الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
37/12/26
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع: الوجوب التخييري.
وهناك ثمرة ثانية - ونكتفي بهاتين الثمرتين:- لو فرض أنّ واجباً من الواجبات شككنا في كونه واجباً تخييرياً أو أنه واجب تعييني ، كما لو فرض أنه قال إذا أفطرت في شهر رمضان متعمّداً صم شهرين متتابعين وشككت في أنَّ هذا الصيام تعييني أو تخييري بينه وبين العتق ، وواضح أننا نفترض الآن أنّ الدليل لا ظهور فيه بحيث يثبت منه أنه واجب تعييني وإلا فنحن قرأنا في الكفاية أنّ مقتضى إطلاق الصيغة أو الوجوب أو الواجب تعييني ، ولكن الآن دعنا نغضّ النظر ولنفترض أنّ الدليل هو الاجماع والاجماع ليس فيه لسان حتى نقول مقتضاه الاطلاق - فهذه المناقشة سوف تصير في المثال تقريباً وهذا غير مهم وإنما نحن نريد أن نستفيد قضيّة علمية - ، فلم يمكن من خلال الظواهر اللفظية تشخيص أنّ هذا واجب تعييني أو تخييري فالثمرة تظهر هنا ، فإنّ قلنا إنّ مرجع الوجوب التخييري إلى الوجوب المشرط فالأصل العملي هنا سوف يقتضي البراءة والمفروض أني أعتقت فإني إذا لم اعتق فحتماً الإطعام يصير واجباً عليَّ وبعد أن اعتقته ، حينئذٍ إذا كان وجوب الصيام تخييري فالنتيجة سوف تصير أنّ الذمة قد برئت ، أما إذا كان الصيام تعيينياً فحينئذٍ يتعيّن الصيام ولا يكفيني عتق الرقبة ، فإذا اعتقت الرقبة فهذا لا يبرئ ذمّتي ففي مثل هذه الحالة ماذا أصنع ؟ إنه بناءً على أنّ مرجع الوجوب التخييري إلى وجوب مشروط سوف يصير وجوب الصيام مشروطاً بعدم العتق وحيث أنه تحقّق العتق وأحتمل أنه واجب مشروط لأنه واجب تخييري فسوف أشك في وجوب الصيام عليّ ، فيصير شك في أصل التكليف فيكون مجرى للبراءة ، هذا إذا بنينا على أنّ الوجوب التخييري يرجع إلى وجوب مشروط فتصير النتيجة عند فعل العتق يعني ذلك محتمل البدلية حينئذٍ أشك في وجوب هذا وهو الصيام فأجري البراءة عنه ، وأما إذا قلنا إنّ تعلّق الوجوب التخييري هو بالجامع الماهوي كما في الفرضية الثانية ، فإذا كان الغرض واحداً فحتماً المؤثر فيه هو الجامع الماهوي فيكون هو الواجب ، وفي مثل هذه الحالة أنا احتمل أنّ الواجب هو الجامع الماهوي إذا كان الوجوب تخييرياً وفي نفس الوقت أحتمل أنه متعيّن عليّ الصيام دون الجامع الماهوي ، فإذا كان الواجب هو الجامع الماهوي أصير مخيّراً ، وإذا كان الواجب لم يكن هو التخيير أو الجامع الماهوي بل التعيين فيتعيّن عليّ الصيام فيكون المورد من الدوران بين التعيين والتخيير ، لأنه إذا كان الصيام واجباً تخييرياً فالواجب هو الجامع الماهوي ، وإذا كان الواجب هو الجامع الماهوي أصير مخيّراً بين أفراده ، وإذا فرض أن الواجب كان تعيينياً فيتعيّن عليّ الصيام ، فيصير المورد من الدوران بين التعيين ولابد وأن نذهب إلى تلك المسألة وكلٌّ يتمسّك بما يختاره في تلك المسألة ، ويوجد رأيان في تلك المسألة ، رأي يقول نجري البراءة عن التعيين لأنه كلفة زائدة والنتيجة تصير هي التخيير ، ورأي يقول لابدّ من الاحتياط فحينئذٍ أكون ملزماً باحتمال التعيين يعني يجب عليّ أن أصوم شهرين متتابعين ولا يكفيني ذلك العتق ، فإذن موردنا يرتبط بتلك المسألة وما نختاره فيها نأخذ به هنا.
وأما إذا بنينا على أنّ الوجوب التخييري يرجع إلى وجوب الجامع الانتزاعي أعني الأحد - وليس الماهوي - ، فإما أن يكون الواجب عليّ هو الأحد أو يكون الواجب عليّ خصوص الصيام ، فيصير المورد من الدوران بين الأقل والأكثر ، فإن الأقل هو الجامع الانتزاعي - أي الأحد فإن التعيين هو الأحد زائداً الخصوصية - وفي تلك المسألة لا إشكال في أنّ الأقل متيقن اشتغال الذمّة به وما زاد تجري البراءة عنه من دون كلام.
إذن هذه ثمرة يمكن ذكرها للاختلاف في حقيقة الوجوب التخييري وهي ثمرة لا بأس بها ، وبهذا ننهي كلامنا عن مبحث الوجوب التخييري.