الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
37/07/23
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- مبحث الضد.
النقطة الثانية:- ثمرة البحث.
قلنا إنّ الثمرة قد تذكر فيما لو كان لدينا واجب وكان له ضدٌّ عبادي كالإزالة التي ضدّها العبادي الصلاة فحينئذٍ الثمرة تظهر هنا بناءً على أنّ الأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الضدّ الخاص - وهو الصلاة - فالصلاة منهيٌّ عنها فتقع فاسدة ، وأمّا بناءً على عدم الاقتضاء فلا موجب لفساد الصلاة فتقع صحيحة ، وقلنا قد تصاغ الثمرة بصيغة أخرى ذكرناها فيما سبق ولا نكرر.
ووصلنا إلى أنه قد يشكل على هذه الثمرة بكلا شقّيها - الشق الأوّل إنّه بناءً على الاقتضاء تقع الصلاة فاسدة والشق الثاني هو أنه بناءً على عدم الاقتضاء تقع صحيحة -.
أمّا الاشكال بلحاظ الشق الأوّل فذلك بأن يقال:- إنه حتى لو سلّمنا أنّ الأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الصلاة فهذا النهي لا يقتضي الفساد لأنه نهي غيري والنهي الغيري لا يقتضي الفساد . فإذن لنا دعويان الأولى النهي عن الصلاة الذي حصل بسبب الإزالة هو نهي غيري ، والدعوى الثانية هي أنّ النهي الغيري لا يقتضي الفساد.
أمّا بالنسبة إلى الدعوى الأولى - أعني أنّ النهي عن الصلاة غيري -:- فلأنّ هذا النهي الذي توجه إلى الصلاة لم يتوجه إليها لمبغوضية نفس الصلاة أو محبوبية ترك الصلاة بل هذا النهي لا لهذا ولا لذاك بل توجه النهي من باب المقدّمة لتحقق الأمر بالإزالة لأجل أنّ يحافظ على تحقّق الإزالة ينهى عن الصلاة حتى يبقى المجال مفتوحاً للإزالة ، فالنهي إذن غيري يعني مقدّمي كمقدّمة لتحقق الازالة الواجبة وإلا نفس الصلاة لا مفسدة فيها وترك الصلاة لا مصلحة فيه بل الهدف كلّ الهدف من هذا النهي هو فسح المجال للإزالة ، فإذن النهي الغيري واضح.
وأمّا بالنسبة إلى الدعوى الثانية - وهي أنّ النهي الغيري لا يقتضي الفساد -:- فذلك باعتبار أنّ هذا النهي لم ينشأ عن مفسدة وكراهة ومبغوضية لنفس الصلاة حتى لا يمكن التقرّب بها ، بل إنما نشأ كما قلنا لفسح المجال للإزالة فهذا النهي لا يمنع من التقرّب بالصلاة ، إذ النهي موجود عن الصلاة ولكن رغم ذلك يمكن أن أأتي بالصلاة تقرّباً من جهة أنّ نفسها ليست مبغوضة للمولى حتى لا يمكن التقرّب بها بل هي قد نُهِي عنها لفسح المجال أمام الازالة ، فإذا لم تكن مبغوضة فيمكن التقرب بإتيانها.
والجواب:- نسلّم أنّ هذا النهي غيريّ لما ذكر ولكن نرفض أنّ النهي الغيري لا يمنع من صحّة الصلاة ، بل هو يمنع من صحّة الصلاة رغم أنه غيري وذلك لوجهين:-
الأوّل:- إنه قد ذكر في إثبات المطلب أنّ النهي الغيري حيث لم ينشأ عن مبغوضية لنفس الصلاة فيمكن للعبد أن يتقرّب بالصلاة فيأتي بها متقرّباً ، ونحن لا نسلّم هذا ونقول:- إنّ نفس النهي بما هو نهي وإن لم يكشف عن مبغوضية وحزازة وكراهة في المتعلّق لكن نفس النهي يمنع من التقرّب ، فالمولى إذا قال لي لا تفعل هذا الشيء فهل يمكن لي أن أأتي به متقرّباً به للمولى ؟! كلا ، فلو فعل العبد ذلك فالمولى يقول له كيف تتقرّب به إذا قلت لك لا تفعله ؟!! وإذا قال المولى:- صحيحٌ أنت قد قلت لي لا تفعله ولكن هذا النهي ليس عن مبغوضيةٍ لنفس الفعل فأنا أريد التقرّب به مادمت لا تبغضه فهنا هل يمكن المولى أن يردّه ؟ نعم يتمكّن المولى من ذلك فيقول له أنا أقول لك لا تأتِ به فمع نهيي كيف تريد أن تتقرب به لي رغم قولي هذا فإن هذا ليس منطقياً ؟!!
إذن نستنتج من هذا أنّ نفس النهي هو يمنع من التقرّب وإن لم يكشف عن مبغوضية.
الثاني:- أن يقال:- سلّمنا أنّ النهي بما هو نهي لا يمنع من التقرّب باعتبار أنّه لا يكشف عن مبغوضية ولكن نقول:- إنَّ مجرّد عدم النهي هل يكفي في صحّة العمل - العبادة - ؟ كلا فإنّ الصحة كما تحتاج إلى عدم النهي - عدم المبغوضية أو قل التقرّب - تحتاج إلى شيءٍ آخر وهو أن يكون هناك محبوبيّة حتى يمكن التقرّب بالفعل وإلا إذا لم تكن هناك محبوبية فيكف تتقرّب بالشيء الذي ليس محبوباً للمولى ، من قبيل أن يجد شخص الآن فلساً وأتى به لي تقرّباً فإنّ هذا الفلس لا ينفع إذ لا قيمة له ، أو جاء لي بورقةٍ فارغةٍ وأراد يتقرّب لي بها فهل يصير هذا تقرّباً وهل هذا شيئاً محبوباً ؟!! كلا إنّه لا يمكن التقرّب إلا بالمحبوب وهذا ليس بمحبوب.
فإذن نأتي ونقول:- صحيح أنَّ النهي لا يمنع من التقرّب بالصلاة ولكن مجرّد عدم النهي لا يكفي لوقوعها صحيحةً إلا أن تكون محبوبةً ، وكيف تثبت أنها محبوبة ؟ إنه لا طريق لإثبات ذلك إلا الأمر والأمر لا يمكن أن يكون متعلّقاً بهذه الصلاة مادام قد فرضنا أنه يوجد نهيٌ عنها ، فمع النهي لا أمر لأنّ الأمر والنهي لا يجتمعان في الصلاة ، وإذ لا أمر فلا يمكن التقرّب ، فإذن لا أمر ولا ملاك حتى يمكن التقرّب فتقع فاسدة.
إذن الفساد قضيّة حتميّة لابد منها حتى إذا قلنا بأنّ النهي الغيري لا يمنع من التقرّب ولكن رغم ذلك لا يمكن الحكم بالصحة لأنها تحتاج إلى وجود محبوبيّة - ملاك - ليمكن من خلاله التقرّب والكاشف عن الملاك هو الأمر ، والأمر لا يمكن وجوده مع فرض وجود النهي ، فلا يمكن الحكم بالصحّة.
إن قلت - كما قد قال بعض -:- إنَّ الصلاة محبوبة ، فكلّ صلاة هي محبوبة وإنما لم يؤمر بها لوجود النهي ، فوجود النهي منع من الأمر بها وليس عدم الأمر هو لعدم محبوبيتها ، فالصلاة صحيحٌ أنها لم يؤمر بها ولكن عدم الأمر بها هل هو لعدم محبوبيتها أو لوجود النهي ؟ إنه لوجود المانع - وهو النهي - وليس لعدم المقتضي - وهو المحبوبية - ، فهي محبوبة إذن ، وما دامت محبوبة فيمكن التقرّب بها آنذاك.
قلت:- إنّ عدم الأمر بالصلاة كما قد يكون لأجل وجود المانع - أعني النهي - مع بقاء المحبوبيّة يمكن أن يكون لزوال المحبوبيّة في هذه الحالة وفي هذه المساحة الضيّقة ، فالصلاة الآن ليست محبوبة مادامت مزاحمة بالإزالة ومادام منهياً عنها ، فهي ليست محبوبة ، فإنّ هذا شيء ممكن ، فأنت من أين تعرف وتجزم بأنّه لم يؤمر بها لأجل وجود النهي وليس لأجل عدم محبوبيتها بل هي باقية على المحبوبية فإنّ هذه دعوى تحتاج إلى إثبات ؟!
والنتيجة النهائية:- اتضح أنه مع وجود النهي وإن كان غيرياً يمكن الحكم بفساد الصلاة إمّا لأجل أنّ نفس النهي بما هو نهي غيريّ يمنع من التقرّب ، أو لأجل أنه لا محرز لوجود الملاك حتى يمكن التقرّب من خلاله.
إذن اتضح أنّ هذا الاشكال على الشق الأوّل من الثمرة باطل والثمرة من ناحيته صحيحة.
وأمّا الاشكال على الشق الثاني[1] :- - وهو أنه قيل إنه حتى إذا قلنا بأنّ الأمر بالإزالة لا يقتضي النهي عن الصلاة فنهيٌ عن الصلاة ليس موجوداً ، فسلّمنا أنّ النهي ليس موجوداً ولكن لا يلزم من ذلك وقوعها صحيحةً - فصاحب الثمرة قال تقع صحيحة أمّا المشكل فقال بل تقع فاسدة أيضاً رغم أنّ الأمر بالإزالة لا يقتضي النهي عن الصلاة ، ولماذا ؟ لأنّه مع الأمر بالإزالة لا يمكن الأمر بالصلاة لأنه يلزم الأمر بالضدّين وهو غير ممكن ، وحيث لا أمر بالصلاة فتقع فاسدة ، ففسادها لا بسبب النهي بل بسبب عدم الملاك ، فإنّ الكاشف عن الملاك هو الأمر والصحّة تحتاج إمّا إلى أمرٍ وإما إلى ملاك وحيث لا أمر فلا كاشف عن الملاك فلا مثبت للصحّة ، هذا إشكالٌ على الشقّ الثاني والمهم هو هذا ، ومن هنا انفتح باب الأمر الترتّبي.