الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/01/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه.

جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه:-

هذا العنوان يعطي لأوّل وهلة أنّ النزاع في أنه هل يجوز أن يجتمع الأمر والنهي في شيءٍ واحد أو لا ، والحال أنّ من البديهي والواضح أنه لا يجوز ، وهل يوجد عاقل يقول بأنه يجوز ذلك ؟! ، إلا إذا فرض أنه جوزنا اجتماع الضدّين والمتنافيين ، كلا ليس المقصود هو هذا وهذا يحتاج في الحقيقة إلى توضيح ، وليس الكلام في هذا المورد فقط بل لعلّه توجد موارد أخرى من هذا القبيل فإن العنوان يعطي شيئاً بينما المعنون يقصد منه شيء آخر.

وعلى أيّ حال المقصود ليس ما يعطيه ظاهر اللفظ بل مقصود الأصوليين أنه إذا كان الشيء له وجود واحد ولكن كان له عنوانان كالصلاة في الأرض المغصوبة فإنها وجودٌ واحدٌ ولها عنوان الصلاة وعنوان الغصبية فهل يمكن أن يوجّه الأمر والنهي إلى هذا الوجود الواحد لأجل وجود عنوانين ويقال إنه لا يسري الأمر إلى متعلّق النهي ولا النهي يسري إلى متعلّق الامر فإنّ نفس تعدّد العنوان يرفع هذه السراية ولا يكون المتعلّق للأمر والنهي واحداً إما بحجّة وبنكتة أن الأحكام تتعلّق بالعناوين دون المعنونات فبعنوان الصلاة يتعلّق الأمر وبعنوان الغصب يتعلّق النهي فلا مشكلة وبالتالي لا يسري الأمر إلى متعلّق النهي ولا يسري النهي إلى متعلّق الأمر ، أو بحجّة أنّ المعنون يتعدّد بتعدّد العنوان وهذه دعوى صعبة جداً ولكن لو سلّمت أنّ المعنون يتعدّد بتعدّد العنوان فأيضاً يرتفع المحذور لأنه بالتالي يسوف يصير متعلّق الأمر غير متعلّق النهي لا لأجل أنّ الأحكام تتعلّق بالعناوين بل لأجل أنَّ المعنون بالصلاة غير المعنون بالغصب فإذا كان غيره فذاك يتعلّق به أمرٌ وهذا يتعلّق به نهيٌ ، إذن قد يقال بارتفاع المحذور بسبب تعدّد العناوين ، وقد يقال بأنه لا يرتفع المحذور لأنّ الأحكام لا تتعلّق بالعناوين بل بالمعنونات أي بالوجود الخارجي والوجود الخارجي لا يتعدّد بتعدّد العنوان كما ذهب إليه الشيخ الخراساني(قده)

إذن النزاع ليس في جواز الاجتماع وعدم جواز الاجتماع كما يعطيه العنوان ، يعني هناك اجتماعٌ للأمر والنهي في شيءٍ واحد ولكن وقع كلام هل يجوز هذا الاجتماع أو لا يجوز ، كلا ليس هذا هو المقصود وإنما الكلام في أنه هل مع تعدّد العنوان يلزم اجتماع أو لا ، فالنزاع هو في لزوم اجتماع الأمر والنهي وعدم لزومه ، يعني البحث صغروي وليس كبروياً ، فنعد تعدّد العنوان هل يلزم اجتماع أمرٌ ونهيٌ أو لا يلزم ؟ فالنزاع صغروي وليس كبرياً في أصل جواز اجتماع الأمر والنهي وعدمه.

وبتعبير آخر:- النزاع في السراية ، فهل يسري الأمر إلى متعلّق النهي وبالعكس أو لا ؟ ، فالنزاع في السراية وعدم السراية ونزاع في أنه يلزم اجتماع أو لا ، فالنزاع صغروي ، وكان من المناسب اصلاح بعض المصطلحات الأصولية.

وهذا من أحد المصطلحات التي ينبغي أن نبدله ، وما هو العنوان المناسب ؟ فهل نقول ( هل يلزم سراية الأمر والنهي إلى متعلق الآخر ؟ ) أو نقترح عنوناً آخر وهو ( هل يلزم اجتماع الأمر والنهي أو لا عند تعدّد العنوان ؟ ) ، يعني لابدّ وأن يغير العنوان لكنه يكون مشيراً إلى البحث ، وهذه قضية مهمة لأننا سوف لا نكرر هذا الكلام الذي بيناه وعرفناه بل سوف نقول بناءً على جواز الاجتماع تصير النتيجة هكذا ، وما هو المقصود من جواز الاجتماع ؟ مقصودنا ما أشرنا إليه يعني بناءً على أنّ المتعلّق مختلف ولا يلزم الاجتماع فجواز الاجتماع هذا هو المقصود منه ، فنحن حينما نعبّر فيما بعد وهكذا كلّ الأصوليين حينما يعبّرون بأنه بناءً على جواز الاجتماع تصير النتيجة هكذا مثلاً تزاحم فمقصودهم من جواز الاجتماع هو بناءهم على أنّ الأحكام تتعلّق بالعناوين أو بالمعنونات ولكن المتعلّق متعدّد بتعدّد العنونان ، وبناءً على امتناع الاجتماع يعني ما هو المقصود ؟ يعني أنه بناءً على أنّ الأحكام تتعلّق بالوجود الخارجي للشيء وهو لا يتعدّد بتعدّد العنوان ، فهذا دعه في ذهنك ولا يغب عنك.

أما أنه يبقى ماذا يترتب من ثمرة على امتناع الاجتماع وماذا يترتب على جواز الاجتماع ؟ بناء على امتناع الاجتماع - يعني المتعلّق واحد ولا يتعدّد - يلزم التعارض بين الدليلين بين صل ولا تغصب ويلزم أن نطبق أحكام باب التعارض ، بينما إذا بنينا على جواز الاجتماع - يعني يوجد شيآن هذا متعلّق الأمر وذاك متعلّق النهي وليس واحداً - فالنتيجة هي اتزاحم على تفصيلٍ أو من دون تفصيل وسوف يأتي فيما بعد - مع وجود المندوحة وعدم وجودها -.

وأقول شيئاً آخر:- إن صاحب الكفاية(قده) قبل أن يدخل في المطلب كما هي عادته في كثيرٍ من المباحث يذكر بعض الأمور ، مثل ما هو القصود من الواحد هنا فهل هو الواحد الشخصي أو الواحد النوعي ؟ ..... وهكذا ، وأنا أرى أنّ هذه الأمور التي نحتاج إلى بعضها نرجئها إلى ما بعد ، فأوّل شيء هو أن ندخل في البحث وبنيّنه ثم نقول إنّ مبحثنا يحتاج إلى أمور ، فالأمور نذكرها فيما بعد ، وهذه قضية عليك أن تلتفت إليها ، ولا أريد أن أقول عليك أن تؤخّر الأمور دائماً وبيّن ذا المقدمة أوّلاً ، وإنما أقول عليك أن تلحظ الموارد فبعض المرّات تكون من هذا القبيل وفي بعضها الآخر يلزم أن تبيّن المقدّمات أوّلاً كما لو كان بيان مصطلحاتٍ أو غير ذلك ، ولكني أرى أن ندخل هنا في صميم البحث ثم ننبّه على بعض الأمور فيما بعد فإنّ ذلك أولى كما سوف نفعل ذلك.

وقال صاحب الكفاية(قده)[1] :- إنَّ الحقّ عندي وفاقاً للمشهور هو الامتناع وذلك لمقدّماتٍ أربع:-

المقدّمة الأولى:- إنّ الأحكام الخمسة متضادة فيما بينها ، وهذا شيء واضح ، معنى متضادة يعني أنّ الوجوب ينافي الحرمة وينافي الكراهة - وواضح أنَّ شخصاً إذا أراد أن يدخل زيادةً فيقول التضاد فيما بينها ليس بما هي وجوب وبما هي حرمة فإنَّ الوجوب اعتبار والحرمة اعتبار ولا منافاة بين الاعتبارين المتضادّين فيمكن أن اعتبر الآن هذه الساعة هي من الليل واعتبرها من النهار أيضاً فإنّ الاعتبار سهل المؤونة إنما التنافي باعتبار الملاكات وباعتبار عالم الامتثال وإلا بما هو اعتبار فلا منافاة - ، فالمهم أنّ المقدّمة الاولى هي أنه يوجد تضادّ بين الأحكام الخمسة ، وهذه قضية بديهية ، ونحن قلنا باعتبار ملاكاتها ولو باعتبار عالم الامتثال وإلا بما هو اعتبار فلا تضاد.

المقدمة الثانية:- وهي أساس المطلب ولو حذف كلّ المقدّمات وذكر هذه المقدّمة لكفى - يعني قد نحتاج إلى بعض المقدّمات ولكنها ليست مهمة - لأنه إذا ثبتت هذه المقدّمة ثبت المطلب ، وهي أنَّ الأحكام الشرعية تتعلّق بالوجودات الخارجية للأشياء اي بالمعنونات وليس بالعناوين ، لأنَّ الوجود الخارجي - المعنون - هو مركز الآثار ، يعني الصلاة الخارجية هي التي تنهى عن الفحشاء والمنكر فهي الواجبة لا عنوان الصلاة فإنه لا يسمن ولا يغني من جوع.

المقدمة الثالثة:- إنَّ المعنون لا يتعدّد بتعدّد العنوان ، فالوجود الخارجي لا يتعدّد بتعدّد العنوان ، مثل أنا أو أنت لنا عناوين ، فمثلاً أنا نجفي وطالب علم وطويل أو قصير وهندي أو عربي ... الخ ، فهذه عناوين متعدّدة ولكن هذه العناوين لا توجب تعدّد الشخص بل يبقى الشخص واحداً ولكن هذا الواحد هو مجمع العناوين ، فتعدّد العناوين لا يوجب تعدّد المعنونات ، وهذه قضية واضحة لا ينبغي التأمل فيها.

القدمة الرابعة:- إنّ كلّ موجودٍ واحد له ماهية واحدة ولست له ماهيتان.

ولماذا أتى بهذه المقدمة الرابعة فإنّ المقدمات الثلاث المتقدمة يتم بها المطلب ؟

والجواب:- إنه أتى بها ردّاً على صاحب الفصول(قده) فإنه قال إنه بناء على أصالة الماهية فسوف تتعلّق الأحكام بالماهية لأنَّ الماهية سوف تصير مركز الآثار لأنها هي الأصيلة دون الوجود ، فإذا كانت هي الأصيلة فيقال ماهية الصلاة غير ماهية الغصب ، فهما ماهيتان ، فهذا وجودٌ واحد له ماهيتان فيتعلّق النهي بماهية الغصب ويعلّق الأمر بماهية الصلاة ، فأراد صاحب الكفاية(قده) أن يبيّن على أنّ ذلك الوجود ليس له إلا ماهية واحدة؛ إذ لو كانت له ماهيتان يلزم أن يكون كلّ شيءٍ واحد شيئين اثنين ، فإذا كان الشيء له ماهيتان فيلزم أن يكون كلّ شيء شيئين وليس شيئاً واحداً والحال أنَّ هذا موجودٌ واحد ، فحتى بناءً على أصالة الماهية لا يمكن أن يكون للموجود الواحد ماهيتان حتى تقول إنَّ الأحكام بناءً على أصالة الماهية تتعلّق بالماهية والماهية متعدّدة وبالتالي لا يلزم اجتماع الأمر والنهي في شيءٍ واحد ، كلا فإنَّ كلّ موجودٍ واحد لا تكون له إلا ماهية واحدة وإلا يلزم أن يكون كلّ شيءٍ واحدٍ شيئين.

وإذا تمت هذه المقدّمات يلزم من ذلك أنه لا يمكن توجّه الأمر والنهي في الدار المغصوبة فإنّه يلزم من ذلك اجتماع الأمر والنهي في الشيء والواحد . هذا ما استدل به صاحب الكفاية(قده).


[1] كفاية الأصول، الآخوند، ج1، ص158، ط مؤسسة آل البيت.