الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/12/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تتمة التنبيه السادس ، الوجوب التخييري.

وفيه:- إنّ بالإمكان أن نفترض أنه يوجد غرضان متضادّان كما فرض ولكن في حال الاتيان بالواجبين معاً يؤثر كلّ واحد من الغرضين بمقدار نصف الغرض فيتحوّلان حينئذٍ إلى غرضٍ واحد في مقام التأثير ، فالتضاد بينهما صحيحٌ هو موجود ولكن هذا التضاد موجود بينهما في حال الاتيان بأحدهما أو في مقام إيجاب جعل الوجوب ، فالمولى يجعل أحدهما واجباً للتضاد بينهما ، أما لو أراد المكلف أن يأتي بهما معاً فيتحوّل كلّ واحدٍ منهما في مقام التأثير إلى درجة النصف ، وبالتالي يصيران بمثابة غرضٍ واحد ، وبعد ذلك كلاهما يكون متّصفاً بالوجوب ولا مشكلة حينئذٍ في مثل هذه الحالة.

أو نفترض أنه في حال الاتيان بهما معاً أحد الغرضين المعيّن هو الذي يؤثر في الوجوب والثاني يسقط عن التأثير ، فمن البداية المولى عنده غرضان في مقام جعل الوجوب يجعل أحدهما واجباً لأنه يوجد تضاد ينهما ، ولكن إذا جمعت بينهما أيها المكلّف يصير هذا الغرض المعيّن هو المؤثر فقط في الوجوب وذاك يسقط عن التأثير ، فلا يلزم حينئذٍ الترجيح بلا مرجّح.

وهاتان الفرضيان ممكنتان ثبوتاً - يعني ثبوتاً يمكن أن نفترض أنّ الغرض بهذا الشكل -.

إن قلت:- ما دليلك على ذلك فإنّ هذا مجرّد طرح احتمالات من دون مثبت لها ؟

قلت:- كلامنا وبحثنا هو في الأساس ثبوتي وليس اثباتياً ، يعني كلامنا هو واقعاً بقطع النظر عن كون الدليل يساعد على ذلك أولا ، بل واقعاً في مورد الوجوب التخييري هل يمكن أن نفترض وجود وجوبين مشروطين ، فإنّ هذا بحث في الامكان والبحث في الامكان دائماً هو بحث ثبوتي وليس اثباتياً ، فإذن لا تقل لي أين الدليل على ذلك.

وأقول شيئاً آخر:- وهو أنّ مثل هذه الاحتمالات التي أبرزناه - بأنّ السيد الخوئي يقول هكذا وما أجبنا به - هي قضايا علمية تُفتِّح الذهن.

ثم أكمل وأقول:- إنَّ ما ذكرتموه يأتي بناءً على وجود غرضين ، وأما بناءً على وجود غرضٍ واحد وهذا الغرض الواحد كما قلنا لا يؤثر إلا بشرط عدم الآخر فكيف نحلّ المشكلة ؟

نجيب بنفس ما ذكرنا فنقول:- إنّ هذا الغرض الواحد يؤثر في وجوب أحدهما إذا لم ينضم إليه الآخر ، أما إذا انضم الآخر فسوف يتحوّل هذا الغرض إلى درجة النصف ، فهو نصفٌ يؤثر في إيجاب هذا ونصفٌ يؤثر بلحاظ إيجاب الثاني ، فيتحوّل الاثنان إلى واجبٍ واحدٍ ويتحقّق به الامتثال ، فيمكن أن نتصوّر هذا المعنى وهو أنهما عند اجتماعهما ناشئين من غرضٍ واحدٍ نصف الغرض يؤثر في واحدٍ ونصف الغرض الآخر يؤثر في الثاني ، فباجتماع الغرض الواحد الكامل يتحقّق المجموع فيصير واجباً واحداً.

أو نفترض أنه عند اجتماعهما يصير هذا الغرض الواحد مؤثراً في وجوب أحدهما المعيّن دون الآخر ، فنفس الكلام الذي افترضناه على الغرضين يأتي هنا أيضاً.

هذا كلّه بالنسبة إلى ما أفاده السيد الخوئي(قده) مع مناقشته.

الاشكال الثالث:- يلزم من فرضية وجود غرضين متضادّين اجتماع المتناقضين ، وذلك ببيان:- أنه مادام يوجد تضاد بين الغرضين فاتّصاف صيام شهرين متتابعين مثلاً بأنه واجب يصير في طول عدم الاطعام ، يعني يلزم أن يكون الاطعام ليس موجوداً حتى يتّصف الصيام بالوجوب لأنّ الغرض متضادٌّ ولازم التضاد هو أنّ الصيام لا يتّصف بالوجوب إلا إذا افترضنا عدم الاطعام ، فاتّصاف الصيام بالوجوب فرع أو في طول عدم وجود الاطعام ، هذه مقدمة ، وتوجد مقدّمة ثانية وهي أنّ عدم الاطعام والاطعام متناقضان وهما في رتبةٍ واحدة فإنّ النقيضان في رتبةٍ واحدة ، ثم نقول ثالثاً إذا كان اتصاف الصيام بالوجوب هو في طول عدم الاطعام والمفروض أنَّ عدم الاطعام هو في عرض الاطعام رتبةً ، فيصير إذن اتصاف الصيام بالوجوب في طول وجود الاطعام ، فلزم بذلك التناقض ، إذ كيف يصير اتصاف الصيام بالوجوب في طول عدم الاطعام وفي طول وجود الاطعام فإنَّ هذا تناقضا وهذا التناقض نشاء من الغرض المتضاد !!

ولم ينسب هذا الاشكال إلى قائلٍ بعينه بل وجدته في منتهى الأصول[1] .

وجوابه:- نسلّم أنّ المتناقضين هما في رتبة واحدة[2] لكن تأخّر شيئاً ثالثاً عن أحد المتناقضين لنكتةٍ لا يلزم منه تأخر هذا الشيء الثالث عن النقيض الآخر ، مثل عدم المعلول ووجود المعلول هما متناقضان في رتبةٍ واحدة ، ووجود المعلول متأخر رتبةً عن شيءٍ ثالثٍ وهو وجود العلّة فإنّ رتبة العلّة متقدّمة لأنّها رتبة الايجاد ، فبما أن العلّة موجدة والمعلول موجود بسببها يصير المعلول متأخراً عن العلّة ، فتأخَّرَ هذا الشيء الثالث - وهو وجود المعلول - عن وجود العلّة ، وهذا سلّمناه لنكتةٍ وهي نكتة العلّية والايجاد ، ولكن هل يلزم من ذلك أنّ النقيض الآخر - وهو عدم المعلول - أيضاً يكون متأخراً عن وجود العلّة ؟ كلا لا يلزم ذلك ، لأنّ التقدّم والتأخر في الرتبة يحتاج إلى ملاك ، فبين وجود العلّة ووجود المعلول يوجد ملاك وهو الايجادية والعلّية وهذه النكتة تقتضي تأخر وجود المعلول عن وجود العلّة ، أما هذه النكتة فهي ليست موجودة في عدم المعلول مع وجود العلّة ، فمادامت ليست موجودة فلا نقول هو متأخر عنه ، يعني لا نقول عدم وجود المعلول متأخر عن وجود العلّة فإنّ هذا ليس بصحيح ، وهذه فائدة جميلة.

ونفس الشيء ننقله إلى موردنا فنقول:- صحيح أنَّه في موردنا قلنا إنَّ اتصاف الصيام بالوجوب في طول عدم الاطعام وعدم الاطعام في رتبة الاطعام ، ولكن لا يلزم من ذلك أن يكون اتّصاف الصيام بالوجوب أيضاً في طول وجود الاطعام ، إنه لا توجد هكذا ملازمة ، فالاتحاد في الرتبة بين المتناقضين لا يقتضي أنَّ تأخر أحدهما عن احد المتناقضين يلزم تأخره عن النقيض الآخر فإنّ هذا شيء ليس بثابت كما أوضحنا.


[1] منتهى الاصول، السيد حسن البجنوردي، ج1، ص219.
[2] - ولو قلت لماذا قلت ( نسلّم ) فيظهر انك تقبلها على مضض ؟ فنقول:- إن المناطقة أو الفلاسفة ذكروا ذلك اما مدى حقانية ذلك فلا، نعم لا موجب لاختلاف رتبتهما أما أنهما في رتبة واحدة حتماً فهذا لا يوجد مثبت له، ولكن نسلّم بهذا فإنّ هذا هو المعروف.