الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/03/03
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.
المصداق الثاني:- الصلاة في اللباس المغصوب.
ينبغي أن يكون واضحاً أن الغصب تارةً يكون في المكان وأخرى يكون في اللباس ، فإن كان في المكان فهذا ما تقدّم الحديث عنه في المورد السابق ، وأما إذا كان الغصب في اللباس فهذا ما نريد أن نتكلّم عنه الآن ، فإذن فلنفرِّق بين الموردين ، وهنا قد يقال إنه يلزم اجتماع الأمر والنهي في اللباس المغصوب ببيانين:-
البيان الأوّل:- إنَّ من أحد أجزاء الصلاة الواجبة ستر العورة ، وعلى هذا الأساس إذا كان اللباس مغصوباً فستر العورة سوف يصير واجباً ومحرّماً ، فهو واجبٌ لأنه جزءٌ واجب من الصلاة ، وهو محرّمٌ لأجل أنه تصرّف في المغصوب فيكون محرّماً ، فالسروال الذي يلبسه الرجل مثلاً إذا كان مغصوباً هو واجبٌ لأنه يستر العورة في الصلاة وهو حرامٌ لأنه لبس للمغصوب ، فلزم من ذلك اجتماع الأمر والنهي في شيءٍ واحد لكن لا في كلّ اللباس بل خصوص ساتر العورة - أي بمقدار ستر العورة - فإن الواجب هو ستر العورة ، أما إذا فرضنا أنه لبس قميصاً ففي القميص لا يأتي هذا الكلام لأنَّ لبس القميص للرجل ليس بواجب ، فإذن بناءً على هذا البيان يلزم اجتماع الأمر والنهي بمقدار الساتر للعورة فقط.
ويشكل على هذا البيان بإشكالين:-
الاشكال الأوّل:- إنَّ ستر العورة يمكن ان يقال هو ليس جزءاً من الصلاة حتى يصير واجباً فإنه شرطٌ إذ لو كان جزءً كبقية أجزاء الصلاة كالركوع والسجود والقيام يلزم فيه قصد القربة فإنَّ الصلاة هي عين الأجزاء فإذا كان يعتبر في الصلاة قصد القربة يعني يعتبر قصد القربة بالتالي في الأجزاء لأنَّ الأجزاء هي عين الكلّي المركّب والحال أنه لا يوجد احتمال قصد القربة في ستر العورة ، نعم يعتبر قصد القربة في قراءة السورة والركوع والسجود أما في ستر العورة فلا يعتبر قصد القربة بلا إشكال ، وهذا يدلّ على أنه ليس بجزءٍ وإنما هو شرط ، وفي باب الشرط يكون القيد خارجاً والتقيّد داخلاً ، التقيّد يكون مأخوذاً ومعتبراً في المركّب أما نفس القيد فيكون خارجاً عن المركب ، تقيّدٌ جزءٌ وقيدٌ خارجٌ ، والفرق بين الأجزاء والشرائط هو هذا ، ففي باب الأجزاء الشيء يكون داخلاً وفي باب الشرائط يكون الشيء خارجاً عن المركّب لكن التقيّد به يكون معتبراً ، وإنما صار التقيّد به معتبراً وهو خارج وذلك لأنّا قد بيّنا النكتة سابقاً وهي أنه إذا لم يكن خارجاً صار جزءً كبقية الأجزاء ولم يحصل فرقٌ بين الجزء والشرط ، وأما أنَّ التقيّد به يكون معتبراً لأنه إذا كان التقيّد به ليس معتبراً فإذن لا التقيّد معتبر ولا القيد معتبر ، فإذن هذا سوف يخرج عن كونه شرطاً ، فمن الأساس يصير سالبة بانتفاء الموضوع ، فالشرطية تكون زائلة عنه ، فمادام هو شرط فلابدّ وأن يكون هناك شيء معتبر ، فإذا كان القيد ليس معتبراً فيلزم انتفاء أصل الشرطية.
إذن في باب الشرط يلزم أن يكون التقيد معتبراً لكن القيد ليس معتبراً في المركّب . ثم نضم إلى ضميمة وهي أنّ التقيّد وإن كان واجباً إلا أنَّ الأمر بالتقيّد لا يلزم منه الأمر بالقيد.
خلافاً للشيخ النائيني:- فإنه يصرّح في بعض كلماته على أنَّ الأمر بالتقيّد أمر بالقيد ، فحينما يقول لك ( أريد منك الصلاة مع التقيّد بإباحة المكان وبالقبلة ) يعني هذا سوف يصير أمراً بالقيد لا أنه أمرٌ بالتقيّد فقط . ولعلّ هذا تقدّم منّا سابقاً.
ويرد عليه:- إنه بناءً على هذا سوف تصير كلّ الشرائط أجزاء ولم يحصل فرقٌ بين الشرائط والأجزاء ، فالجميع حينئذٍ تصير أجزاء ، فإذن يلزم أن نلتزم بأنَّ التقيّد وإن كان واجباً لكن القيد لا يكون واجباً ، فإذا لم يكن القيد واجباً - يعني نفس الستر لا يكون واجباً - فسوف لا يلزم اجتماع أمر ونهي وإنما يوجد نهي فقط ، لأنَّ الأمر متعلّق بالتقيّد دون نفس الستر ، فالتقيّد بالستر هو الواجب أما نفس الستر فلا يكون مأموراً به وواجباً ، فعلى هذا الأساس لا يلزم اجتماع الأمر والنهي.
والخلاصة من هذا الاشكال:- إنَّ الستر في الحقيقة شرط وليس بجزءً ، والدليل هو أنه لا يلزم فيه اعتبار قصد القربة ، ولوكان شرطاً وليس جزءً التقيّد يكون واجباً دون نفس القيد والأمر بالتقيّد ليس أمراً بالقيد خلافاً للشيخ النائيني وإلا لتحولت جميع الشرائط إلى أجزاء ، فإذا لم يكن القيد واجباً فعلى هذا الأساس الستر لا يلزم فيه تحقق اجتماع الأمر والنهي ، ففيه نهيٌ من دون أمر ، نعم يوجد أمرٌ بالتقيّد لكن نفس الستر لا الأمر به ، فعلى هذا الأساس لا يلزم اجتماع الأمر والنهي فيه.
الاشكال الثاني:- إنَّ الستر ليس بمعتبر في الصلاة ولا التقيّد به معتبرٌ أيضاً ، فإنه يمكن أن يقال إنَّ المعتبر في الصلاة هو نتيجة الستر وهو الانستار أما نفس الستر فليس واجباً ، فإنَّ الواجب على المكلّف أن تكون العورة مستورة ، فسواء كان يوجد ساتر أو لا يوجد فهذا ليس مهمّاً لنا فإنَّ المراد منك هو الانستار ، فالواجب هو الانستار ، فإذا كان الواجب هو الانستار فعلى هذا الأساس فليكن الستر بالمغصوب فإنه بالتالي قد تحقق الانستار وهو واجبٌ وليس بحرام فإنَّ الحرام هو الستر بالغصوب أما تحقّق الانستار بالمغصوب فليس بحرام . وهذا كلام دقيق وظريف.
إن قلت:- من أين لك أنَّ الانستار هو الواجب دون نفس الستر بالساتر ، فهل توجد روايات في ذلك أو ماذا ؟
قلت:- إنَّ الروايات بالتالي هي اعتبرت أن تكون العورة مستورة وهذا فيه احتمالان ، فالروايات حينما اعتبرت ستر العورة فيحتمل أن يكون مقصودها هو أن تضع ساتراً فالساتر هو الذي يكون واجباً ، وهذا الاحتمال هو الذي كان في ذهننا ، ولكن يوجد احتمالٌ آخر وهو أنَّ المستوريّة هي اللازمة لأنَّ هذا الستر هو مقدّمة للمستورية ، والاحتمال الثاني أولى عند أهل البصرة - وهو المستوريّة - لأننا نريد النتيجة وهي انستار العورة ولا يهمنا أنَّ الستر بأيِّ شيءٍ صار ، فإذن نتيجة الستر هي الواجبة.
فإذن بينّت لك نكتتين ، الأولى هي أنه يكفيني الاحتمال ، والنصّ وإن كان يعتبر ستر العورة لكن هذا يلتئم مع كلا الاحتمالين فتصير الروايات مجملة ويكفانا هذا ، فمادام هي مجملة فلا تستطيع أن تقول هذا مصداقٌ جزمي للاجتماع - يعني في الستر نفسه - ، كلا بل يحتمل أنَّ الواجب هو المستوريّة . بل بينت شيئاً آخر وهو أنَّ المناسب أن تكون المستوريّة هي الواجبة لأنَّ المهم في الصلاة هو أن تنستر العورة أما أنه نفس الساتر فهذا في الحقيقة مطلوب مقدَّمي إلى الانستار ، وعقلائياً والمناسبات تقتضي بذلك فلا تستغرب فإنَّ هذا هو المناسب - وهو الانستار أي النتيجة - دون الستر.
هذا كلّه بالنسبة إلى البيان الأوّل مع الاشكالين وتبيّن أنه لا يتحقّق اجتماع أمر ونهي في ستر العورة.
البيان الثاني:- إنه يلزم اجتماع الأمر والنهي لا في ستر العورة بل في الركوع والسجود ، فإن المصلّي حينما يركع فهنا قد تحرّك اللباس ، فإذن لزم من ذلك اجتماع الأمر والنهي في الركوع ، فالركوع بما أنه جزء من أجزاء الصلاة فسوف يكون واجباً ، وبما أنه علّة للتصرّف في اللباس المغصوب وعلّة الحرام حرام فعلى هذا الأساس يلزم أن يكون حراماً ، فلزم اجتماع الأمر والنهي في الركوع وفي السجود وفي القيام ؟
والفارق بين هذا البيان والبيان السابق:- أنَّه في البيان السابق - إن تمّ - فإنه يلزم اجتماع الأمر والنهي فقط وفقط في ستر العورة ، أما بناء على هذا الوجه فيلزم اجتماع الأمر والنهي في جميع أجزاء الصلاة من ركوعه وسجودها وقيامها وغير ذلك ، فكلّ هذه الأمور هي تصرّفات في المغصوب فيكون ذلك موجباً لاجتماع الأمر والنهي فيه.