الموضوع:- المقدمات المفوّتة - الواجب
المعلق والواجب المنجّز- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.
والأجدر في ردّ الاستصحاب أن
يقال:- إن الروايات التي قرأنا بعضها سابقاً دلت على وجوب التعلّم وأن من لم يتعلّم
لا يكون معذوراً، ومع وجود الدليل الاجتهادي على وجوب التعلّم - أعني الروايات
والآيات - لا تصل النوبة إلى الدليل الفقاهتي؛ إذ لو كان الاستصحاب حجّة ونأخذ به فسوف
لا يبقى مورداً لهذه الروايات، أو إذا بقي لها مورد فهو قليل.
إذن
هذا هو الجواب الصحيح عن الاستصحاب، وبهذا ننهي حديثنا عن الجاهل البالغ وقد ثبت
أنّه يجب عليه التعلّم والمستند في وجوب التعلّم مضافاً إلى حكم العقل هو النصوص.
حكم غير البالغ:-والصبي
غير البالغ توجد مشكلة بلحاظه وحاصلها أنّ الشخص قد لا يتمكن من التعلّم بعد بلوغه، كما إذا فرضنا أنه يبلغ قبل غروب الشمس بربع ساعة - أي بقي لوقت صلاة الظهرين
ربع ساعة - فهل تجب عليه الصلاة وهو لا يعرفها بحيث لو أراد أن يتعلّم لاحتاج إلى
وقتٍ أكثر من ربع ساعة جزماً، أو نقول يجب عليه أن يتعلّم قبل أن يبلغ إذ لو لم
يتعلّم لزم فوات الواجب عليه - أعني الصلاة -، وهل تلتزم بهذا ؟! إنّ الالتزام به
صعبٌ لأنه غير بالغ وغير البالغ لا وجوب في حقّه فكيف تلتزم عليه بوجوب التعلّم ؟!
وهذه مشكلة واجهت الأعلام فما هو المناسب؟
وأجاب الشيخ النائيني(قده)[1]بما محصلّه:- إنه
لا محذور في لزوم التعلّم قبل البلوغ، باعتبار أنّ ملاك الصلاة إذا فرض أنه لا تتوقف
فعليته وتأثيره على حصول القدرة بعد البلوغ بل يكفي في فعليته وتأثيره حصول القدرة
ولو قبل البلوغ ففي مثل هذه الحالة لا مانع من أن نلتزم بوجوب التعلّم عليه قبل
البلوغ، لأنّ الملاك لا تتوقّف فعليته على أن تثبت القدرة بعد البلوغ بل يكفي
ثبوت القدرة وإمكان التعلّم قبل البلوغ فيجب عليه حينئذ أن يتعلّم قبل البلوغ ولا
مانع من ذلك.
وبقى شيء لم يشر إليه ونحن نشير إليه وحاصله:- إنّ
الذي ذكره الشيخ النائيني(قده) هو مجرد طرح احتمال وفرضيّة، يعني هو قال لو فرضنا
أنّ الملاك - فعلية ملاك وجوب الصلاة - لا تتوقف فعليته على القدرة بعد البلوغ بل
تكفي القدرة ولو بعد البلوغ، ولكن كيف نثبت هذه الفرضية ؟ فإن ثبتت ارتفع الاشكال
فنقول يجب عليه التعلّم قبل البلوغ باعتبار أنّ الملاك لا تتوقّف فعليته على
القدرة بعد البلوغ بل تكفي القدرة ولو قبل البلوغ، ولكن هذا مجرّد افتراض لا مثبت
له فكيف يمكن إثبات هذه الفرضية ؟
يمكن أن نجيب بالنيابة عنه ونقول:- إنه
حيث انعقدت الضرورة أو الإجماع - ما شئت فعبّر - بأنه بمجرد البلوغ تجب الصلاة
فهذا يكشف عن صحّة الفرضية التي أشرنا إليها، يعني مادام يجب عليه الصلاة بمجرّد
البلوغ من هنا نستكشف أنّ الملاك لوجوب الصلاة سنخ ملاكٍ لا يتوقف على ثبوت القدرة
بعد البلوغ بل يكفي القدرة الناشئة ولو قبل البلوغ من خلال التعلّم، فنفس هذا
التسالم والإجماع هو الدليل على صحّة هذه الفرضية، فإذن لا إشكال.
وأشكل السيد الخوئي(قده)[2]وقال:-
إنّ ما أفاده الشيخ النائيني(قده) - من أنّ الملاك إذا كان فعلياً بعد البلوغ ولا
تتوقف فعليته على ثبوت القدرة بعد البلوغ بل تكفي القدرة ولو قبل البلوغ - هو حكم
عقلي
[3]، وهو حكم عقلي تعليقي أي هو معلّق على أن لا يحكم الشارع بعدم لزوم التعلّم، أمّا
إذا حكم بعدم بلزوم التعلّم فسوف يرفع العقل يده عن حكمه.
وهنا
نقول:- إنَّ الشرع تنازل عن حقّه وقال لا يجب التعلّم باعتبار حديث الرفع
[4]
فإنه قال رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم، يعني أنّ الصبي لا يشمله أيّ تشريعٍ إلهي
ومن ذلك وجوب التعلّم قبل البلوغ، فالتعلّم قبل البلوغ مرفوعٌ بمقتضى اطلاق حديث
الرفع، وإذا حكم الشرع بعدم لزوم التعلّم فسوف يرفع العقل يده عن حكمه بلزوم
التعلّم.
[3] يعني
أنّ العقل يحكم بأن تحصل القدرة قبل البلوغ مادام الملاك لا تتوقف فعليته على ثبوت
القدرة بعد البلوغ بل يكفي القدرة قبل البلوغ.
[4] فائدة:- كنا نسمع أن حديث رفع القلم هو من الأحاديث المسلّمة،
ولكن حينما تلاحظ سنده فتحصيل سند صحيح له بحيث تركن إليه النفس شيء صعب، وقد
أشرت إلى ذلك في كتاب دروس تمهيدية في الفقه الاستدلالي في مبحث التكليف، وأشرت
هناك بأنه كيف يمكن أن نستدل على اعتباره، ولكن أقول:- إنّ هذا الحديث لابد من
التسليم باعتباره لأجل أنه هل يوجد احتمال أن شخصاً هو مكلف قبل البلوغ ؟!! أو أنه
بعد أن يبلغ لا يكون مكلفاً ؟!! إن هذا لا يمكن، فهذا المضمون من المضامين
المسلّمة التي لا تحتاج إلى سندٍ صحيح حيث توجد ضرورة وتسالم فقهي على ذلك، وهذا
من الموارد التي تكون فيها النتيجة مسلّمة قبل أن نفحص عن الدليل، فهذا الحديث
لابد من نسلّمه من دون تأمل.