الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/11/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- الأمر الخامس ( هل يصح تطبيق فكرة الترتب في مورد اجتماع الأمر والنهي أو لا ؟ ) ، التنبيه الثالث - مبحث الضد.

ثالثاً:- نحن نسلّم للشيخ النائيني(قده) أنه يوجد فارق بين مورد اجتماع الأمر والنهي وبين مورد الترتّب المقبول ففي مورد اجتماع الأمر والنهي عصيان النهي عن الغصب يصير مصداقه الصلاة ، فالصلاة سلّمنا أنها هي مصداق للعصيان عن الغصب والصلاة عين الغصب والغصب عين الصلاة وهذا بخلافه في ترك الازالة فترك الازالة ليس مصداقها الصلاة بل الصلاة ملازمة ، ولكن نقول إنّ هذا لا يدفع الاشكال عن الشيخ النائيني(قده) - يعني مجرّد كون المورد هناك الصلاة هي عين الغصب بينما هنا في باب فكرة الترتّب الصلاة ليست عين الازالة وإنما هي ملازم فهذا حتى لو سلّمنا به فهو لا يحلّ المشكلة ولا يرفعها - والوجه في ذلك هو أنّ المكلف في مورد فكرة الترتّب إذا عصى الأمر بالإزالة فالصلاة تكون حسب اعتراف الشيخ النائيني(قده) ليس عين عصيان الازالة بل هي صلاةٌ - ملازمٌ - ، ونحن نقول مادامت الصلاة ملازمة لترك الازالة فهذا معناه أنّ الصلاة متحققة جزماً لأنها ملازم ومع تحققها كيف تطلب ؟! إنه هذا طلب تحصيل الحاصل ، فمحذور طلب تحصيل الحاصل لا يتوقّف على كون الصلاة مصداق أو عين الغصب ، كلا بل هو يأتي حتى لو كانت الصلاة ملازمة فإنه إذا كانت ملازمة لعصيان الأمر بالإزالة فمعنى ذلك أنها متحققة وبعد تحققها كيف يؤمر بها ؟!! إنّ هو إلا تحصيل الحاصل ، وهذا شيءٌ ظريف.

وتعال إلى الشقّ الثاني:- أي إذا كان اللازم هو سائر الأضداد يعني الأكل والشرب مثلاً فمعناه أنه بعصيان الأمر بالغزالة الذي يكون متحققاً هو اللازم وهو الأكل والشرب ومع تحقق الأكل والشرب كيف تأمره بالصلاة ؟! إنّ هو إلا طلب للضدّين ، فالمحذور الذي ذكره بناءً على كون الصلاة مصداقاً وعين الغصب يأتي أيضاً إذا لم نقل بالعينية وقلنا إنّ الصلاة ملازمة أو الأكل والشرب ملازم لترك الإزالة فإنه مادامت الصلاة ملازمة يعني متحقّقة فطلبها يكون طلباً لتحصيل الحاصل ، وإذا كان الملازم هو الأكل والشرب يعني أنّ الأكل والشرب متحقّقٌ فبعد تحقّقه يكون طلب الصلاة حال الأكل والشرب طلباً للجمع بين الضدّين ، فالمحذور الذي ذكره لا يختصّ بما ذكره.

وأقوى وأهم التعاليق الثلاثة التي ذكرتها هو هذا وهو أنه لا يفرّق بين أن نقول بالعينية فنقول الصلاة عين الغصب أو نقول بأنّ الصلاة ملازمة لترك الازالة فإنّ هذا لا يؤثر من هذه الناحية ، وما أفاده إذا كان تاماً فهو يتمّ على التقديرين ، وحيث إنه على هذا التقدير - أي في باب فكرة الترتّب - ليس بتام فيكشف أنّ ما ذكره ليس بتام ، وبالتالي الصحيح ما اشرنا إليه في التعليق الأوّل . هذا بالنسبة إلى ما أفاده الشيخ النائيني(قده) واتضح أنه شيء قابل للمناقشة ومرفوض.

ولكن رغم أنه شيء مرفوض نقبل أصل المدّعى الذي ذكره:- وهو أنّ فكرة الترتّب لا تجري في باب اجتماع الأمر والنهي لكن لا للبيان الذي ذكره وإنما لبيانٍ آخر نحن نذكره وحاصله أن يقال:- إنه في مورد اجتماع الأمر والنهي إمّا أن نبني على الجواز أو نبني على الامتناع ، فعلى تقدير كليهما لا تجري فكرة الترتّب ، فإذا بنينا على الجواز فمعنى الجواز أنّ متعلّق الأمر يغاير متعلّق النهي ، فهما اثنان ، فإما أن يكون الاختلاف هو في العنوان بناءً على أنّ الأحكام تتعلّق بالعناوين فيوجد عنوانان ، أو نقول تتعلّق بالجود الخارجي ومع تعدّد العنوان يوجد شيآن في الخارج ولكن العين لا تدرك تعدّد هذين الشيئين وإلا فهما شيآن ، فبالتالي يلزم أن نفترض التعدّد في متعلّق الأمر والنهي ومع فرض التعدّد لا يلزم تعارض ولا يلزم تزاحم لاختلافهما ،إما هذا العنوان أو ذاك العنوان فهذا العنوان هو عنوان الصلاة فعليه وجوب وذاك العنوان هو الغصب فعليه نهي ، فهما عوانان متغايران فلا يتحقّق تعارض ولا يتحقّق تزاحم ، وأما إذا قلنا الوجود متعدّد فالأمر كذلك لا تعارض ولا تزاحم ، وإذا لم يوجد تزاحم فلا ترتّب لأنّ الترتّب يأتي فيما إذا كان هناك تزاحم بين التكلفين ، أما إذا فرضنا أنه يوجد تعدّد في المتعلّق من دون تزاحم فلا معنى لتطبيق فكرة الترتّب لأنّ فكرة الترتّب موردها إذا كان هناك تزاحم بين الشيئين ، أي لا يمكن امتثالهما فالعقل حينئذٍ يقول يجب الأهم فإذا لم يشتغل المكلّف بالأهم تأتي فكرة الترتّب فنقول حينئذٍ يكون مأموراً بالمهم ، فإذا لم يكن تزاحم بينهما ففكرة الترتّب لا معنى لها من الأساس ، هذا إذا بينما على الجواز.

وأما إذا بنينا على الامتناع - ومعنى الامتناع أنه هناك شيء واحد وتعلّق به الأمر والنهي - فهذا لا يمكن ، فلا يمكن أن يكون واحداً يتعلّق به أمرٌ ونهي فإنّ هذا ممتنع ، فيلزم إما الأمر وإما النهي ، وواضح أنَّ الأمر يقول أنا لا أنت ، والنهي يقول أنا لا انت ، فيحصل بينهما تعارض وذلك بناءً على الامتناع يتحقق التعارض بين الدليلين بين صلِّ ولا تغصب لأنّ أحدهما هو الثابت ولا يدرى أنّ الثابت هذا أو ذاك فيحصل علم إجمالي بكذب أحدهما فيصر تعارض ، وإذا صار تعارض ففكرة الترتّب لا تأتي لأنّ موردها هو وجود حكمين اثنين حتى نقيّد اطلاق أحدهما بعصيان الآخر ، أما إذا كان الحكم واحداً فلا يمكن الترتّب فهو في نفسه شيء غير ممكن إذ لا يوجد دليل آخر ليقيّد أحدهما بعصيان الآخر.

إذ اتضح الوجه في عدم إمكان تطبيق فكرة الترتُّب في مورد اجتماع الأمر والنهي.