الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

38/01/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي.

ولعلّه حصل تشويش في البيان السابق للقرينة الخارجية وأنا الآن أصوغه بصياغة اوضح:- وحاصل ما ذكره حيث قال ( يستفاد ذلك من قرينة خاصّة ) وذلك بأن يقال:- إذا فرض أنّ المولى قال اشرب الماء فالقرينة تدلّ على أنّ المطلوب شرب واحدٍ وليس المقصود شرب كلّ المياه ، والنكتة هي أنه إذا كان المقصود شرب كلّ المياه فأنا لا أتمكّن من ذلك لأنّ بطني لا تسع كلّ المياه وهذا قرينة على أنَّ المقصود هو شرب ماءٍ واحد ، بينما إذا قال لا تشرب الماء فالقرينة تدلّ على أنَّ المقصود أنه لا تشرب أبداً ، وكيف أنّ القرينة تدلّ على ذلك ؟ قال:- لأنه إذا لم يكن هذا المقصود بل كان القصود لا تشرب مرّة واحدة فجزماً أحد المياه متروك شربه كالماء الذي لا يكون تحت محلّ ابتلائي أو ليس في المنطقة التي أنا فيها ، فإذن لابدّ وأن يكون مقصوده أنه لا تشرب كلّ المياه وهذه قرينة خارجية.

ويردّه:-

أوّلاً:- نحن نسلّم أنّ القرينة الخاصة في باب النهي تقتضي أنّ المقصود ليس ترك شرب ماء واحد لأنّ الواحد حتماً متروك وإنما المقصود ترك الكلّ ، لكن كيف تثبت أنَّ المقصود هو ترك الكلّ على نحو الانحلال والتعدّد وليس بنحو الوحدة ؟ فإذا فرضنا أنه كان يوجد مئة إناء فكيف تثبت أنه هنا يوجد مئة نهي ؟! فليكن نهياً واحداً متعلّقاً بالمجموع من حيث المجموع ، يعني هذا المجموع لا يجوز لك أن ترتكبه بنحو النهي الواحد عن ارتكاب المجموع ، والقرينة الخاصّة أقصى ما تثبت أنّ المطلوب هو ترك المجموع أمّا أنه مطلوبٌ بنحو التكاليف المتعدّدة فلا تثبت هذا ونحن نريد أنَّ نثبت هذا وهو المهم وهو أنه لماذا صار في باب النهي نواهٍ متعدّدة منحلَّة بينما في باب الأمر لا توجد أوامر متعدّدة ، فما هي النكتة في تعدّد النهي هناك والوحدة هنا وما ذكرته لا يفسّر هذا التعدّد ، فإذن لا ينفعنا هذا الكلام.

ثانياً:- هذا مخالفٌ لمبناك ، فإنَّ السيد الخوئي(قده) عنده مبنى وقد قلت إنّ هذا المبنى لم أسمعه منه طيلة خضوري درسه ولا ما يتفرّع على هذا المبنى وإنما وجدت هذا المبنى مذكور في كتبه عند مراجعتي لها ، والمبنى هو أنه يقول لا يشترط عقلاً القدرة في متعلّق التكاليف ، وهذا قد بيّناه في بعض المقدّمات والفوائد في بداية الدورة الأصولية حيث قلنا أنه ذهب السيد الخوئي(قده) والسيد الخميني(قده) خلافاً للشيخ النائيني(قده) حيث قال الشيخ النائيني(قده) إنَّ متعلّق التكاليف يعتبر فيها القدرة لأنّ التكليف مجعولٌ بداعي المحرّكية ، أما السيد الخوئي(قده) فقال لا يشترط في متعلّق التكاليف ذلك ، والسيد الشهيد(قده) أيضاً بيّن في الحلقات الكثير من مطالب السيد الخوئي(قده) ولكنه لم يبيّن هذا المطلب - وهو أن السيد الخوئي لا يعتبر القدرة في متعلّق التكليف - وإنما نقل مطلب الشيخ النائيني(قده) وأنه يقول باعتبار القدرة في متعلّق التكليف ولكنه لم يبيّن أنه يوجد اتجاه معاكس ، وكان من المناسب أن يبيّن ذلك ، فالسيد الخوئي(قده) عنده مبنى ذكره في كتبه ولكن لم نسمعه منه بل لعلّ الذي كنّا نسمعه منه أنه يفرّع عادةً مع مبنى الشيخ النائيني(قده) مثل هذا المورد فإنه فرّع عليه بما يتلاءم مع مبنى الشيخ النائيني(قده) ، فهو مبناه أنه لا تعتبر القدرة في متعلّق التكاليف وإنما القدرة معتبرة في مرحلة الامتثال فإن العقل يقول لا يلزم على غير القادر أن يمتثل فإنّ المكلّف غير قادر فكيف يتنجّز التكليف عليه ويعاقب عليه ؟! فكيف تقول لي صلِّ من قيام وأنا لا استطيع القيام حيث لا توجد عندي رجلان فيكف تعاقبني فالامتثال ليس بلازم ، لكنه في مرحلة التكليف يمكن التكليف لأنّ التكليف اعتبارٌ ولا محذور في أن يثبت هذا الاعتبار في حقّ غير القادر ، فالعقل لا يقول في متعلّق الاعتبار والاعتبار أنه يلزم القدرة وإنما يقول ذلك في مرحلة الامتثال ، هكذا يقول السيد الخوئي(قده).

إنه بناءً على هذا المبنى نقول له:- حينما يقول المولى اشرب الماء فهو(قده) قال القرينة موجودة على أنّ المقصود هو ماء واحد ليس كلّ المياه لأنّ هذا المكلّف لا يستطيع شرب كلّ المياه فإن هذا غير ممكن ، ونحن نقول له دعه يكون ليس ممكناً ولكن يوجد تكليف وأنت لا تشترط القدرة في متعلّق التكليف غايته في مرحلة الامتثال أنت لا يلزمك أن تشرب الجميع بل يكفيك أن تشرب المقدار المقدور ، فعلى مبناك يلزم أن نقول في باب الأمر أنه لا محذور في أن يكون هذا الأمر المطلوب فيه شرب جميع أفراد المياه وهذا لا شيء فيه على مبناه غايته في مرحلة الامتثال يلزمك الاتيان بالذي تقدر عليه فقط ، فيلزم هذه النتيجة.

فهو تكلّم بكلمة لا تتلاءم مع مبناه بل تتلاءم مع مبنى الشيخ النائيني(قده) ، ولذلك قلت لك ما كنت أسمعه منه ليس إلا تفريعات على اعتبار القدرة أي مثل مبنى النائيني ، فلذلك أنا فوجئت أنه يقول بأنّ القدرة ليست معتبرة في متعلّق التكليف. هذه مناقشة لكن على المبنى.

ثالثاً:- إنّ ما ذكره إن تم فهو يتم في مثل اشرب الماء ولا تشرب الماء - أي في هذا المثال - ، ولكن في بعض الأمثلة الأخرى لا ينفع ما ذكره من القرينة الخاصّة ، مثل أكرم العالم فإنه بلحاظ المتعلّق - يعني أكرم - الحكم يكون واحداً يعني أكرمه إكراماً واحداً لا جميع أنحاء الاكرام للقرينة الخاصّة

لأنّ جميع أنحاء الاكرام لا أتمكن منها ، فالمقصود إذن هو إكرام واحد ، وهذا صحيح ، ولكن تعال إلى أكرم العالم فالعالم القرينة الخاصة تقتضي أن يكون المقصود هو هذا العالم وذاك العالم وذاك العالم ..... يلتئم مع إكرام كلّ واحد من هؤلاء ويلتئم مع كون المطلوب هو إكرام أحد ، فهو يلتئم مع الاثنين ولا يلزم محذور اللغوية ، فلا تقل لي إنََّ إكراماً واحداً متحقّق لأنَّ عالماً واحداً متحقّق ، فأقول كلا فإنّ إكرام عالم واحدٍ ليس متحقّقاً ، فلا يمكن بالقرينة الخارجية - محذور اللغوية الذي ذكره - أن نثبت أنّ المقصود أكرام جميع العلماء فإنّ القرينة الخارجية حيادية من هذه الناحية ، نعم القرينة الخارجية تنفع في مثال اشرب الماء ولا تشرب الماء ، وأعتقد أنّ نظره كان مركّزاً على هذا المثال - اشرب الماء ولا تشرب الماء - ، ولكن هذا الكلام لا يأتي في كلام أكرم العالم ، ففي أكرم يمشي هذا الكلام فالمقصود هو إكرام واحد لأنّ إرادة جميع أنحاء الاكرام ليس ممكناً لكنه في العالم الذي هو الموضوع فالقرينة لا يمكنها أن تثبت أن المقصود هذا العالم وذاك العالم وهذا العالم وذاك العالم بل تلتئم مع التعدّد وتلتئم مع كون المقصود اكرام عالم واحد فالتفت إلى ذلك ، ولعل بالتأمل أكثر يحصل للشخص أن يحصل على مناقشات أخرى.

هذا ما أفاده السيد الخوئي(قده) ونختم حديثنا معه.

الاجابة الثانية:- ما أفاده السيد الشهيد(قد)[1] [2] في مقام تحليل النكتة الفنّية ، وحاصل ما ذكره:- إنّ الحكم له متعلّق وله موضوع[3] ، ومن ناحية الموضوع قد أخذ الموضوع بنحو فرض الوجود ، يعني لو فرض أنّ هذا الموضوع موجود فهذا الحكم يثبت ، إذن الحكم مرتبط بموضوعه بهذا النحو يعني بنحو القضية الشرطية ، يعني إن كان العالم موجوداً فأكرمه فهو مأخوذ بنحو فرض الوجود ، فإذا كان مأخوذاً بنحو فرض الوجود فحينئذٍ إن فرض أنّ هذا عالم فيجب إكرامه فصار هذا حكماً ، ويأتي الثاني وصار عالماً فإن فرض أنه عالماً فيجب إكرامه وهكذا الثالث والرابع ...... وهكذا ، فكم عدد من العلماء يصير عندنا فسوف يتعدّد الاكرام ، ففعليات الحكم سوف تتعدّد ويصير الحكم فعلياً بعدد فعليات الموضوع فإنَّ فعلية الحكم تدور مدار موضوعه فكلما تعدّدت الفعليات للموضوع تعدد فعليات الحكم ، فهذا فرض أنه عالماً فيجب إكرامه وذاك فرض أنه عالم فيجب إكرامه وذاك الثالث فرض أنه عالم فيجب إكرامه وهكذا.

إذن نكتة الانحلال من ناحية الموضوع هي هذه وهو أنَّ الموضوع مأخوذ بنحو فرض الوجود يعني إنّ فرض تحقّق الموضوع وصيرورته فعلياً فالحكم يصير فعلياً ، فإذا فرضنا أنّ فرضيات الموضوع وفعليات الموضوع كانت عشرة فتصير عشر فعليات للحكم ، وإذا كانت عشرين فيصير للحكم عشرين فعلية ..... وهكذا.

وهذا بخلافه بالنسبة إلى المتعلّق فإنّ المتعلّق لم يؤخذ بنحو فرض الوجود حتى يتعدّد الحكم بتعدّد فرضيات المتعلّق وإنما المتعلّق يلزم إيجاده أو يلزم تركه لا أنه أخذ بنحو فرض الوجود حتى يتعدّد الحكم بتعدد فرضيات المتعلّق.


[1] بحوث في علم الاصول، الهاشمي الشاهرودي، ج2 ص122.
[2] بحوث في علم الأصول، الهاشمي الشاهرودي، ج3، ص18.
[3] وقد قلنا المتعلق هو ما يحرّك المولى نحو فعله أو نحو تركه، أما الموضوع فلا يحرك نحو فعله أو نحو تركه وإنما على تقدير وجوده يثبت هذا الحكم مثل أكرم العالم فمن ناحية اكرم هو متعلق لأن الحكم يبعثني إلى إيجاده أما من ناحية العالم قلا يحركني فهذا موضوع ولذلك في مثال ﴿ والله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾. فيوجد موضوع ويوجد متعلق فالمتعلق في هذا الحكم هو الحج لأن المولى يحرك نحوه لكن الموضوع هو من استطاع فالمولى يقول من استطاع وجب عليه الحج فهو لا يبعث نحوه بل إذا فرض وجوده فتصير الاستطاعة موضوعاً، فميّز بينهما