الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/02/06
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: تنبيهات مسألة اجتماع الأمر والنهي.
رابعاً:- الكون ، فنقول إنَّ نفس الكون يعتبر في الصلاة فإنَّ الصلاة لا تصير بلا كون ، فلابد وأن يكون الانسان في مكان حتى يصلّي وإلا كيف يصلّي ؟!! ، وأنت قد سلّمت بأنَّ الكون في المغصوب هو من المحرّمات فيلزم فيه اجتماع الأمر والنهي ، فهو منهيٌّ عنه لأنك سلّمت أنَّ أصل الكون في المغصوب هو من المحرّمات ، وكونه واجباً لأنَّ الصلاة بلا كونٍ لا يمكن ، فاجتمع الأمر والنهي في شيءٍ واحد وهو الكون.
والجواب:- إنَّ الكون في المغصوب وإن كان محرّماً ونفس الكون على الأرض المغصوبة هو محرّم ولكن من قال إنه من واجبات الصلاة وأجزائها ؟! ، فالصلاة لا يلزم فيها الكون ، فلو استطاع المكلّف أن يصلّي في الهواء ، يعني كانت عنده القابلية على أن يصلّي في الهواء من دون الكون في مكان فسوف تكون صلاته صحيحة ، نعم لا يمكن الصلاة إلا مع الكون فهذا صحيح ولكن هذا لا يعني أنَّ الكون صار جزءاً واجباً في الصلاة ، وإلا لعلّه يلزم أموراً أخرى كالتنفّس أيضاً فهل تصير الصلاة بلا تنفّس ؟! فهل التنفّس من واجبات الصلاة ، نعم هو مقدّمة عقلية ولكنها ليست واجبة ، ولكن إذا أمكنك أن تحقّق الصلاة بدونه فنقول لا بأس بذلك ، وهذا معناه أنه ليس من أجزاء وواجبات الصلاة.
إذن الكون في المكان أيضاً لا يتحقّق به اجتماع الأمر والنهي.
خامساً:- التشهّد والجلوس ما بين السجدتين أو النهوض القيام من لتشهد إلى الركعة.
فهنا قد يقال هنا يلزم اجتماع أمرٍ ونهي.
وجوابه:- ما هو التشهّد ؟ معناه أن تقول ( أشهد ألا إله إلا الله ..... ) أثناء جلوسك ، ولكن الاستقرار على الأرض وإن كان محرّماً ولكنه ليس من واجبات الصلاة ، إنما الواجب في التشهّد هو أن يقول هذا الذكر في حالة اطمئنان وهو ليس بواقف وإنما هو جالس ولكن لو أمكنه الجلوس لا على الأرض وإنما في الهواء كفاه ذلك في تحقّق الواجب ، فلم يؤخذ في التشهّد الاستقرار على المكان حتى تقول إنَّ الاستقرار على المكان تصرّف غصبيّ ، بل لو أمكنك أن تأتي بالتشهّد من دون استقرارٍ على المكان كما لو أمكن الاستقرار في الهواء لفترةٍ تكفي للتشهّد بحيث يصدق عليه الجلوس ففي مثل هذه الحالة كفى ذلك والصلاة تكون صحيحة.
فإذن لم يؤخذ في التشهد الاستقرار على المكان ، فإذا لم يؤخذ ذلك فيه فحينئذٍ لا حرمة فيه لأنه تصرٌّف بلسانه وحركة في رجله وقلنا بأنَّ الحركات البدنية ليست محرّمة ، فحركة اللسان واليد والرجل ليست محرّمات زائدة على الكون في المغصوب ، إنما المحرّم هو الاستقرار والكون في المغصوب أما الحركات من رفع اليد وطيّ الرجل والتربّع وغيرها فهي حالات لست محرّمة ، وعلى هذا الأساس التشهد لا يلزم فيه اجتماع وجوبٍ وحرمة إذ لا توجد فيه حرّمة ، نعم لو كان يعتبر فيه الاستقرار على الأرض فالاستقرار على الأرض لا يجوز لأنَّه به يتحقّق الغصب ، ولكن الاستقرار ليس مطلوباً فيه.
وهكذا الجلوس ما بين السجدتين فإنَّ الواجب هو انتصاب القامة ما بين السجدتين أما أن يكون ذلك على المكان فلا ، فلو تمكنت بين السجدتين أن ينتصب ظهرك من دون أن تستقرّ على مكانٍ كفى ذلك.
وهكذا قيامك من السجدتين ، فهو لا يلزم فيه الاستقرار على مكانٍ بل أصل القيام واجب أما الاستقرار على مكانٍ فليس بواجب ، وقلنا إنَّ أصل القيام هو حركة في البدن والحركات البدنية ليست محرّمة وإنما هي تصرّف في البدن.
إذن اتضح من خلال هذا أنه لا يوجد شيء من أجزاء الصلاة يمكن تحقّق اجتماع الأمر والنهي فيه.
نعم هناك شيء واحد:- وهو السجود في بعض الحالات يلزم فيه اجتماع الأمر والنهي ، فإنَّ السجود على قسمين ، سجودٌ اختياري وهو لا يتحقّق إلا بإلقاء ثقل الجبهة والكفين والركبتين والابهامين على الأرض ولا تكفي مجرّد المماسّة السطحية ، فلو كانت مجرّد مماسة سطحية فقد قلنا بأنَّ مماسّة مال الغير لا يعدُّ تصرّفاً محرّماً فإنَّ أدلة الحرمة منصرفة عنه ، فإذا كان السجود يعتبر فيه مجرّد مماسّة الجبهة للأرض من دون إلقاء الثقل فسوف لا يصير تصرّفاً غصبيّاً ، ولكن بما أنه يعتبر فيه إلقاء الثقل على الأرض وكذلك الركبتان والكفان والابهامان فهذا الاستقرار على الأرض هو إلقاء ثقلٍ وهذا تصرّفٌ غصبي ، فإلقاء الثقل بنفسه إمّا هو عبارة عن الكينونة في المغصوب أو هو شيء آخر غير الكينونة لكنه بنفسه بالنظر العرفي هو تصرّفٌ غصبي فلا يجوز حينئذٍ ، ولذلك لو كنت جالساً في المغصوب فلا تلقي بثقل يدك على الأرض بل حرّكها في الهواء فإنَّ هذا لا بأس به أما أنك تلقي بثقلها على الأرض فهذا حرام.
فإلقاء الثقل معتبرٌ في السجود ، فإذا كان معتبراً فيه فسوف يلزم اجتماع الأمر والنهي ، فإنَّ السجود على المساجد السبعة واجبٌ والسجود هو عبارة عن إلقاء ثقل المساجد السبعة على الأرض ونفس إلقاء الثقل على الأرض قد قلنا هو تصرّف غصبي لأنه عبارة عن الكون أو أنه شيء إضافي على الكون لكنه من المحرّمات لأنه بالنظر العرفي يعدُّ تصرّفاً غصبياً ، فحينئذٍ سوف يلزم اجتماع الأمر والنهي في السجود - لكن إذا كان الشخص يصلي صلاةً اعتيادية-.
وأما إذا كان لا يصلّي صلاة اعتيادية إنما كان يصلّي بإشارة رأسه ، فهنا إلقاء ثقلٍ على الأرض ليس بموجودٍ فيه وإنما هذا تصرّف في الرأس وهو ليس بحرام كما قلنا ، فلا يلزم اجتماع الأمر والنهي ، وهكذا الانسان الذي يصلّي على كرسي العاجزين والممعوّقين ، فلو فرض أنّه وضع الكرسي في الأرض المغصوبة فهو حينما يسجد فهو سوف يسجد على اللوحة الموجودة فوق الكرسي وهذا ليس تصرّفاً في المكان المغصوب وإنما هو تصرّف في اللوحة وهي ليست لوحة مغصوبة ، نعم إذا كانت اللوحة مغصوبة فإلقاء الثقل عليها يعدُّ تصرّفاً محرّماً أما إذا لم تكن مغصوبة فهذا لا يُعَدُّ من التصرّف المحرّم ، فحينئذٍ لا يلزم اجتماع الأمر والنهي.
والخلاصة:- إنَّ اجتماع الأمر والنهي من خلال ما أوضحناه إن لزم فهو إنما يلزم بلحاظ السجود في الحالات الاختيارية.
بيد أنه يبقى شيء:- وهو أنه وإن اتضح عندنا لحد الآن أنَّ اجتماع الأمر والنهي يلزم في مثال الصلاة فقط بالنسبة إلى السجود للمختار أما غير المختار فلا يلزم الاجتماع.
الذي نريد أن نقوله:- هو أنه يمكن أن نقول:- إنَّ نفس صدور الصلاة في أجواءٍ مبغوضة يُصيِّر الصلاة مبغوضةً عند المولى أيضاً ، وإذا قبلنا بهذا فسوف يلزم فساد الصلاة من باب أنها صدرت في أجواءٍ مبغوضة ، وصدرها في أجواءٍ مبغوضة هو يجعلها مبغوضة ، فنحكم بفسادها من ناحية أنَّ نفس صدورها سوف يصير مبغوضاً وحينئذٍ لا يمكن تحقق قصد القربة ، فإتيانك بالعمل في أجواءٍ مبغوضة للمولى يصيِّره مبغوضاً فلا يمكن تحقّق قصد القربة به ، وإذا قبلت بهذا فحينئذٍ سوف تفسد الصلاة من هذه الناحية لا من باب اجتماع الأمر والنهي وتغليب جانب النهي ، وإنما نقول مادامت الصلاة قد أتي بها في أجواءٍ مبغوضة فهي تصيّرها مبغوضة عند العقلاء فلا يمكن قصد التقرّب - والأمر لك فلك الحقّ في أن تقبل بهذا ولك الحقّ أن ترفض.