الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/07/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الضد.

والمهم هو مناقشة المقدمة الثانية وفي هذا المجال نقول:- نحن لا نسلّم بقاعدة ( أنّ المتلازمين في عالم الوجود يلزم أن يتفقا في الحكم ) ، فإذا كانت الازالة واجبة كان عدم الصلاة واجباً ، ، نعم لا يجوز أن يختلفا ، يعني بأن يحكم على الازالة بالوجوب ويحكم على عدم الصلاة بالحرمة مثلاً أو بالكراهة فإنه هذا اختلافٌ في الحكم وهو لا يجوز ، لأنه لا يمكن آنذاك امتثالهما مع الاختلاف في الحكم ، فالاختلاف ليس بجائزٍ ولكن في نفس الوقت الاتفاق في الحكم ليس بلازم.

ولكن كيف نتصوّر أنّ الاختلاف ليس بجائز ولكن الاتفاق ليس بلازم فإنه قد يقول قائل إنّ هذا تنافٍ ؟!

والجواب:- كلا إن هذا ليس بتنافٍ ، وذلك لوجود شقٍّ ثالثٍ وهو أنّ لا يكون ذلك الملازم محكوماً بحكمٍ ، فالإزالة محكومة بالوجوب وعدم الصلاة ليس محكوماً بالوجوب حتى يلزم الاتفاق وليس محكوماً بالحرمة حتى يلزم الاختلاف الباطل بل لا يكون محكوماً بحكمٍ ، فإذن هناك شقٌّ ثالثٌ وهو أنّ يكون الملازم خالياً عن الحكم ، وإذا كان خالياً عن الحكم فسوف يبطل هذا الدليل ، لأنه هذ الدليل مبنيٌّ على أنّ عدم الصلاة هو واجبٌ حتى إذا وجب يحرم الضدّ العام وهو الصلاة ، أما إذا قلنا يمكن أن يكون خالياً من الحكم فإذن ليس هو بواجب حتى يحرم ضدّه العام - أعني نفس الصلاة -.

إن قلت:- هذا يتنافى مع قاعدة ( ما من واقعة وإلا ولها حكم ) ، فإذا كان عدم الصلاة خالياً من الحكم كان هذا مخالفاً للقاعدة المذكورة ؟

قلت:- لو تمّت هذه القاعدة وسلّمنا بثبوتها ولو لجهة الضرورة بأنّ يقال إنّ الله عزّ وجلّ لا يحتمل أنَّ واقعةً لا يثبت لها حكماً لأنّ ذلك ناتجٌ إما عن جهله بالواقعة أو لعدم معرفته بالحكم وكيف يحكم فيه وكلاهما يجلّ عنه ، فإذا سلّمنا بهذه القاعدة فنقول إنَّ المقصود من هذه القاعدة هو أنّه من حيث هو هو لا تخلو الواقعة من حكمٍ ، أما من حيث كونها ملازمة لشيءٍ أخر فيلزم أن تكون مشتملة على حكمٍ فهذا أوّل الكلام ، ففي مقامنا نقول سلمنا إنّ الصلاة بما هي صلاة محكومة بالوجوب وعدمها بما هو عدم لنفترض أنه محكوم بالحرمة ، أمّا من حيث كون هذا العدم - أي عدم الصلاة -يلازم فعل الازالة - الذي هو واجب - أيضاً يلزم أن يكون هناك حكم شرعي من زاوية الملازمة وبلحاظ الملازمة فهذا لا دليل عليه ، نعم من زاوية الصلاة بما هي صلاة ومن زاوية عدم الصلاة بما هو عدم صلاة يوجد حكمٌ حتماً ، أما من زاوية أنّ هذا عدم الصلاة من زاوية أنه يلازم فعل الازالة يلزم أن يثبت له حكم فلا يلزم أن يثبت له حكم من هذه الزاوية ، بل يمكن أن يكون خالياً من الحكم ، وكلامنا هو من هذه الزاوية يعني نقول بما أنّ الازالة واجبة فما يلازمها يلزم أن يكون واجباً وهو عدم الصلاة ، ونحن نقول كلا بل يمكن أن لا يكون واجباً لخلوّ الواقعة من زاوية الملازمة عن الحكم ، وهذه نكتة ظريفة يجدر الالتفات إليها.

بل نقيم وجهين لإثبات الخلوّ من الحكم وأنه لا يوجد حكمٌ من زاوية الملازمة:-

الأوّل:- لو كان يلزم وجود حكم لزم تعدّد العقوبة لمن خالف حكماً واحداً ، فمثلاً شرب الخمر حرام ويلازمه وضع الكأس داخل الفم فإنَّ هذا ملازم ويلزم أن يكون حراماً ، وأيضاً يلزم أن يصول الخمر إلى الفم ووصوله إلى الفم هو من الملازمات للشرب المحرّم فيلزم أن يكون محرّماً ، وفتح الفم أيضاً ملازم للشرب فيلزم أن يكون حراماً .... وهكذا ، فعلى هذا الأساس يلزم أن يعاقب شارب الخمر بعشر عقوبات مثلاً وإذا كانت الملازمات عشرين فيلزم أن يعاقب عشرين عقوبة ولا احتمال لتعدّد العقوبات ، وهكذا في استقبال القبلة حال التخلي فإنه حرام فهو يلازمه أن هذا الطرف عن يمينك وذاك الطرف على شمالك وذلك الطرف عن خلفك والرِجل لابدَّ وأن تكون مستقرةً على الأرض ... وهكذا ، فهل يحتمل أنه يستحق عشر عقوبات مثلاً ؟! إنّ هذا غير محتمل ، وهذا منبهٌ ظريف على إثبات أنَّ الاتحاد في الحكم ليس موجوداً من زاوية الملازمة الخارجية.

الوجه الثاني:- إنّ إثبات الحكم للملازم لغوٌ ، فإنَّ الأمر بالإزالة التي هي واجبة هو يقرّب نحو الازالة وبنفس تقريبه نحو الازالة يقرّب أيضاً نحو الملازمات - يعني يقرّب نحو عدم الصلاة - ، وبتعبيرٍ آخر هو يبعّد عن الصلاة ، فيكون جعل وجوبٍ لعدم الصلاة بحيث يكون محرّكاً نحو عدم الصلاة لا داعي إليه؛ إذ التحريك حصل بالأمر نحو الصلاة فهذا الأمر حرّك نحو الصلاة وفي نفس الوقت حرّك نحو الملازم - يعني نحو عدم الصلاة - ، فهذا الأمر الجديد يكون محدثاً لتحريكٍ جديدٍ لا داعي إليه ، إلا أن يكون مؤكّداً ، أما أنه يكون كحكمٍ مستقلٍّ - والمفروض نحن نريد أن نثبت حكماً مستقلاً وليس حكماً مؤكداً لما سبق فإنّ التأكيد ليس بلازم - فلا يمكن ثبوته إذ المحرّكية حصلت نحو الملازم بنفس الأمر السابق لذلك الملازم الأوّل ، فإذا حصل تحريكٌ نحو الازالة فقد حصل تحريك أيضاً نحو عدم الصلاة ، فجعل الأمر المستقل الجديد شيء لا داعي إليه.

من هذا اتضح أنَّ مسلك التلازم قابل للمناقشة ، والمهم في المناقشة هو مناقشة المقدّمة الثانية.