الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/03/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه الثاني - تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.

التنبيه الثاني:- مورد اجتماع الأمر والنهي.

يتحقق اجتماع الأمر والنهي عند فرض وجود عنوانين تكون النسبة بينهما نسبة العموم والخصوص من وجه مثل صلّ ولا تغصب فإنَّ النسبة بين الصلاة وبين الغصب هي العموم من وجه فيجتمعان في الصلاة في الدار المغصوبة ويتحقق بذلك اجتماع الأمر والنهي ، هذا ينبغي أن يكون شيئاً واضحاً ، والخلاصة هي هكذا:- إنَّ مورد اجتماع الأمر والنهي حالة ما إذا كانت النسبة بين العنوانين نسبة العموم والخصوص - يعني بين عنوان الواجب وعنوان الحرام -.

وقد يقال يوجد مورد آخر لاجتماع الأمر والنهي:- وهو ما إذا كان الأمر متوجهاً إلى الطبيعي يعني المطلق والنهي كان عن الحصة من قبيل صلِّ ولا تصلِّ في الحمّام فإن صلّ الأمر متوجه إلى طبيعة الطلاة المطلقة والنهي متوجه إلى الحصّة فهل يتحقق في مثل هذه الحالة اجتماع الأمر والنهي ؟

ربما يقال:- كلا لا يتحقّق لأن متعلّق الأمر غير متعلق النهي ، فمتعلق الأمر هو الطبيعة بينما متعلق النهي هو الحصّة فحصل اختلاف ببين المتعلقين فلا اجتماع.

بيد أنَّ الشيخ النائيني(قده)[1] ذكر أنه يمكن أن يقال بتحقق اجتماع الأمر والنهي:- ببيان أنَّ الأمر المتعلق بالطبيعة المطلقة هو وإن دلّ على تعلّق الحكم بالطبيعي لكن بالدلالة الالتزامية هو يدل على ثبوت الرخصة للمكلف في أن يطبّق هذا الطبيعي على أي فرد من الأفراد فحينما يقال صلّ والمفروض أنه مضطر يعني بالدلالة الالتزامية نك أيها المكلّف مرخّص في تطبيق عنوان الصلاة الواجبة على أيّ فرد من أفراد الصلاة ومن جملة الأفراد الصلاة في الحمام والمفروض أنه قد توجد إليها النهي فيلزم من ذلك اجتماع الأمر والنهي ، لكن الأمر والرخصة استفدناه كمدلول التزامي لصلِّ ، والنهي قد استفدناه من دليل لا تصلّ - أي النهي عن الحصّة -.

إنَّ الشيخ النائيني ابرز هذه القضية وهي أنه التفت إلى المدلول الالتزامي للأمر بالطبيعة فإنَّ المدلول الالتزامي هو أنك مرخّص أيها المكلّف في تطبيق الصلاة الواجبة على أيّ فرد من أفرادها ومن تلك الفراد الصلاة في الحمّام ، بين هذا الترخيص في تطبيق الطبيعي على الصلاة في الحمام وبين النهي عن الصلاة في الحمّام يحصل حينئذٍ اجتماع أمر ونهي إباحة وحرمة ، ترخيص في تطبيق الصلاة الواجبة على الصلاة في الحمّام مع النهي عنها.

وأشكل السيد الشهيد(قده)[2] على الشيخ النائيني(قده) قائلاً:- إنك قلت إنَّ مدلول صلّ يقع التنافي بينه وبين لا تصلِّ في الحمّام وأنَّ مدلول صلّ هو الترخيص في التطبيق على الصلاة في الحمّام ونحن نسأله ونقول:- أنِّ هذا الترخيص في التطبيق هو نفس مدلول الاطلاق أو أنه لازم مدلول الاطلاق ؟

إذن اختصر عبارة السيد الشهيد:- فهو يسأل الشيخ النائيني إن هذا الترخيص الذي ابرزته تريد ان تقول هو نفس مدلول إطلاق صلّ ، يعني إطلاق صلّ معناه هو أنك مرخّص في التطبيق على أي فرد ، فهل تريد أن تقول هكذا أو أنك تريد ان تقول غن لازمه ذلك ؟! فإن كنت تقصد الأوّل فهذا باطل فغن مدلول الأمر بالطبيعي - مدلول المطلق - هو أنَّ الأمر والحكم قد تعلق بالطبيعي مجرّداً عن القيد - فمدلول الاطلاق مدلول المطلق مدلول الأمر بالمطلق هو هذا هو أنَّ الحكم انصبَّ على الطبيعة مجردّة عن أي قيد من القيود هذا هو مدلول الاطلاق ومدلول الأمر بالطبيعي - فالطبيعة هي المتعلّق للتكليف من دون قيد لا أنه نفس مدلول الاطلاق هو الرخصة في التطبيق ، كلا فإنَّ هذا باطل ، وإذا كنت تقصد الثاني - وهو الوجيه ولعلّ الشيخ النائيني مقصوده هو هذا - يعني أنَّ لازم الاطلاق الرخصة في التطبيق على كلّ فرد فيمكن أن يقال في الجواب إنَّ المدلول الالتزامي هو الرخصة في تطبيق الصلاة على أي فرد لكنها رخصة من جانبي ومن ناحيتي أنا المطلق لا أنه هناك رخصة فعلية ، كلا بل من ناحيتي أنا المطلق لا مانع أما من ناحية دليل آخر فقد لا توجد رخصة ، فإذا كان هذا هو مدلول الأمر بالطبيعي فلا يتنافى إذن مع النهي عن الصلاة في الحمام لأنَّ الأمر بالطبيعي لا يرخّص رخصة فعلية ويقول بالفعل أنت مرخّص كلا بل يقول له إنه من ناحية أنا الأمر المتعلّق بالمطلق لا مانع وهذا لا يتنافى مع وجود المانع في التطبيق من ناحية أخرى من ناحية الدليل الثاني وهو لا تصلِّ في الحمّام فلا تحصل منافاة في البين ولا اجتماع أمر ونهي إنما المنافاة تثبت فيما لو فرض أن صلّ يدل على الرخصة الفعلية ، فإنه بين الرخصة الفعلية وبين النهي عن الصلاة في الحمّام توجد منافاة أما المدلول الالتزامي لصلٍّ ليس هو الرخصة الفعلية في التطبيق على كلّ فرد.

ثم قال السيد الشهيد:- ولكني مع ذلك اسلّم لك ما أردته من وجود المنافاة ولكن ببيان آخر وذلك بأن يقال:- إنَّ صلِّ يدلّ على الأمر بالطبيعي ولازم الأمر بالطبيعي محبوبية الطبيعي الجامع وهو الصلاة ، وإذا كان الجامع محبوباً فتنحلّ هذه المحبوبية - أي محبوبية الجامع - إلى محبوبيات بعدد الأفراد غايته بنحو المحبوبية المشروطة ، فمن أحبّ جامع الطعام فحب الجامع هذا ينحلّ بالوجدان إلى أنه يحب هذا الطعام عند تعذّر ذاك وأحب ذاك عند تعذّر هذا فهو يحب كلّ فرد عند تعذّر الآخر - ومن الواضح أنه لا يحبُّ كلّ الأفراد في آنٍ واحد بل يحبّ فرداً واحداً ويريده لأنَّ بطنه لا تسع كل الطعام بل تسع واحداً فيحب كل واحد منها بشرط عدم الآخر - ، وإذا ثبت هذا نقول إنَّ الأمر بالصلاة سوف يدل على محبوبية الصلاة ولازم محبوبية الصلاة الجامع محبوبية كل فرد من الصلاة عند عدم الآخر ومن ذلك محبوبية الصلاة في الحمام وعلى هذا الأساس إذا نهي عن الصلاة في الحمام يلزم من ذلك مبغوضية الصلاة في الحمّام وسوف تجتمع المحبوبية والمبغوضية فردٍ واحد.

فهو(قده) سلك طريق اجتماع المبادئ في فرد واخد ، فهو لم يأخذ بمقالة الشيخ النائيني وإنما سلك هذا الطريق.


[1] فوائد الأصول، النائيني، ج1، ص435، ط مؤسسة النشر الاسلامي.
[2] دروس في علم الأصول ( الحلقة الثالثة )، السيد الشهيد، ج1.