الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/08/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- تنبيهات مبحث الترتب - التنبيه الأول ( مبحث الترتب ) - مبحث الضد.

تنبيهات ترتبط بالمقام:-

التنبيه الأول:- هناك بعض الحالات إما لا يمكن جريان فكرة الترتّب فيها أو لا يظهر أثرٌ لو جرت فيها.

الحالة الأولى:- أن نبني على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص ، مثل الأمر بالإزالة إذا قلنا يقتضي النهي عن الضدّ الخاص للإزالة وهو الصلاة يعني يقتضي النهي عن الصلاة ، فهنا لا يمكن جريان فكرة الترتّب ، والوجه في ذلك واضح فإنه مع النهي عن الصلاة كيف يمكن الأمر بها على تقدير حالة الاشتغال بالأهم ؟! ولك أن تقول:- إذا لم يشتغل المكلّف بالإزالة فالنهي عن الصلاة موجودٌ أو ليس بموجود ؟ فإن قلنا ليس بموجود فهذا خلفٌ واضح إذ قد فرضنا أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه الخاص فلابد وان نفترض وجوده ، ومع وجوده وثبوته كيف يؤمر بالصلاة وهل هذا إلا تكليف بالضدّين وهذا لا يمكن.

وقد تقول:- إنَّ النهي عن الصلاة هو نهيٌ غيري والنهي الغيري سهل المؤونة ، يعني مثلً لا يقتضي الفساد أو غير ذلك.

والجواب واضح:- إذ نقول هو بالتالي نهيٌ ، فهو يقول لا تفعل الصلاة فكيف يأتي الأمر الترتّبي ويقول افعل الصلاة ؟! إنّ التكليف بالنقيضين متحقّقٌ حتى إذا لم نقل بأنّّ النهي الغيري يقتضي الفساد ، فعلى هذا الأساس لا يمكن تحقّق الأمر الترتّبي وتطبيق فكرة الترتّب بناءً على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه ، فإذن هذا شرطٌ من شروط تطبيق فكرة الترتّب فأحد شرائط فكرة الترتّب هو أنه يشترط في تطبيقها أن لا نبني على الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه.

بيد أني أتذكر قديماً حينما كنت أراجع شروح الكفاية أنَّ بعض شرّاح الكفاية - والظاهر أنه في عناية الأصول - نقل على أنه لا محذور في أن يبنى على فكرة الاقتضاء وفي نفس الوقت يصير أمرٌ ترتبي ، بدعوى أنّ النهي عن الصلاة ليس نهياً عنها بما هي هي بل لأجل المقدّمية لإمكان تحقّق الازالة ، فليست الصلاة يطلب تركها بنفسه لنفسه حتى يتنافى مع الأمر بها بنحو الترتّب وإنما نهي عنها لأجل المقدّمية لتحقّق الازالة ، واستشهد لذلك أيضاً بالكلام الذي نقله في مطارح الانظار - تقريرات الشيخ الأنصاري - عن كاشف الغطاء أنه نقل عنه العبارة التالية وهي:- ( القول بالاقتضاء - أي اقتضاء الأمر بالشيء النهي عن ضدّه - وعدم الفساد أقرب إلى السداد )[1] ، فهو ينقل عن كاشف الغطاء أنّ الأقرب إلى السداد والاستقامة هو أنه يبني على الاقتضاء وفي نفس الوقت نبني على عدم الفساد.

والاشكال عليه واضح حيث يقال:- إنه حتى لو فرض أنّ النهي عن الصلاة كان تحفّظاً على الازالة لكن بالتالي هو نهيٌ عن الصلاة ، ومعه كيف يقال صلِّ ؟! إنه شيءٌ غير ممكن أبداً.

وأمّا ما نقل عن كاشف الغطاء:- من ( أنّ القول بالاقتضاء وعدم الفساد هو الأقرب إلى السداد ) فعهدته عليه.

على أنه يمكن أن يقال:- هو يبني على الاقتضاء فهذا لا مشكلة فيه ، ولكنه يبني على عدم الفساد من باب أنّه نهيٌ غيري والنهي الغيري لا يقتضي الفساد ، وهو لم يقل ( الأقرب القول بالاقتضاء وثبوت الأمر الترتّبي ) فلو كان يقول هكذا فنعم هذه شهادة واضحة على أنه يرى أنه يمكن ثبوت نهيٍ عن الصلاة وفي نفس الوقت يوجد أمرٌ ترتّبي ، ولكنه لم هكذا وإنما قال ( القول بالاقتضاء وعدم الفساد ) ولم يقل ( وثبوت الأمر الترتّبي ) وهذان لا يدلان على ما أراده المستشهد بكلامه.

والخلاصة من كلّ هذا:- هو أنّ من شرائط تطبيق فكرة الترتّب البناء على عدم اقتضاء الأمر بالشيء عن النهي عن ضدّه.


[1] مطارح الأنظار، الانصاري، ج1، ص119.