الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/08/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الضد.

الجواب الثالث:- ما أفاده المحقق الثاني(قده)[1] وحاصله:- إنّ الصلاة وإن صارت مزاحمة بالإزالة إلا أنها ليست مزاحمة بالإزالة بجميع أفرادها إنما هي مزاحمة بفردٍ واحدٍ ، فحينما أشتغل بالإزالة - فأمارس الازالة بالفعل - يصدق على الصلاة الآن أنها مزاحمة بالإزالة ، فإذا أزلت وانتهيت فالأفراد البقيّة حينئذٍ لا يصدق عليها أنها مزاحمة فإنّ الازالة تقع في ساعةٍ مثلاً لأنّ الازالة تحتاج إلى ساعة مثلاً فالمزاحمة تكون بمقدار ساعة وأما بلحاظ الساعات الأخرى الصلاة ليست مزاحمة بالإزالة ، هذه مقدّمة.

وتوجد مقدّمة ثانية:- وهي أنّ الأوامر هل تتعلّق بالأفراد أو تتعلّق بالطبائع ؟ إنها تتعلّق بالطبائع دون الأفراد ، أي طبيعة الصلاة الكلّية لا هذا الفرد بخصوصه في الساعة الأولى أو الصلاة في الساعة الثانية أو الصلاة في الساعة الثالثة.

والنتيجة هي أنه يمكن إذن للمكلّف أن يأتي بالصلاة بقصد امتثال الأمر المتعلّق بطبيعي الصلاة فتقع آنذاك صحيحة من خلال الأمر وليس من خلال الملاك . وهذه طريقة جديدة فليس تصحيحنا بالأمر الترتّبي وليس بالملاك بل بنفس الأمر بالصلاة.

وإذا قلت[2] :- كيف يكون الطبيعي مقدوراً مع فرض أنّ بعض أفراده ليس بمقدور ؟

قلت:- يكفي في القدرة على الطبيعي الجامع القدرة على بعض أفراده ، فيصدق أنّ الطبيعي مقدور الآن مادام هناك قدرة على بعض أفراده لأنّ بعض الأفراد ليست مزاحمة جزماً ، فإذا كان مقدوراً فالأمر بالطبيعي موجود فأنا أأتي بالصلاة بقصد ذلك الأمر المتعلّق بالطبيعي ، فلا مشكلة إذن.

إن قلت[3] :- هذا الفرد وإن كان مصداقاً لطبيعي الصلاة إلا أنه ليس مصداقاً للطبيعة بما هي مأمور بها ، فالطبيعة بما هي مأمور بها لا تصدق على هذا الفرد فكيف أأتي بهذا الفرد بقصد امتثال الأمر المتعلّق بالطبيعة والحال أنّ الطبيعة بقيد ( مأمور بها ) لا تصدق على هذا الفرد ؟

قلت:- بل يصدق ، فإن الطبيعي الذي هو جامعٌ بين المقدور وغير المقدور مادام قد تعلّق به الأمر ، وهذا فردٌ من ذلك الطبيعي الجامع بين المقدور وغير المقدور ، فيصدق على هذا الفرد أنه صلاةٌ بما هي مأمور بها - يعني طبيعي الصلاة بما هي مأمور بها فهذا صادق حقيقةً بلا كلام - فإذن لا مشكلة.

وما أفاده المحقّق الثاني(قده) يمكن أن يعدّ روعة وقمّة في الفكر ، ولكن عبارته مجملة جداً ، ويقال إنّ الذي فتح الموضوع هو صاحب بدائع الأفكار الميرزا حبيب الله الرشتي(قده) ، والعبارة ذكرها جامع المقاصد في مسألة ما إذا كان هناك شخص عليه دين وطالبه الدائن به فمرّةً لا يوجد عند المدين مال فيكون نظرة إلى ميسرة ، وأما إذا كان عنده مال وطالبه الدائن وفي الأثناء وحلّ وقت الصلاة فهل يستطيع المدين أن يصلّي ثم بعد ذلك يعطيه الدين أو لا ؟ فهو بهذه المناسبة ذكر هذا البحث لأنّ هذه الصلاة مزاحمة بالواجب الأهم - وهو قضاء الدين - لأنه فوري أمّا الصلاة فهي واجب موسّع فعليه أن يقضي الدين ثم يصلّي بعد ذلك ، فهو أراد أن يصحّح الصلاة فيأتي بها قبل أداء الدَّين ، فصحيحٌ أنه آثم من ناحية أنه عصى الأمر بقضاء الدين فوراً ولكن الصلاة تقع صحيحة لأنّ الأمر يتعلّق بالطبيعي ، ونص عبارته:- ( فإن قيل وجوب القضاء[4] على الفور ينافي وجوب الصلاة في الوقت الموسع ....... قلنا لا نسلّم لزوم تكليف ما لا يطاق إذ لا يمتنع أن يقول الشارع أوجبت عليك كلاً من الأمرين لكن أحدهما مضيّقٌ والآخر موسّع فإن قدمت المضيّق فقد امتثلت وسلمت من الإثم وإن قدّمت الموسّع فقد امتثلت وأثمت بالمخالفة في التقديم )[5] ، ولعلّه من العبارة يصعب إخراج المطلب من دون توضيح الميرزا حبيب الله الرشتي(قده).

وهل هذه الفكرة صحيحة أو لا ؟

أجاب الشيخ النائيني(قده)[6] :- بأنّ التكليف مجعول بداعي التحريك ، ومادام كذلك فيختصّ بالحصّة المقدورة دون غير المقدورة ، فهذا الفرد من الصلاة هو مزاحم بالإزالة لأنه بعدُ لم تتحقق الازالة فهو ليس بمقدورٍ فلا يتوجّه إليه الأمر ، فالأمر بالصلاة مجعول بداعي التحريك للصلاة فيتوجه إلى الفرد المقدور وهذا ليس بمقدورٍ فيقع باطلاً.

نعم لو كان اعتبار القدرة لا من الباب الذي ذكرناه بل من باب حكم العقل بقبح تكليف العاجز فيمكن أن يقال آنذاك كما أفاد صاحب جامع المقاصد(قده) من أنه مع القدرة على بعض أفراد الطبيعي تصدق القدرة على الطبيعي ، لكن مادام التكليف مجعولا بداعي التحريك وأخذنا هذه القضيّة بعين الاعتبار فيلزم أن يختصّ التكليف بالحصّة المقدورة وهي الصلاة غير المزاحمة بالأمر بالإزالة.

إذن فرّق الشيخ النائيني(قده) بين حالتين بين حالة ما إذا قلنا أنّ اعتبار القدرة ناشئ من داعي التحريك وبين ما إذا قلنا ناشئ من قبح تكليف العاجز ، فإذا قلنا هو من جهة قبح تكليف العاجز فهذا ليس بعاجز عن الطبيعي بعد القدرة على بعض أفراده ، أما إذا قلنا من باب التحريك فالتحريك لا يكون إلا نحو المقدور والمقدور هو في الحصية غير المزاحمة.

والاشكال عليه واضح:- فإنّك مادمت قد اعترفت في الشقّ الثاني من كلامك من أنه إذا كان اعتبا القدرة من ناحية قبح تكليف العاجز فهذا المكلّف ليس بعاجز يعني هو قادر على الطبيعي بعد القدرة على بعض أفراده فنفس هذا الكلام ننقله إلى الشق الأوّل ونقول صحيح أنّ التكليف مجعول بداعي التحريك والتحريك لا يكون إلا نحو المقدور ولكن نقول بما أنّ الأوامر لا تتعلّق بالأفراد وإنما تتعلق بالطبيعي والطبيعي بسبب القدرة على بعض أفراده يكون مقدوراً فعلى هذا الأساس يلزم أن نقول بأنه لا بأس بوقوع الصلاة صحيحة امتثالاً للأمر المتعلّق بالطبيعي حتى إذا قلنا بأنّ التكليف مجعول بداعي التحريك فرغم هذا نقول بوقوع الصلاة صحيحة فإن المتعلّق - وهو الطبيعي - مقدور بالقدرة على بعض أفراده ، وهذا مطلب ينبغي أن يكون واضحاً ولكن كيف حصلت هذه القضية ؟!! العصمة لأهلها.

ولكن نقول شيئاً:- وهو أنه ربما ينسب إلى الشيخ النائيني(قده) كما قرأنا في الحلقة الثالثة أنّ الجامع بين المقدور وغير المقدور ليس مقدوراً فما هو المنشأ لانتزاع رأيه هذا ؟

والجواب:- إنّ هذا المورد الذي ذكره الشيخ النائيني هنا يفهم منه أنه يقول بأنّ الجامع بين المقدور وغير المقدور ليس بمقدور ، وإلا إذا كان يقول هو مقدور فما كان يقول حينئذٍ إنّ التكليف المجعول بداعي التحريك يختصّ بالفرد المقدور فقط دون مطلق الطبيعي ، فمنشأ الانتزاع هو هذه العبارة.


[1] جامع المقاصد، المحقق الثاني، ج5، ص13 – 14.
[2] وهذا إشكال من عندي.
[3] وهذا مني أيضاً.
[4] أي قضاء الدين.
[5] جامع المقاصد، المحقق الثاني، ج5، ص13، 14.
[6] أجود التقريرات، الخوئي، ج1، ص263.