الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/08/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- التنبيه الثاني ، النبيه الثالث ( مبحث الترتب ) - مبحث الضد.

ويردّه:- نحن نقول إنّ الأصل الأوّل مقبولٌ - وهو أن القدرة معتبرة في وجوب الوضوء - ، وأما الأصل الثاني - وهو أنه إذا كانت القدرة معتبرة فالملاك سوف يصير ضيّقاً بحالة القدرة - فهنا عندنا وقفة فنقول:- ماذا تقصد من كون الملاك ضيّقاً بحالة القدرة ؟ فهل تريد أن تقول لا يمكن أن نستكشف الملاك أكثر من حالة القدرة ولكن ربما يكون الملاك موجوداً واقعاً ولكن نحن لا يمكن أنستكشف أنه أوسع من حالة القدرة فالمشكلة هي عندنا فنحن لا نستطيع أن نستكشف ذلك لأن عيوننا لا تكشف إلا بمقدار القدرة أمّا الزائد القدرة لعلّ الملاك ثابتٌ أيضاً ولكن نحن لا نعلم به والذي نعلمه هو بمقدار حالة القدرة ، فإذا كنت تقصد هذا فهو شيءٌ صحيح.

أما إذا كنت تقصد أنه في حالة عدم القدرة لا يوجد ملاك جزماً فمن أين تأتي بالجزم بأنّ الملاك ليس بموجود ، بل لعلّه موجودٌ في غير حالة القدرة ولكن الله عزّ وجلّ أراد أن يخفّف عن عباده رغم أنّ الملاك موجودٌ ، فالتخفيف نكتةٌ مانعةٌ من الأمر ، فلا تتمكن أن تقول الملاك ليس بموجودٍ حتماً أزيد من دائرة القدرة ، وإنما قل أنا لا يمكنني أن اكتشفه أكثر دائرة القدرة ولكن لعلّه موجود ، فإذا كان يحتمل وجوده فالأمر الترتّبي حينئذٍ يصير ممكناً ، إنما يكون غير ممكنٍ إذا كان الملاك غير موجودٍ حتماً ، أما إذا كان موجوداً فيمكن للمولى أن يأمر بالأمر الترتّبي بلا مانعٍ ، فعلى هذا الأساس هذا المورد ليس من موارد استحالة الأمر الترتّبي.

نعم نحن نستدرك ونقول:- إنّ فكرة الترتّب لا يمكن تطبيقها من ناحيةٍ أخرى وليس من الناحية التي ذكرها الشيخ النائيني(قده)، والوجه في ذلك هو أّن تطبيق فكرة الترتّب شرط وجود تكليفين مطلقين ، أما إذا لم يكن التكليف هنا مطلق وهناك مطلق ففكرة الترتّب لا يمكن أن تطبّقها لأنّ فكرة الترتّب هي تقيّد أحد الاطلاقين بحالة عدم الاشتغال بالآخر ، فلابدّ من فرض تكليفين مطلقين فإنَّ هذا هو الأساس في فكرة الترتّب ، وفي باب الوضوء والتيمّم لا يوجد أمران مطلقان فإنّ أمر الوضوء مقيّدٌ بحالة القدرة على استعمال الماء والتيمم وجوبه مقيّدٌ بحالة عدم القدرة ، فكلاهما مضيّقٌ وليس مطلقاً ، فلا يمكن تطبيق فكرة الترتّب.

ولكن رغم ذلك ربما يصحّح الوضوء للأشخاص الذين لا يتمّمون بل يحتاطون ويتوضأون فيمكن الحكم بصحّة الوضوء لا بالأمر الترتّبي لأنّ الأمر الترتّبي لا يمكن لأنه لا يوجد أمران مطلقان وإنما بطريقةٍ أخرى وهي بناءً على أنّ الوضوء فيه استحباب نفسي ، فإنه يوجد كلامٌ في أن الوضوء هو فيه استحباب لنفسه فدائماً هو مستحبّ ، فإذا قلنا هو مستحبٌّ في نفسه فعلى هذا الأساس يمكن أن نصحّح الوضوء من هذا الشخص بواسطة الاستحباب النفسي ، وهذه قضيةٌ أخرى.

الحالة الثالثة:- إذا فرض أنّ التكليفين كانا متساويين في الأهمية فالترتّب سوف يصير من الجانبين لا من جانبٍ واحدٍ ، لأنّ المفروض هو التساوي ، كما لو فرضنا وجود غريقين فالتكليف بإنقاذ هذا مشروط بعدم الاشتغال بإنقاذ ذاك والتكليف بإنقاذ ذاك مشروط بعدم الاشتغال بإنقاذ هذا لأنهما متساويين - لا أنه أحدهما إمامٌ مثلاً والآخر كان إنساناً عادياً - فإذا كان هناك تساوٍ فيصير الترتّب من الجانبين.

والسؤال:- هل يمكن ثبوت الترتّب من الجانبين أو لا ؟

ربما يقال:- لا يمكن ثبوت الترتب ، وذلك لبيانين:-

البيان الأوّل:- إنه إذا صار الترتّب من الجانبين يلزم محذور الدور لأنّ ثبوت الأمر بالأوّل مشروطٌ بعصيان الأمر الثاني ، وعصيان الأمر الثاني فرع ثبوت الأمر الثاني حتى يعصى وإلا إذا لم يكن موجوداً فكيف يعصى ؟! ثم نقول:- وثبوت الأمر الثاني فرع عصيان الأمر الأوّل لأنّ الترتّب من الجانبين ، وعصيان الأمر الأوّل فرع ثبوت الأمر الأوّل وإلا لا يمكن العصيان ، فتوقّف ثبوت الأمر الأوّل على ثبوت الأمر الأوّل.