الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/01/29
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه.
ويرد عليه:-
أوّلاً:- إن ما ذكره من أن مبادئ الأوصاف الاشتقاقية لا يصح حمل بعضها على بعض وبالتالي إذا تعدّدت يدلّ على تعدّد المعنون ومن ثم لا يلزم اجتماع أمر ونهي في شيء واحد لأنّ الصلاتية والغصبية صارا اثنين ، والدليل على أنهما اثنان أنه لا يصحّ حمل أحدهما على الثاني ، نقول له:- هذا وجيه في المبادئ المتأصّلة الحقيقة - التي لها وجود حقيقي - مثل العلم والعدالة ولا يتم في المبادئ الاعتبارية الانتزاعية - ونقصد من الاعتبارية الانتزاعية شيئاً واحداً - ، إنّه في المبادئ المتأصّلة يتم ما ذكره باعتبار أنَّ العلم يحمل على ماذا أو موضوعه هو ماذا أو هو ماذا ؟ إنه حيثية انكشاف الواقع انكشاف الأمور هذا هو العلم بينما العدالة هو السير على جادّة الشريعة وكلّ واحدٍ له وجود غير وجود الآخر ، فالسير على جادّة الشريعة شيء وانكشاف الواقع شيء آخر ، فحينئذٍ هنا تعدّد العنوان - يعني العلم والعدالة - يدل على تعدّد المعنون - ولا يصح الحمل هنا فلا تستطيع ان تقول العلم عدالة والعدالة علم فإن العقلاء لا يقبلون هذا إذ يقولون العلم هو انكشاف الواقع أما العدالة فهو السير على جادّة الشريعة ، فلا ربط للعدالة بالعلم فإن هذا مضحك فكلامك تام هنا ، وأما في المبادئ الاعتبارية فيمكن أن تصدق على شيءٍ واحد والصلاتية والغصبية هي من المبادئ الانتزاعية الاعتبارية فشيءٌ واحد ينتزع منه وصفان كالركوع والسجود ، نفس هذه الحركة يعتبر لها أو ينتزع منها صلاة فيقال الصلاة ولكن هذا ليس حقيقياً وإنما نحن كمسلمين نعتبر هذا ولذلك الذي يأتي وهو بعيد عن الدين يقول هذه رياضة ولا يعرف أنها صلاة ، فهي انتزاع واعتبار من المسلمين ، فنحن ننتزع عن هذا الركوع والسجود عنوان الصلاة وفي نفس الوقت أيضاً ننتزع بما أنه في أرضٍ مغصوبة أنه تصرف في المغصوب ، ولا تقل لي هذا الركوع ليس غصباً ، ولكن دع هذا فسوف نأتي نبحثه فيما بعد فالآن دعنا نسلّم بهذا ، فنفس هذا الركوع والسجود والقيام وسائر الحركات التي هي أفعال ينتزع منها عنوان الصلاة أو يعتبر لها عنوان الصلاة ويعتبر لها عنوان الغصب ، ويمكن فرض الاتحاد فإنه نفس الحركة يصدق عليها كلا العنوانين فنقول هذه صلاة وهي غصبٌ وهذا لا شيء فيه فإنه يصح ذلك ويصدقان على شيءٍ واحد.
إذن ما ذكرته يتمّ من أن تعدّد المبدأ يعدّد المعنون في العلم والعدالة فهو جاء بمثال العلم والعدالة فأعطى قاعدة كلّية طبّقها حتى في المبادئ الاعتبارية الانتزاعية ، ونحن نقول إنَّ قاعدتك التي استنتجتها وهو أن تعدّد المبدأ يدلّ على تعدّد المعنون وتعدّد الوجود هذا يتمّ في المبادئ المتأصّلة ولا تتمكن أن تخرج بقاعدة كلّية تشمل حتى المبادئ غير المتأصّلة - الاعتبارية الانتزاعية - ، فما أفدته إذن لا يتمّ في المبادئ الانتزاعية الاعتبارية فإنه في مثلها يصدق على الحركة الواحدة والفعل الواحد مثل هذا الركون والسجود نحمل عليه الصلاتية والغصبية فهو صلاة وهو غصب بالوجدان وهل تريد أن تشكك في البديهيات فيصدق على هذا الفعل كلا العنوانين فإذا صدق صار اجتماع حينئذٍ بين الامر والنهي ، فما ذكرته لا يتم في المبادئ الاعتبارية الانتزاعي والصلاتية والغصبية من المبادئ الانتزاعية الاعتبارية.
ولك أن تقول بألفاظ أخرى أو بروح أخرى:- إنَّ أهل المعقول ذكروا ولعله تأثر هو بأهل المعقول وكلامهم فهم ذكروا أنَّ الفرق بين المبدأ والمشتق يعني بين العلم والعالم مثلاً أو بين العدالة التي هي المبدأ وبين العادل ما الفرق بينهما ؟ النحاة قالوا هذا أصل لذاك ومأخوذ منه وهذا لا شغل لنا فيه ، أما أهل المعقول فقال إنَّ الفرق بينهما هو أنَّ المبدأ يؤخذ بشرط لا والمشتق يؤخذ لا بشرط ، وهذا قد قرأناه في الكفاية في مبحث المشتق ، ففي مبحث المشتق قال صاحب الكفاية(قده) بقي أمور وقد نبّه في الأمر الثاني على هذا المطلب بمناسبة - لخلافٍ بينه وبين صاحب الفصول - فنقل هذا المطلب حيث قال إنَّ المبدأ مأخوذ بشرط لا والمشتق مأخوذ لا بشرط ، ولكن ما هو المقصود من بشرط لا و لا بشرط ؟ ولا يشتبه عليك الأمر مثل ما اشتبه على صاحب الفصول(قده) فهو حمله من حيث الأوصاف ، كلا المقصود من بشرط لا أي بمعنى بشرط الإباء عن الحمل ، أي بشرط رفضه للحمل ، وهذا مصطلح جديد لأهل المعقول ، أما لا بشرط فيعني لا بشرط الإباء عن الحمل ، فالمشتق أخذ غير آبٍ عن الحمل بينما المبدأ أخذ آبٍ عن الحمل ، وما ربط هذا بموضوعنا ؟ إنَّ الذي أريد أن أقوله:- هو أنَّ المبدأ صحيح أخذ آبياً عن الحمل بينما المشتق لم يؤخذ آبياًً عن الحمل وهذا نقبل به وصحيح ، ولكن نقول لا يلزم من أخذ المبدأ آبياً عن الحمل أن يكون مغايراً بحسب الوجود الخارجي للمنتزع منه ، فلعله متّحد وليس مغايراً ولكن رغم ذلك أخذ المبدأ آبياً عن الحمل ، وتعال إلى مقامنا - وكلامي مع الشيخ النائيني أما صاحب الكفاية(قده) فقد استشهدت بكلامه وهو أنه ذكر قضية أهل المعقول وأنهم ذكروا الفرق بين المبدأ وبين المشتق كما ذكرت فقط هذا المقدار أما كلامي الآن فهو مع الشيخ النائيني - فأقول للشيخ النائيني صحيح أنّ المبدأ أخذ آبياً عن الحمل كما ذكر أهل المعقول وكما ذكر صاحب الكفاية لكن ليس معنى أخذه آبياً عن الحمل أنه يلزم أن يكون مغايراً في الوجود لما انتزع منه ، إنما قد يكون مغايراً وقد لا يكون مغايراً ، ومثال المغاير مثل العلم والعدالة التي هي من المبادئ المتأصّلة فهذه أخذت آبية عن الحمل فلذلك لا يصحّ حملها على الموضوع فلا تستطيع أن تقول زيد علمٌ زيد عدالة ، وفي نفس الوقت هي مغايرة لزيد في الوجود الخارجي ، فلا يصح حملها على زيد فيه آبية ومن حيث الوجود الخارجي هي مغايرة لأجل أنَّ العلم هو عبارة عن حيثية الانكشاف وليس زيداً ، وهكذا العدالة لا تحمل على زيد فهي مغاير إلى زيد فإنَّ العدالة هو السير على طبق الشريعة ، فربما يكون المبدأ آبياً عن الحمل وفي نفس الوقت يكون مغايراً للموضوع - كزيد - ولكن أحياناً قد يكون آبياًً عن الحمل لكن ليس مغايراً لموضوعه مثل المبادئ الاعتبارية الانتزاعية كالصلاتية والغصبية ، فإنَّ الصلاتية والغصبية منتزعة من الحركة - من حركة الركوع والسجود - ، فهي ليست مغايرة وإن كانت آبية عن الحمل ، فلا يصح أن تقول الركوع غصبية صلاتية فإنَّ هذا لا يصح ، فالصلاتية والغصبية آبية عن الحمل ولكنه في الوجود الخارجي لا يوجد شيآن واقعاً غير الركوع والسجود أما شيء آخر فلا يوجد ، فيوجد بينهما اتّحاد ، فالركوع والسجود نسمّيه صلاتية ونسمّيه غصبية أيضاً.
فإذا كان الأمر كذلك فكيف يصير هذا ردّاً على الشيخ النائيني ؟
نقول له:- إنه مادام يوجد اتّحاد في عالم الخارج بين الحركة - أي حركة الركوع والسجود - وبين الصلاة والغصبية خرجاً لا توجد أشياء متعدّدة بل يوجد شيء واحد فلزم اجتماع الأمر والنهي في شيءٍ واحد رغم أنَّ الصلاتية لا تحمل على الغصبية ولا الغصبية تحمل على الصلاتية ولا الصلاتية تحمل على الركوع - أي على الحركة - ، لكنه مع ذلك يوجد اتّحاد خارجي ، ومادام يوجد اتّحاد خارجي لزم اجتماع الأمر والنهي في شيءٍ واحد.
وهو شيءٌ ظريف ودقيق.