الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/07/22

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- مبحث الضد.
والأجدر في مقام الاستدلال على نفي مقدّمية عدم أحد الضدّين لوجود الضدّ الآخر:- أن يتمسّك لذلك بأنّ المقتضي في الأفعال الاختيارية عادةً هو الارادة، وإذا كانت هناك إرادة شديدة لأحد الضدّين كالبياض مثلاً فسوف يكون إلى جنبها إرادة ثانية لعدم السواد، وعدم السواد يكون بسبب هذه  الارادة - أي إرادة عدم السواد -، فعدم السواد ناشئ لا من وجود البياض حتى يكون عدم البياض مقدّمة للسواد وإنما عدم السواد نشأ من إرادة عدم السواد، فوجِد البياض بسبب الارادة وعدم السواد بسبب إرادة عدم السواد، هكذا قل.
أو قل:- نفس إرادة البياض تعمل عملين فهي تؤثر في وجود البياض وتمنع من وجود السواد، فلم يوجد السواد بسبب وجود المانع والمانع ليس هو البياض وإنما هو إرادة البياض، فإرادة البياض تفعل فعلين فهي تؤثر في إيجاد البياض وتمنع من إيجاد السواد، فالتالي السواد لم يوجد لأجل إرادة البياض التي هي قويّة وليس لأجل وجود البياض، فدائماً عدم أحد الضدّين يكون ناشئاً من الإرادة القويّة لوجود الضدّ الآخر، إذن تلك الإرادة القويّة تؤثر أثرين هما إيجاد هذا الضدّ - البياض - وعدم الضدّ الآخر، فعدم السواد لا لوجود البياض حتى يكون وجود البياض مانعاً بل عدم السواد لأجل إرادة البياض، فإذن انتهينا إلى نفس ما أراده الشيخ النائيني(قده) لكن ليس بالطريقة التي سار عليها.
ثم نقول:- ولو تنزّلنا وافترضنا أنّ وجود الضدّ صالح لأن يكون مانعاً ولكن نقول إنَّ قوّة المقتضي للضدّ الآخر أيضاً صالحة لأن تكون مانعاً، فكلاهما صالح لذلك، ومادام الاثنان صالحين لذلك فسوف يستند عدم الضدّ إلى ما كانت رتبته أسبق، وحيث إنّ رتبة المقتضي أسبق فعلى هذا الأساس سوف يستند عدم الضدّ إلى المقتضي لا إلى وجود المانع.
وبهذا ننهي حديثنا عن هذه النقطة[1].
النقطة الثانية:- ثمرة البحث عن الاقتضاء.
المعروف في ثمرة البحث عن اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه الخاص - كما قرأنا في الكفاية وغيرها - أنها تظهر فيما لو كان لدينا واجب وكان لذلك الواجب ضدٌّ عباديٌّ مثل إزالة النجاسة من المسجد واجبة وأنا قادر على الإزالة وقد حلّ وقت الصلاة فهذه الإزالة لها ضدٌّ وهو الصلاة وهو ضدٌّ عباديٌّ لها، فحينئذٍ إذا قلنا أنَّ الأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الضدّ الخاص - يعني الصلاة - فسوف تقع الصلاة فاسدةً، وإذا لم نقل بذلك فسوف تقع صحيحةً إذ لا موجب لفسادها بعد عدم النهي عنها.
ويمكن أن تصاغ هذه الثمرة بصيغة أوسع وأدق وتكون هذه الثمرة من نتائج تلك الصيغة الأوسع وذلك بأن يقال:- إذا كان الأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الصلاة فسوف تصير معارضةً بين الأمر بالإزلة وبين الأمر بالصلاة إذ سوف يتولّد من الأمر بالإزالة نهيٌ عن الصلاة، وبالتالي سوف تصير معارضةً بين الأمر بالصلاة وبين النهي عن الصلاة - يعني الأمر بالصلاة يقف أمامه نهيٌ عن الصلاة – وصحيحٌ أنَّ المعارضة هي من زاويةٍ تكون بين الأمر بالصلاة والنهي عن الصلاة ولكن منشأ هذا النهي الذي صار سبباً للمعارضة والذي ولّده هو الأمر بالإزالة، فبالتالي سوف تصير معارضةً بين الأمر بالإزالة حيث ولّد النهي عن الصلاة وبين الأمر بالصلاة، وإنما صار الأمر بالإزالة هو طرف المعارضة باعتبار أنه هو الذي يولّد المعارِض فلذلك تنسب المعارضة إلية، فلابد أن يكون أحدهما موجوداً إمّا أمر ( أزل ) وبالتالي إذا كان موجوداً فالنهي عن الصلاة يكون موجوداً ولكن لا يوجد أمرٌ بالصلاة حينئذٍ فتقع الصلاة فاسدة، وإمّا أنّ يكون المقدّم هو الأمر بالصلاة وأما الأمر بالإزالة فيسقط، وإذا سقط فسوف يسقط ما في بطنه وهو النهي عن الصلاة فيبقى الأمر بالصلاة بلا معارض فتصحّ الصلاة بواسطته.
إذن بناءً على هذه الصياغة صارت الصحّة والفساد هي من نتائج التعارض، فلو قلنا بالتعارض وقدّمنا ( أزل ) وقعت الصلاة فاسدةً، أما لو قلنا أن أمر ( أزل ) لا يقتضي النهي عن الصلاة فسوف تصير مزاحمة ولا يصير تعارض لأنّ كلّ حكمٍ ثابت لموضوعه الخاص لكنهما إذا اجتمعا وبنينا على إمكان فكرة الترتّب فسوف يصير الأمر بالصلاة مقيّداً بعصيان الأمر بالإزالة فتصح الصلاة بواسطته.
إذن الصحّة وليدة أحد شيئين، فتثبت الصحّة فيما إذا قلنا بالتزاحم - يعني الأمر بالإزالة لا يقتضي النهي عن الصلاة، وتوجد إضافة ثانية وهي ( وإمكان الترتب ) فسوف يصير الأمر بالصلاة موجوداً لكنه مقيّدٌ بعصيان الأمر بالإزالة فتصحّ الصلاة في هذه الحالة، وأيضاً تصحّ الصلاة في حالة ثانية وهي فيما إذا بنينا على التعارض - يعني الامر بالإزالة يولّد نهياً عن الصلاة - وقدّمنا الأمر بالصلاة فهنا تقع الصلاة صحيحة أيضاً، وتقع فاسدةً إذا بنينا على التعارض مع تقديم جانب الأمر بالإزالة فهنا يقع الفساد، أو بنينا على التزاحم ولم نقل بإمكان فكرة الترتّب فأيضاً تصير معارضة فلو قدّمنا ( أزل ) فسوف تقع الصلاة فاسدة.
والخلاصة:- إنه قد تصاغ الثمرة بصياغة أولى - والصياغة القديمة الموجودة في الكفاية وغيرها هي الصياغة الأولى -، وهذه صياغة ثانية أدق وأوسع من الأولى ومن ثمراتها صحّة الصلاة وفسادها، وإلا ففي هذه الثمرة بيّنا تحقق التعارض والتزاحم، فبناءً على الاقتضاء يصير تعارضٌ بين أمر أزل وبين أمر الصلاة ومن نتائج التعارض فساد  الصلاة إذا قدّمنا جانب أزل، وأما إذا لم نبنِ على التعارض - يعني على أنّ الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه - يصير تزاحم فالثمرة هي التزاحم ومن نتائج التزاحم هو صحة الصلاة لو قلنا بإمكان الترتّب.
وعلى أيّ حال قد يشكل على هذه الثمرة على شقها الأوّل ويشكل عليها بلحاظ شقها الثاني:-
أما الشق الأوّل حيث قلنا إذا بنينا على الاقتضاء وأنّ الأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الصلاة فقلنا تقع فاسدة فقد يشكل ويقال:- كلا لا تقع فاسدة، أما كيف ؟ سوف نبين ذلك فيما بعد.
ويشكل على الشق الثاني - يعني إذا بنينا على عدم الاقتضاء فقلنا تقع الصلاة صحيحة - فقد يقال:- بل تقع فاسدة.


[1]  فنحن في بداية دخولنا في مبحث الضد قلنا نتكلم في نقاط ثلاث الاولى إن عدم الضدّ هل هو مقدمة لوجود الضد  الاخر أو لا ؟ والثانية ثمرة البحث، والثالثة فكرة الترتب، وقد انتهينا الآن من النقطة الأولى.