتم الصلاة صحيحة من الجاهل والناسي فهذا جمع بين المتنافيين - ؟
وقبل أن أواصل الكلام أقول:- إنه يمكن أن نقول إن هذا الاشكال لا يأتي في صورة الجهل أو في صورة النسيان ، والوجه في ذلك:- هو أنه في حالة النسيان وإن كان هم بانين على تقديم جانب النهي ولكن هذا المكلف باني على أنّ الصلاة في الغصب حرام والتصرّف في الغصب حرام وأنّ هذا غصبٌ ، فهو ناسي الموضوع أو ناسي الحكم – فالنسيان إما بالموضوع أو بالحكم - ، وحيث إنَّ حديث الرفع بلحاظ رفع النسيان واقعي فنقول مادام هذا ناسياً فلا نهي في حقّه واقعاً لأنّ الرفع بلحاظ النسيان واقعي وليس ظاهرياً ، فهو مرفوع من أساس فإذا لم يكن النهي موجوداً واقعاً فيبقى المجال صالحاً لأن يأتي الأمر لأنّ المانع له كان هو النهي فإذا لم يكن النهي موجوداً واقعاً يبقى الأمر وحده بلا منازع فيحكم بالصحة ، فالحكم بالصحة في حالة النسيان على القواعد فيه وجاهة.
وقد يدافع عن المشهور فيقال:- صحيح أنهم يبنون على الامتناع ولكنهم يقدّمون الأمر لعلّه بهذه القرينة وهي الحكم بصحّة الصلاة الجاهل والناسي ، على أنهم عند الامتناع يقدّمون جانب الأمر ، أو قل إنَّ حكمهم هذا يدل على أنهم يحكمون بالجواز دون الامتناع ، يعني هم قائلون بالجواز وليس امتناعيين ونسبة القول بالامتناع إليهم نسبة غير صحيحة ، وإذا كانوا يبنون على الحواز فيمكن حينئذٍ تصحيح الصلاة بالأمر في حقّ الناسي والجاهل.
وجوابه:- إذا كان الأمر كذلك يعني يقولون بالحواز أو يقولون بالامتناع مع تقديم جانب الأمر فمن المناسب أن يحكموا بصحة الصلاة مطلقاً ولماذا يحكمون بصحتها من خصوص الناسي والجاهل فقط ؟! بل حتى العامد الملتفت تكون الصلاة من ناحيته صحيحة ، وهكذا إذا كانوا يبنون على الجواز ، هذه تكملة إلى كلام صاحب الكفاية.