الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/01/30
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه.
ثانياً:- إنه لو سلّمنا أن تعدّد المبدأ يدل على تعدد المعنون حتى في المبادئ غير المتأصلة - يعني حتى في الاعتبارية الانتزاعية - فلا يضرنا ، يعني بالتالي يبقى اجتماع الأمر والنهي ثابتاًً ومتحقّقاً ، ووجه ذلك إنَّ الأمر بالصلاة بم يتعلّق والنهي بم يتعلق ؟ إنَّ الأمر يتعلّق بعنوان الصلاة وليس بعنوان الصلاتية ، والنهي يتعلّق بعنوان الغصب وليس بعنوان الغصبية ، فنحن نسلّم لك أنَّ تعدّد عنوان الصلاتية والغصبية - الذي هو تعدّد للمبادئ - رغم أنها اعتبارية يدل على تعدّد المعنون وهذا صحيح ، ولكن الأمر والنهي ليس متعلّقاً بالصلاتية والغصبية وإنما هو متعلّق بالصلاة والغصب ، والصلاة والغصب نتمكن أن نقول هما من القبيل الأوّل يعني من قبيل الأوصاف الاشتقاقية وليس من مبادئ الأوصاف الاشتقاقية ، وقد اعترف أنّ تعدّد الأوصاف الاشتقاقية لا يدلّ على تعدّد المعنون لأنّ الحمل هناك حمل هو هو والتركيب اتحادي.
إن قلت:- إنَّ الصلاة والغصب هما أيضاً من المبادئ فإنَّ الغصب هو مصدر والمصدر أصل المشتقات ، فهو ليس بمشتق وإنما هو مبدأ الاشتقاق ، وهكذا بالنسبة إلى الصلاة فالمشتق هو مصلّي ويصلّي وصلِّ ومصلّى أما الصلاة فهي المبدأ المشتق منه ؟
قلت:- نحن لا نقصد من المبدأ هنا المبدأ النحوي وإنما نقصد من المشتق والمبدأ هنا ذلك بحسب المعنى ، فبحسب المعنى الصلاة ليس اسم معنى وإنما اسم ذات ، يعني يقصد من الصلاة الركوع والسجود وليس المعنى معنىً حدثيّاً وإنما الصلاة يقصد منها الفعل الذي يكون فيه ركوع وسجود وقيام ، وهكذا الغصب لا يقصد منه المعنى الحدثي - الغصبية - وإنما يقصد منه الفعل ، فأنا أذهب وأجلس في الدار المغصوبة فيقال هذا غصبٌ ، فالغصب اسم للفعل الذي يتحقّق به الغصب ولا يقصد به المعنى الحدثي والمصدري ، فصحيحٌ أنه بحسب اللغة والنحو الصلاة والغصب معنى مصدري حدثي وهو كما تقول لكن بحسب المعنى الذي نقصده والاستعمالات أنّه حينما تقول الآية الكريمة ﴿ أقيموا الصلاة ﴾ لا تقصد من الصلاة المعنى الحدثي يعني المصدر وإنما تقصد الفعل المتّسم بالصلاة من ركوع وسجود وقيام ؟ ، وهكذا الغصب المقصود منه الفعل الذي يتحقّق به الغصب.
فإذن سوف تصير الصلاة والغصب اللذان هما متعلّق للأمر والنهي من قبيل القسم الأوّل - يعني من الأوصاف الاشتقاقية وليس من مبدأ الأوصاف الاشتقاقية - وهو قد سلّم بأنَّ الأوصاف الاشتقاقية تعدّدها لا يدلّ على تعدّد المعنون والعرب ببابك ، فالآن نقول للركوع والسجود في الأرض المغصوبة هذا الركوع والسجود هو صلاةٌ هو غصبٌ ، وأيضاً نقول الصلاة غصبٌ والغصب صلاةٌ فنحمل حمل هو هو ، فإذن الصلاة والغصب الذي هو متعلّق الأمر والنهي لا يقصد منهما المعنى الحدثي بل يقصد منهما ما أشرنا إليه وهو الوصف الاشتقاقي.
ثالثاً:- إنه ذكر إنه إن قلت إنّ الصلاة والغصبية تحملان على الحركة فيقال إنَّ هذه الحركة - أي في الدار المغصوبة - هي صلاة وهي غصب فإذن صار شيئاً واحداً متعلّقاً للأمر والنهي فعادت المشكلة ، وأجاب(قده):- بأنَّ الصلاتية والغصبية هل هما فصلان أو هما عرضان ؟ قال:- كلاهما بطل.
ونحن نقول:- ماذا تقصد من وراء ذلك ؟ فهل تريد أن تقول لا يصحّ حمل الغصبيّة والصلاتية أو الصلاة والغصب على الحركة أو تسلّم بذلك ؟ فإذا تريد أن تنكر ذلك فهذا مخالف للوجدان ، حيث أنَّ الوجدان قاضٍ بأنَّ هذه الحركة - وهي الحركة الركوعية والسجودية - نقول هي صلاة وهي غصب ، وإذا أردت أن تقول تحملان عليها فإذا سلّمت كفى ذلك ولا داعي إلى التشقيقات وأنها هل من باب الفصل أو من باب العرض أو من بابٍ ثالث فإنهما بالتالي حملا على الحركة فصارت الحركة هي صلاة وهي غصب باعترافك ، فصار شيءٌ واحدٌ مجمعاً للأمر والنهي ، فإذن لزم اجتماع الأمر والنهي.
نعم يحتمل أنه يقصد شيئاً آخر:- وهو قد صرّح به في بعض كلماته ، فهو يريد أن يقول بالعبارة الصريحة أنه توجد حركتان لا حركة واحدة ، حركة تحمل عليها الصلاة والصلاتية وحركة تحمل عليها الغصب والغصبية فلم يلزم اجتماع الأمر والنهي ، والمستند في ذلك ما قاله أهل المعقول حيث قالوا إنَّ الحركة في كلّ مقولةٍ هي من جنس تلك المقولة ، يعني الحركة في الأين أينٌ والحركة في الزمان هي زمانٌ ، وحيث إنَّ الصلاة من مقولة الفعل والغصب - أي الكون في المكان - من مقولة المكان يعني من مقولة الأين فهما من مقولتين ، فصارت تلك حركة وهذه حركة أخرى ، فإذن توجد حركتان ولكنك لا تراهما.
وإذا كان يقصد هذا فمن حق للإخباري أن يكفر بعلم الأصول ، فإنَّ هذا مرفوضٌ وهو مخالفٌ للوجدان ، فأنت اجعل وجدانك منطلقاً لوجود خللٍ في الصناعة.
وهنا نقول دفعاً للتنافي:- إنَّ ما ذكره أهل المعقول من أنَّ المقولات عشر مقصودهم بالنسبة إلى المقولات الوجودية المتأصّلة ، يعني ما كان موجوداً أصيلاً حقيقةً ينقسم إلى مقولات عشر ، أما ما كان اعتباراً وانتزاعاً فنظرهم ليس متوجهاً إليه ، والغصب والصلاتية من الاعتباريات والانتزاعيات ولا تدخل تحت تلك المقولات ، فإذن لا يمكن أن نتمسّك بما ذكره أهل المعقول لنستنتج أنه يوجد تعدّد.
رابعاً:- ذكر أنَّ حمل الغصب والصلاة على الحركة هل من باب أنهما فصلان أو من باب أنهما عرضان ، وقال إنه من باب الفصلين لا يمكن ذلك لأنَّ الشيء الواحد لا يمكن أن يكون له فصلان ، وهذا لا يهمنا الآن .
وأما أنهما عرضان فلا يمكن ذلك لأنَّ الحركة عرضٌ والصلاتية والغصبية عرضٌ والعرض لا يطرأ على العرض.
ونحن نقول:- من أين لك أنَّ العرض لا يطرأ على العرض ؟! بل لا بأس بأن يطرأ العرض على العرض ولا يلزم أن يطرأ على الجوهر فقط ، بل لا بأس بأن يطرأ العرض على العرض وذاك العرض طارئ على الجوهر ، من قبيل صفة العدديّة فهي عرضٌ وليست جوهر والجوهر هو مثل البرتقالة الواحدة أو البرتقالتين ، فهذه البرتقالة هي الجوهر أما أنها واحدة أو اثنين فهذه صفةٌ وعرضٌ طارئٌ عليها ، فالعدّدية عرضٌ ، والفردية والزوجية عرضان طارئان على العدد ، فصار العرض طارئاً على العرض ، وهكذا الخطّ والاستقامة والانحناء ، فالخطُّ عرضٌ طارئ على الوقة التي هي الجوهر ، ومرّةً ترسم هذا الخطّ بشكلٍ مستقيمٍ ومرَّة ترسمه بشكلٍ منحني ، فالانحناء والاستقامة وصفان عرضيان طارئان على الخطّ وهو عضٌ أيضاًً ، ومن هذا القبيل الكثير الكثير ، فكيف صدر هذا منه ؟! إنه شيءٌ غريب.
خامساً:- إنه ذكر أنَّ الغصبية والصلاتية ليسا جنسين وليسا عرضين بل هما مميزان أو مشخّصان ، ونحن نقول:- إنَّ المميز والمشخّص ليس شقّاً ثالثاً في مقابل الفصل والعرض فإنَّ المميز أو المشخّص إما أن يكون فصلاً وإما أن يكون عرضاً - يعني عرض خاص وليس عاماً - ، فعلى هذا الأساس هذا ليس شقّاً ثالثاً ، وهذا أيضاً من الغرائب ، ولعلّنا إذا تأملنا في كلامه وجدنا أموراً أخرى ويكفيننا هذا المقدار.