الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/02/01
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه.
والمناسب للشيخ النائيني(قده) أن يفصّل هكذا:- إنَّ مبدأ الاشتقاق إذا كان من الأمور المتأصلة فيلزم من ذلك اجتماع الأمر والنهي ، وأما إذا لم يكن من الأمور المتأصّلة بل الاعتبارية فلا يلزم من ذلك اجتماع الأمر والنهي ، وأقول إنَّ الأنسب له هذا على وفق ما ذكره فإنَّ المبدأ إذا كان من الأمور المتأصّلة كالعلم والعدالة فوجودهما الخارجي يكون واحداً ، فالعالم هو العادل والعادل هو العالم وبالتالي لا يلزم اجتماع الأمر والنهي لأنَّ وجود أحدهما غير وجود الآخر ، فهذا المبدأ غير ذلك المبدأ وجوداً لأنه متأصّل ، وأما إذا كان من الأمور الانتزاعية فالوجود واحدٌ وهذه اعتبارات متعدّدة فيلزم اجتماع الأمر والنهي في شيءٍ واحد.
والأجدر في المقام:- أن لا يناقش في المقدّمة الثالثة كما صنع هو(قده) ، وإنما يناقش في المقدمة الثانية وهي أنَّ الأحكام الشرعية تتعلّق بالخارج ، فنناقش في هذه المقدّمة الثانية ونقول:- إنَّ الأحكام لا تتعلّق بالوجود الخارجي وإنما تتعلّق بالصور الذهنية ، وفي الحقيقة نتمكّن أن نقول:- لعلّ المعروف بين المتقدّمين هو تعلّق الأحكام بالوجود الخارجي كما ذكر الشيخ الآخوند(قده) وإذا كان هناك قائل يقول بالتعلّق بالصور الذهنية لكان من المناسب أن يشير إليه الآخوند فيظهر أن القضية كانت مفروغاً عنها بين القدماء في أنَّ الأحكام تتعلق بالوجود الخارجي لأنه هو مركز الآثار ، وكلٍّ شخصٍ إذ أردنا أن نسأله الآن ونقول له هل الأحكام تتعلّق بالمفاهيم والصور الذهنية أو بالوجود الخارجي فيقول هي تتعلّق بالوجود الخارجي ولا يقبل بتعلّّقها بالوجود الذهني والمفاهيم ، والقدماء أيضاً جروا على هذا الشيء ، وأوّل من خالف الشيخ الخراساني(قده) ثلاثة من تلاميذه وقالوا بالتعلّق بالصور الذهنية وهم الشيخ عبد الكريم الحائري(قده)[1] والشيخ الأصفهاني(قده)[2] والشيخ العراقي(قده)[3] فهم قالوا بإنّ التكليف يتعلّق بالصورة الذهنية ، وأنا احتمل - والله العالم - أنَّ هؤلاء الثلاثة مادام قد اتفقوا على ذلك فيظهر أنهم أخذوها من آخر وإلا فمن البعيد أنَّ أحدهم أخذها من الآخر ، بل ربما أخذوها من استاذٍ لهم وهذا ليس بالشيء المهم ، ثم بعد ذلك أخذت هذه الفكرة تنضج.
ولتوضيح الحال نقول:- إنّ الأحكام إما أن تتعلّق بالموجودات الخارجية كما قال صاحب الكفاية(قده) ، أو بالصور الذهنية بما هي صور ذهنية ، أو بالصور الذهنية لا بما هي صور ذهنية بل بما هي عين الخارج فإن الله عزّ وجلّ أعطى قدرة للعقل البشري أن يرى الخارج بالصور الذهنية فأنت قد تتصّور شيئاً فتبكي وما ذاك إلا لأنك ترى الخارج كأنه أمامك ومرَّة تضحك حينما تتصّور شيئاً مضحكاً وكأنك ترى الخارج.
فالله تعالى أعطى قدرة للذهن البشري أن يرى الخارج بالصورة الذهنية ، والمدّعى أنه يتعلّق بالصورة الذهنية بهذا النحو أي بما هي عين الخارج لا بما هي صورة ذهنية ولا بالخارج فإن هذا باطل ، ونذكر لذلك عدّة منبهات لا من باب الحصر:-
المنبّه الأوّل:- إنَّ عملية الحكم هي عملية ليست خارجية وإنما هي عملية ذهنية ، فحينما نحكم بالوجوب أو بالحرمة هذا الوجوب أو الحرمة هل هي عملية موجودة في الخارج ؟ كلا أين هو الوجوب ، فأرني الوجوب وأرني الحرمة إن كان موجوداً في الخارج !! ، إنها عملية ذهنية وهي اعتبار ، وما في الذهن يتعيّن أن يتعلق بما هو ذهني ولا يمكن أن يتعلّق بالخارج وإلا يلزم إما أن يخرج الذهن إلى الخارج أو أن يأتي الخارج إلى الذهن وهذا غير ممكن.
المنبّه الثاني:- لو كان الوجوب يتعلّق بالصلاة نسأل هل تعلّق بالصلاة قبل وجودها الخارجي أو بعد وجودها ؟ وكلاهما باطل؛ إذ قبل وجودها لا صلاة في الخارج حتى ينصبّ الوجوب عليها إذ الوجوب يبقى بلا محلّ - المعروض بلا عرض - ، وإذا كان الوجوب يتعلّق بالصلاة بعد وجودها فهذا يكون من طلب تحصيل الحاصل.
المنبّه الثالث:- ما هي وظيفة الحكم - الوجوب - ؟ إنه يحرك المكلف نحو الصلاة ، فهو داعٍ يدعو إلى تحقيق الصلاة ، فالصلاة إذن هي من نتائج الحكم لا أنَّ الحكم ينصبُّ عليها ، فهو يدعو إليها ، فلابدّ وأن يكون هو موجوداً قبل تحقّقها حتى يدعو إليها ، فالصلاة الخارجية من نتائج الوجوب فلابدّ وأن نفترض وجود وجوبٍ في المرتبة السابقة حتى يدعو إلى الصلاة لا أنها موجودة قبله فإنه إذا كانت موجودة فلمن يدعو ؟!.