الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
37/12/01
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- التنبيه السادس ( المقدمات التي تمسك بها الشيخ النائيني لإثبات فكرة الترتب ) - مبحث الضد.
المقدمة الثالثة:- إنّ العصيان - إي عصيان الأمر بالأهم - الذي يؤخذ كشرطٍ للأمر بالمهم هل يؤخذ شرطاً بوجوده المقارن أو يؤخذ شرطاً بوجوده المتأخر ؟ فإن أُخذ بوجوده المقارن شرطاً يعني متى ما تحقق العصيان الأمر بالازالة الآن في الساعة العاشرة يحدث الأمر بالصلاة الآن يعني في الساعة العاشرة ، أو أنه يؤخذ بنحو الشرط المتأخر يعني متى ما حدث العصيان فيما بعد - كما لو كان بعد ساعة أو ساعتين - من الآن يوجد الأمر بالمهم ، فشرطُ توجّهِ الأمر بالمهم الآن هو العصيان فيما بعد.
فإن قلت يؤخذ بنحو الشرط المقارن فحينئذٍ نقول:- العصيان هو من المسقطات ، فعند عصيان الأمر بالأهم - يعني الازالة – في الساعة العاشرة سقط الأمر بالأهم ، فيتولّد الأمر بالمهم وحده ، فإذن لا يوجد أمران ترتّبيّان بل أمرٌ واحد ، وإذا أخذ بنحو الشرط المتأخّر فصحيحٌ أنّ الأمر بالأهم لا يسقط متى ما عُصي فيما بعد فهو الآن لا يسقط لأنّ العصيان المسقط هو العصيان الفعلي لا العصيان المستقبلي الآتي فيما بعد ، فلا يلزم سقوط الأمر بالأهم ، وبالتالي يلزم اجتماعهما معاً - الأمر بالأهم والأمر بالمهم - بنحو الترتّب ، ولكن أنت أيها النائيني لا تقول بإمكان الشرط المتأخر ، ومادمت لا تقول بإمكانه يتعيّن حينئذٍ الشق الأوّل ، يعني يؤخذ بنحو الشرط المقارن والمفروض أنه إذا كان بنحو الشرط المقارن يسقط الأمر بالأهم بسبب عصيانه ، وإذا سقط فيتولّد الأمر بالمهم وحده من دون اجتماع أمرين حتى تأتي فكرة الترتّب.
وكان الشيخ النائيني(قده) يواجه هذا الاشكال فأجاب وقال:- نعم نحن نبني على أخذ العصيان كشرطٍ مقارن ولكن مع ذلك كلا الأمرين موجودٌ رغم تحقّق العصيان فلا مشكلة حينئذٍ ، والوجه في ذلك هو أنّ عصيان الأمر فرع وجود ذلك الأمر وإلا لا يمكن عصيانه ، فعصيان الأمر بالأهم في الساعة العاشرة فرع وجود الأمر بالأهم في الساعة العاشرة ، فإنه إذا لم يكن موجوداً في الساعة العاشرة فأي أمرٍ تعصيه ؟! فعصيان الأمر فرع وجود ذلك الأمر ، وعلى هذا الأساس سوف يثبت أنّه في الساعة العاشرة مادام قد فرضنا العصيان موجوداً فالأمر بالمهم لابدّ وأن يكون موجوداً ، ثم نقول:- إذا صدق العصيان الساعة العاشرة فالأمر بالمهم أيضاً موجود - لأنّ الأمر بالمهم شرطه عصيان الأمر بالأهم - في الساعة العاشرة ، فالأمر بالمهم إذا كان موجوداً في الساعة العاشرة وقد فرضنا أنّ الأمر بالمهم موجود في الساعة العاشرة أيضاً لأنّ العصيان موجودٌ في الساعة العاشرة وعصيان الأمر لا ينفكّ عن وجود ذلك الأمر ، فلزم من ذلك اجتماع كلا الأمرين - الأمر بالأهم والأمر بالمهم - في زمانٍ واحد ، وحينئذٍ تأتي فكرة الترتّب دون أيّ محذور.
وفيه:- إنّ هذه المقدّمة ليست دخليةً في إثبات الامكان لفكرة الترتّب ، وقلنا المناسب في المقدّمات أن يذكر فقط وفقط الدخيل في الامكان أما دفع الاشكالات الجانبية فلا تذكر في المقدّمات بل تذكر بعد ذلك ، وهذه قضيّة فنّية مهمة ينبغي الالتفات إليها . هذا شيء.
ويوجد شيء آخر:- وهو أنّ الاشكال الذي يريد أن يدفعه الشيخ النائيني(قده) هو يقول العصيان من مسقطات التكليف ، فالإشكال مبنيٌّ على هذا ، فأنت حينما تجيب فمن المناسب أن تجيب بماذا ؟ مثلاً تقول:- العصيان ليس من المسقطات ، والحال هو لم يصرّح بهذا وإنما أخذ يتكلم بكلامٍ آخر فقال:- عصيان الشيء فرع وجود ذلك الشيء ، فعصيان الأمر بالأهم فرع وجود الأمر بالأهم ، فإذن يلزم وجود العصيان مع الأمر بالأهم في زمانٍ واحدٍ حتى يصدق العصيان.
فالشيخ النائيني(قده) بكلامه هذا كأنه يريد خُلفَ مبنى الاشكال ، فإنّ مبنى الاشكال هو أنّ العصيان من المسقطات ، وأنت ماذا تريد ان تقول ؟ هل هو من المسقطات أو لا ؟ فإما أنه يلزم أن تصرّح وتقول نعم أو تقول لا ، فإن قلت هو من المسقطات فعلى هذا الأساس الأمر بالأهم يلزم أنه ليس بموجود ولو بعد الساعة العاشرة ، لأنه إذا تحقّق العصيان في الساعة العاشرة ففي العاشرة ودقيقة مثلاً يلزم أن لا يكون الأمر بالأهم موجوداً لأنّ العصيان من المسقطات فيبقى الأمر بالمهم وحده بعد الساعة العاشرة.
يعني إذا أردنا أن نصوّر رأي الشيخ النائيني(قده) الذي قال إنّ عصيان الأمر فرع وجود الأمر فقط على رأس الساعة العاشرة أما في الساعة العاشرة ودقيقة فحينئذٍ يلزم أن لا يوجد أمرٌ بالأهم فبالتالي بقي الأمر بالمهم وحده فعاد الاشكال ، فأنت إذا كنت ترى العصيان من المسقطات فعليك التصريح بذلك وبالتالي يلزم الاشكال ما بعد الساعة العاشرة - يعني العاشرة ودقيقة فما فوق - فإنه تحقّق العصيان ، وبعد تحقّقه يلزم سقوط الأمر.
وإذا فرضنا أنّ العصيان لم يكن من المسقطات فعليك أن تصرّح بذلك ويرتفع بذلك الاشكال ولا حاجة إلى هذا التطويل ، كما يبني على هذا - أي أنَّ العصيان ليس من المسقطات كالامتثال - الشيخ العراقي(قده) ووافقه السيد الشهيد(قده) الذي يقول إنّ العصيان والامتثال مسقطٌ للفاعلية دون الفعلية.
والخلاصة التي نريد أن نقولها للشيخ النائيني(قده):- هي أنك إما أن تبني على أنّ العصيان من المسقطات فيأتي الاشكال في الساعة العاشرة والدقيقة فما بعد ، وإذا كان العصيان ليس من المسقطات فعليك أن تصرّح بذلك ، وعليه فلا يوجد إشكال أصلاً.
ثالثاً:- يظهر أنّ الشيخ النائيني(قده) قد وضع العصيان أمامه وكأنَّ الشرط ينحصر بالعصيان ، بل لنبدله بعدم الاشتغال ، فإذا كانت هناك مشكلة في العصيان فنتمكن أن نقول:- ولنا طريقٌ آخر للفرار من هذا الاشكال فلنجعل شرط الأمر بالمهم هو عدم الاشتغال بالأهم وليس هو العصيان.
وأما واقع الحال فإما أن نجعل الشرط هو عدم الاشتغال فلا مشكلة حينئذٍ ، أو نجعل الشرط هو العصيان ولكن نقول العصيان بناءً على كونه مسقطاً هو أيّ عصيان ؟ إنه العصيان المستمر إلى أن يخرج الوقت أو ينتفي الموضوع - فيخرج الوقت مثل وقت صلاة الآيات إلى أن ينتهي وقتها فيسقط حينئذٍ أمرها ولذلك من لم يصلِّ صلاة الآيات سقط عنه الأمر بها إلا إذا جاء أمرٌ جديد ، وهكذا في الصلاة اليومية إذا انتهى الوقت يسقط الأمر ولكن جاءنا دليل دلّ على وجوب القضاء فلولا الدليل لم نكن نقول بوجوب القضاء فالعصيان يصير من المسقطات ، فإما أن ينتهي الوقت أو ينتفي الموضوع كما مثّلنا بالجنازة يأخذها السيل فحينئذٍ صار سالبة بانتفاء الموضوع -.
والخلاصة:- لنسلّم أنّ العصيان من المسقطات ولكنه من المسقطات إذا فرض انتهاء الوقت أو فرض زوال الموضوع ، أما العصيان في آنٍ أو آنين أو ثلاثة وفي ساعة أو ساعتين بلا أن ينتهي الوقت أو بلا أن يزول الموضوع فليس من المسقطات ، فحينئذٍ لا يأتي الاشكال ، ونحن نجعل الشرط هو العصيان بصرف وجوده وإن لم يكن مستمرّاً ، وهذا ليس من المسقطات ، مثل عصيان الأمر بالازالة ، فإذا عصيت الأمر بالازالة فلم يسقط الأمر بالازالة بل هو بَعدُ موجودٌ وعصيانٌ موجودٌ لأنّ الأمر بالإزالة فوري فالعصيان موجود ، فحينئذٍ يتولّد الأمر بالمهم رغم بقاء الأمر بالأهم لأنّ الوقت لم ينتهِ - لأنّه ليس مؤقتاً - ولا انتفى الموضوع ، فإذن هذا العصيان لا يكون مسقطاً فيرتفع الاشكال . هكذا كان ينبغي أن يجيب.
المقدّمة الرابعة:- وهي المقدمة المهمة ولو كان يقتصر عليها لكان كافياً.
وأذكر شيئاً آخر:- وهو أنه لم يبيّن هذه المقدّمة بسهولة ، وإنما أخذ يبيّن أموراً جانبية كثيرة في البداية إلى أن ذكر هذه المقدّمة ، فلو بيّن المقدّمة وحدها لكان أفضل ، وحاصل تلك المقدّمة:- هو أنّ الأمر بالأهم - أمر أزِل - يدعو إلى الازالة ، أي يدعو إلى تحقيق متعلّقه[1] ، فالأمر بالازالة يدفع نحو الازالة ، وحينما يدفع نحو الازالة فهذا المقدار هل يأباه أمر صلِّ أو أنّه لا يأباه ؟ الجواب:- إنه لا يأباه ، لأنّ أمر صلِّ يقول إذا أردت تحقيق الازالة فأنا لا أتوجه إليك ، بل أنا أتوجه إليك إذا فرض أنك لم تحقّق الازالة - عصيت - ، أما إذا حقّقت الازالة فأنا غير متوجه إليك ، فأنا الأمر بالمهم أقول إن تركت الازالة - يعني موضوع الأمر بالأهم - فسوف أتوجه إليك ، والأمر لا يدعو إلى تحقيق موضوعه ، فهو لا يدعو إلى ترك الازالة ، فإذن أمر أزِل يدعو إلى الازالة هذا لا يأباه أمر صلِّ ، لأنّ أمر صلِّ يقول إذا لم تكن إزالة ولم تشتغل بها فأنا أقول صلِّ أما إذا اشتغلت بها فانا لا أتوجه إليك.
فإذن أمر أزِل يقول شيئاً - وهو حقّق الازالة - لا يأباه أمر صلِّ ، وصلِّ يقول شيئاً لا يأباه أزل ، فهو يقول إن تركت الازالة فصلِّ ولا يقول اترك الازالة فإنّ الأمر لا يدعو إلى تحقيق موضوع نفسه بل يقول إذا تركت الازالة فصلِّ ، فأين المنافاة ؟!!
إذن لا هذا يطارد ذاك وينافيه ، ولا ذاك يطارد هذا وينافيه ، فاجتماعهما يصير بكامل الملائمة.