الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
38/01/28
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه.
وأما القسم الثاني الذي يوجب تعدّد المعنون:- وهو المهم ، فهو عبارة عن مبادئ الأوصاف الاشتقاقية ، مثل العلم والعدالة ، فالعلم والعدالة ليس وصفاً اشتقاقياً بل هو مبدأ الوصف الاشتقاقي ، فعالم مشتق من علم ، وعادل مشتق من عدالة ، هنا تعدّد مبدأ الاشتقاق يدلّ على تعدّد المعنون ، ولماذا ؟ لأنّ التركيب هنا ليس اتحادياً ، بمعنى لا يصحّ حمل هو هو ، فلا يصحّ أن تقول زيدٌ علمٌ أو زيدٌ عدالةٌ فإنّ هذا خطأ ، نعم إذا أرد أحد أن يحصر العلم به فيقول زيد علمٌ فهذا تنزيلٌ ومجازٌ وهو لا يعنينا ولكن لو أردنا الحقيقة فلا يصحّ أن نقول زيدٌ علمٌ أو العلمُ زيدٍ وهكذا بالنسبة إلى العدالة وإنما يصح حمل هو هو بين العلم وبين ذاته فإنَّ العلم ذاته انكشاف الشيء ، فانكشاف الشيء نقول هو علمٌ ، فحمل هو هو يصحّ بين العلم وبين حيثية انكشاف الواقع ، وهكذا العدالة فهي لا يصحّ حملها على زيدٍ بحمل هو هو وإنما حمل هو هو يصحّ بين العدالة وبين موضوعها ومنشؤها ، وما هو موضوعها ومنشؤها وحقيقتها ؟ هو السير على جادّة الشريعة ، فالسير على جادّة الشريعة هو العدالة والعدال هي السير على جادة الشريعة.
والخلاصة:- إنه بين زيد وبين العدالة والعلم لا يصحّ حمل هو هو ، فإذا لم يصح حمل هو هو ولم يكن التركيب اتحادياً لازمه وجود التعدّد إذا لو لم يكن هناك تعدداً بل كان الموجود واحداً - يعني زيد مع العلم ومع العدالة كان واحداً - فيلزم صحّة حمل هو هو ، بينما هذه الحمل لا يصحّ فهذا يدلّ على التعدّد ، وهكذا بين نفس العدالة وبين نفس العلم لا يصحّ حمل هو هو وهذا يدلّ على أنَّ العدالة غير العلم والعلم غير العدالة ، فتعدّد العنوان يدل على تعدّد المعنون هنا.
وحيث إنَّ الصلاتية والغصبية هي من قبيل الثاني - أي المبدأ وليس من قبيل الوصف الاشتقاقي - فالتركيب الاتحادي غير موجود وحمل هو هو لا يصحّ ، فلا تقل الصلاتية هي الغصبية والغصبية هي الصلاتية ، كلا بل أحدهما غير الآخر ولذلك لم يصح حمل هو هو ، فإذن الصلاتية والغصبية من قبيل النحو الثاني ، فإذا صار من قبيل النحو الثاني فسوف يترتب أن المعنون متعدّد ، فإذا تعدّد المعنون فسوف لا يصير اجتماع أمر ونهي في شيءٍ واحد ، ففي باب الصلاة في المغصوب سوف لا يلزم اجتماع الأمر والنهي ، والنتيجة النهائية هي أنه سوف لا يلزم اجتماع الأمر والنهي في شيءٍ واحد فإنَّ متعلق الأمر هو الصلاتية ومتعلق النهي هو الغصبية والصلاتية والغصبية شيآن مختلفان متعدّدان لا يصحّ حمل هو هو فيهما فهنا تعدّد العنوان يدلّ على تعدّد المعنون ، فإذا دلّ على تعدّد المعنون ووجود معنونٍ فحينئذٍ لا يلزم اجتماع الأمر والنهي في شيءٍ واحدٍ ، وبهذا سوف تصير النتيجة عكس ما انتهى إليه صاحب الكفاية(قده) حيث انتهى إلى الامتناع ، والشيخ النائيني(قده) انتهى إلى عدم الامتناع لأجل أنَّ متعلّق النهي متعدّد وليس واحداً بالبيان الذي ذكرناه.
إن قلت:- نتمكن أن نحصل على شيءٍ واحدٍ في باب الصلاتية والغصبية يكون مجمعاً للأمر والنهي وهو الحركة ، فإنَّ هذه الحركة من الركوع والسجود والقيام ، فنفس هذه الحركة في الدار المغصوبة هي صلاةٌ وهي غصبٌ لأنها تصرّفٌ في مال الغير ، فحملنا الصلاة والغصب على الحركة فصارت الحركة مجمعاً للصلاتية وللغصبية ، والحركة واحدة فصارت مجمعاً للصلاة والغصبية ، وإذا صارت مجمعاً لهما يعني صارت مجمعاً للأمر والنهي لأنَّ الأمر متعلّق بحيثية الصلاتية والنهي متعلّق بحيثية الغصبية ، وحيث اجتمعت هاتان الحيثيتان في الحركة الواحدة فقد اجتمع الأمر والنهي في شيءٍ واحد.
أجاب(قده):- بأنِّ الغصبية والصلاتية حينما تحملان على الحركة هل تحملان من باب أنهما فصلٌ للحركة أو من باب أنهما عَرَضٌ - يعني عرض خاصّ لأنَّ العرض الخاصّ أيضاً يكون مشخِّصاً - ، والفصل لا يمكن لأنَّ ذلك يلزم منه أنَّه يوجد للشيء الواحد فصلان ، فالحركة الواحدة يكون لها فصلان الغصبية الصلاتية وهذا ليس ممكناً وإلا يلزم أن يكون الشيء الواحد شيئين ، يعني هذا من قبيل أن تقول ( هذا الحيوان ناهق وصاهل ) وهذا لا يمكن لأنه سوف يصير شيآن وليس شيئاً واحداً فإنه إذا تعدّد الفصل تعدّد الشيء وهذا مستحل وغير ممكن ، وأما الثاني - وهو أن يكون عرضاً - فإنَّ هذا غير ممكن أيضاً ، فإنَّ الحرمة هي عرض فلو كانت الغصبية والصلاتية عرضاً أيضاً لزم طروّ العرض على العرض والعرض لا يطرأ على العرض وإنما يطرأ على الجوهر ، فكلا الاحتمالين باطل .
ثم نقول للنائيني:- وإذا بطل كلا الاحتمالين فإذن حينما نحمل الغصبية والصلاتية على الحركة فهذا من باب حمل أيّ شيء ؟فإنه إذا لم يكن عرضاً ولا فصلاً فإذن ما هو هذا الحمل فإننا نحمل الحركة جزماً فنقول هذه الحركة غصبٌ فالحمل جزميٌّ ؟ ولا يستطيع الشيخ النائيني(قده) أن يقول إنَّ هذا الحمل غلط ، بل أقصى ما أثبته لنا هو أنَّ هذا الحمل ليس من باب حمل الفصل أو من باب حمل العرض ، ولكن هذا الحمل موجودٌ ولكنه من أيّ باب ؟ قال:- إنه من باب حمل المميّز ، فالصلاة والغصبية هما مميّزان للحركة وليسا فصلين ولا عرضين ، فعلى هذا الأساس هما لا فصل ولا عرض . وقد تكلّم أشياء أخرى نحن نحذفها.
والنتيجة التي انتهينا إليها:- هي أنه اجتماع أمرٍ ونهيٍ لا يلزم في باب الصلاة في المغصوب لأنَّه يوجد تعدّد في متعلّق الأمر ومتعلّق النهي ، فمتعلّق الأمر الحيثية الصلاتية ومتعلّق النهي الحيثية الغصبية وهما اثنان - مبدآن اشتقاق - والتركيب بين مبادئ الاشتقاق ليس اتحادياً ، فمادام ليس اتحادياً فحينئذٍ يكون هنا تعدّد بينهما ، وإذا كان هناك تعدّد فلا يلزم اجتماع أمر ونهي[1] . [2]
هذا ملخّص ما ذكره الشيخ النائيني(قده).