الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/07/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الضد.

الضدّ الخاص:- المعروف بين الأصوليين سلوك طريقين لإثبات أنّ الأمر بشيءٍ يقتضي النهي عن ضدّه الخاص - فالأمر بالإزالة يقتضي النهي عن الصلاة - ، يسمى الأوّل بمسلك التلازم ، والثاني بمسلك المقدّمية:-

مسلك التلازم:- والمقصود أنّ الأمر بشيءٍ يدلّ بالملازمة على النهي عن الضدّ الخاص ، ببيان:- أنّ وجود كلّ شيءٍ يلازم عدم ضدّه الخاص ، فوجود الازالة يلازم عدم أيّ ضدٍّ خاص للإزالة - وضدّها الخاص هو الصلاة والنوم والأكل ..... الخ - ، فوجود الازالة يستلزم عدم كلّ واحدٍ من الأضداد الوجودية ، والمتلازمان لا يختلفان في الحكم بل يلزم اتفاقهما ، يعني مادام وجود الإزالة يلازم عدم الصلاة فحكم عدم الصلاة مع الإزالة يصير واحداً والإزالة حكمها الوجوب فعدم الصلاة يصير حكمه هو الوجوب أيضاً ، وإذا وجب عدم الصلاة - أي عدم الضدّ - حرم وجود الصلاة - أي نفس الضدّ - من باب أنّ وجوب كلّ شيءٍ يقتضي النهي عن ضدّه العام ، فترك الصلاة إذا كان واجباً - لأنه ملازمٌ لوجود الازالة - فالضدّ العام لترك الصلاة وهو نفس الصلاة فإن الصلاة نقيضٌ لعدم الصلاة وعدم الصلاة نقيض للصلاة ، فإذا وجب عدم الصلاة حرم الضدّ العام - أعني النقيض وهو نفس الصلاة - وبذلك ثبت المطلوب أعني حرمة الضدّ الخاص.

ويمكن أن نبيّن هذا المطلب ضمن مقدّمات ثلاث كي يكون أوضح:-

المقدّمة الأولى:- وجود الإزالة يلازم عدم الضدّ الخاص - أعني الصلاة -.

المقدّمة الثانية:- المتلازمان في الوجود يلزم اتفاقهما في الحكم ، فالإزالة إذا كانت واجبة الملازم - وهو عدم الصلاة - يصير واجباً.

المقدّمة الثالثة:- إذا كان عدم الصلاة واجباً فالنقيض - وهو الصلاة - يصير واجباً ، وهو المطلوب إثباته.

ونفس هذا المطلب سوف نذكر له صياغة ثانية تتفق معه من حيث الروح وتختلف من حيث الألفاظ وذلك بأن نقول:- إذا وجبت الإزالة حرم تركها من باب الأمر بالشيء يقتضي النهي عن الضدّ العام ، وترك الازالة ملازم لفعل الصلاة ، والمتلازمان ينبغي أن يتفقا في الحكم ، وحيث إن ترك الازالة حرامٌ فقد ثبت بذلك حرمة الملازم - وهو الصلاة - ، وهو المطلوب.

والفارق بين هذا البيان وبين السابق:- هو أنّه في البيان السابق المقدّمة الأولى التي أخذناها فيه كنّا نقول وجود الازالة يلازم عدم الضدّ الخاص ، أمّا هنا فنقول إنَّ وجوب الازالة يقتضي حرمة الضد العام - يعني الترك -.

ونحن حينما نناقش فنظرنا موجه إلى الصيغة الأولى ويكون هو جواباً على الصيغة الثانية ، فلنأخذ الصيغة الأولى ونناقشها:-

عرفنا أنّ الصيغة الأولى مركبة من مقدّمات ثلاث.

أما المقدّمة الثالثة:- فهي قد تقدم الحديث عنها ونفترض أنّ ذلك شيء مسلّم وإن كنا رفضناه وناقشنا وقلنا إنه لم يثبت أن النهي عن شيءٍ يقتضي النهي عن الضدّ العام وقد بيننا محذورين فيما سبق ولا نكرر ، ، ولكن الآن لنفترض أنّ هذه المقدمة مسلّمة.

وأما المقدمة الأولى فقد ناقشها الشيخ النائيني(قده)[1] قائلاً:- هذا يتمّ في الضدّين اللذين لا ثالث لهما كما في الحركة والسكون ، فوجود الحركة يلازم عدم السكون ، وأما في الضدّين اللذين لهما ثالث فوجود أحد الضدّين لا يقتضي عدم الضدّ الثاني لاحتمال وجود الضدّ الثالث.

وما أفاده(قده) مقبول بادئ ذي بدء ، وحيث إنه في المقام نقول إنّ الضدين لهما ثالث حيث إنّ الازالة يوجد لها ضدّ وهو الصلاة ويوجد لها ضدّ آخر وهو الأكل والنوم والشرب والدرس فوجود الازالة لا يقتضي عدم الصلاة لأنه يوجد ضدّ آخر.

وهل مناقشته في هذه المقدّمة تامّة أو لا ؟

والجواب:- إنَّ ما ذكره يتم من جانب العدم ولا يتم من جانب الوجود ، وحيث إنّ كلامنا في جانب الوجود فلا يتم ما ذكره ، فإنه في جانب العدم يتمّ ما ذكره ، يعني عدم الازالة لا يلازم وجود الصلاة لاحتمال أنّ هذا المكلف لا يشتغل بالإزالة ولا بالصلاة وإنما ينام أو يأكل فما أفاده في جانب العدم يكون وجيهاً ، وأما في جانب الوجود فلا ، يعني إذا وجدت الازالة وجزماً لا صلاة ، فوجود الازالة يلازم عدم الصلاة سواء فرض وجود ضدٍّ ثالثٍ أو لا وهذا من المطالب البديهية.

إذن ما أفاده يتم في جانب العدم دون جانب الوجود ، وكلامنا هو في جانب الوجود لأننا نقول إنَّ وجود الازالة يلازم عدم الصلاة ، ولم نقل عدم الازالة يلازم وجود الصلاة ، وهذه قضية واضحة فإنه حينما يشتغل بالإزالة والازالة تكون موجودة فالصلاة لا يتمكن من الاتيان بها ، فإذن اتضح أنّ المقدّمة الأولى تامّة لا كما ذكر الشيخ النائيني(قده).

إذن المقدّمة الثالثة ترتبط بالمبنى ، والمقدمة الأولى تامّة خلافاً للشيخ النائيني(قده) ، والمهم إذن المناقشة في المقدّمة الثانية - يعني أن المتلازمين لا يختلفان في الحكم بل يلزم أن يتفقا فيه - فهذه قابلة للمناقشة ، وذلك لبيانين:-

 


[1] أجود التقريرات، الخوئي، ج1، ص252.