الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- المقدمات المفوّتة - الواجب المعلق والواجب المنجّز- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.

الجواب الثاني:- ما ذكره صاحب الكفاية(قده)[1] ، وذلك بالالتزام بفكرة الواجب المشروط حيث قال:- لنلتزم بأنّ الوجوب - كوجوب شهر رمضان - ثابتٌ من الآن كما قال الشيخ الأنصاري(قده) ولكن نحن نقول إنَّ هذا الوجوب مشروطٌ بشرطٍ متأخر ، فيجب عليك من الآن صوم شهر رمضان إن كنت حياً في شهر رمضان وقادراً وصحيحاً ، فالوجوب مشروط بنحو الشرط المتأخر بهذه الأمور ، فلو فرض أنّ هذه الشروط سوف تتحقّق في علم الله فمن الآن يوجد في حقّك وجوب ، فالوجوب ثابتٌ من الآن ولكن بنحوٍ مشروطٍ بالشرط المتأخر فإذا كان متحققاً في علم الله يكون الوجوب ثابتاً في حقك من الآن.

وهذا غير فكرة الواجب المعلّق وإن كانت النتيجة واحدة ، والفارق هو أنّ الواجب المعلّق يفترض فيه أنّ الوجوب ليس مشروطاً لأنّه(قده) عدَّ الواجب المعلّق من قسم الواجب المطلق دون المشروط ، بينما صاحب الكفاية(قده) أدخل هذا الوجوب في قسم الواجب المشروط بالشرط المتأخر ، وعلى هذا الأساس وإن كانت الروح متقاربة ولكن الطريق إليها مختلف ، فصاحب الفصول(قده) التزم بهذه الروح بعد إدخال المورد تحت الواجب المطلق ، بينما صاحب الكفاية(قده) وصل إليها بعد الاستعانة بفكرة الواجب المشروط بالشرط المتأخر ، وكلاهما يحلّ الاشكال ، فنقول يحتمل أن يكون الوجوب مشروطاً بشرطٍ متأخّرٍ فإذا كان محتملاً فالوجوب يكون ثابتاً من الآن وإذا ثبت الوجوب من الآن فالغسل حينئذٍ يكون واجباً قبل الفجر على طبق القاعدة.

الجواب الثالث:- ما يظهر من بعض كلمات الأعلام ، وهو أنه لنلتزم - أو لنحتمل - أن الغسل قبل الفجر هو واجب نفسي لكنه واجبٌ نفسيٌّ تهيؤي - أي ليتهيأ به المكلف للواجب النفسي الأصيل وهو الصوم من حين الفجر - فالغسل قبل الفجر واجبٌ نفسيٌّ وليس غيرياً غايته أنه تهيؤي - أي ليتهيأ به المكلف إلى ذلك الواجب النفسي الأصيل الذي يبتدئ من طلوع الفجر - ، ولنصطلح عليه بـ( الواجب للغير ) وليس ( الواجب بالغير ) ، يعني أنَّ الغسل واجبٌ للغير يعني لمصلحة الصوم بعد الفجر لأنّ الصوم بعد الفجر يحتاج إلى غسلٍ فهو وجب للغير أي لأجل الغير وفائدة الغير ولمصلحة الغير ، وليس واجباً بالغير - أي بسبب غيره - بحيث يكون مترشحاً من ذاك ومعلولاً له فإنّ الوجوب الغيري واجبٌ بالغير أي بسبب الواجب النفسي ، أما هذا فهو واجبٌ نفسيٌّ لأجل الواجب النفسي الآخر.

ولعلّ بعض كلمات الشيخ النائيني(قده) وغيره تعطي هذا المعنى.

وهذا شيءٌ محتملٌ ، نعم سمعنا سابقاًً أنّ الوضوء أو الغسل هو واجبٌ غيريٌّ ولكن لا توجد آية أو رواية تدلّ على أنه واجب غيري ، فتعال من هذا اليوم لنحتمل أنه واجب نفسي وليس غيري إمّا في خصوص شهر رمضان أو في كلّ الموارد ، ويكفينا أن نقول بذلك في شهر رمضان ، ففي شهر رمضان لنقل هو واجبٌ نفسيٌّ تهيؤي ، وهذا احتمالٌ وجيهٌ وممكنٌ ، مادام يحتمل كفانا الاحتمال في دفع الاستحالة الثبوتية.

الجواب الرابع:- ما ذهب إليه الشيخ العراقي(قده)[2] وحاصله أن نقول:- إنّ مرجع الحكم في الحقيقة - يعني الوجوب - إلى الارادة كما قلنا وليس إلى الاعتبار ، فالوجوب حقيقته إرادة نفسية ، وشرط الارادة ليس هو الوجود الخارجي للشرط وإنما الوجود اللحاظي ، فالاستطاعة بوجودها الخارجي ليست شرطاً للحج وإنما هي شرط بوجودها اللحاظي ، نعم الوجود الخارجي موجبٌ للفاعلية والمحرّكية وإلا فالفعلية فهي ثابتة من البداية فإنّ الارادة موجودة من البداية واللحاظ موجود من البداية ، وحيث إنّ اللحاظ فعليّ دائماً فتكون الإرادة فعلية دائماً ، وإذا كانت الارادة فعلية دائماً فهذا معناه أنّ الوجوب يكون فعلياً دائماً ، وإذا كان الوجوب فعلياً فحينئذٍ يكون وجوب المقدّمة قبل الوقت - أي قبل طلوع الفجر - على مقتضى القاعدة لأن فعلية الوجوب ثابتة من الآن - أي قبل الفجر أو قبل شهر رمضان أو من الآن - ، وعلى هذا الأساس لا إشكال.

ونحن أشكلنا فيما سبق على هذا وقلنا:-

أوّلاً:- إنا نرفض كون الحكم هو إرادة ، فإنّ الحكم هو عبارة عن اعتبار وليس إرادة والوجدان شاهد على ذلك ، فمجلس النواب حينما يشرّع القوانين فكلّ تشريعاته واقعاً هي اعتبار ، فيقول ( على من يريد دخول البلاد مثلاً فعلية أن يأخذ التأشيرة ) و ( على من بلغ السنّ الكذائي عليه خدمة الوطن ) وكلّ هذه اعتبارات ، وكذلك قلنا أنّ الآيات الكريمة هي من هذا القبيل كقوله تعالى:- ﴿ ولله على الناس حج البيت ﴾ فإن هذا اعتبار ، فلا نسلّم أنّ الحكم هو مجرّد إرادة.

ثانياً:- لو سلّمنا أنّ الحكم هو إرادة فشرط الارادة وإن كان هو اللحاظ ونتفق معه على أنّ الشرط هو اللحاظ - لأنّ ارادة أمر نفسي وشرط الأمر النفسي لابد وأن يكون نفسياً ولا يمكن أن يكون خارجياً إذ لو كان خارجياً يلزم إمّا دخول ما في الخارج في عالم النفس أو أنَّ عالم النفس يخرج إلى الخارج ، فشرطها لابد وأن يكون هو اللحاظ - ولكن نختلف معه في أنّ شرط الارادة ليس هو اللحاظ بما هو لحاظ وإنما هو اللحاظ بما هو عين الخارج ويرى به عين الخارج ، فطلوع الفجر مثلاً أو مجيء شهر رمضان سلّمنا أنّ لحاظه هو الشرط ولكن هل لحاظ شهر رمضان بحيث أرى باللحاظ أنّ شهر رمضان قد حصل أو أنّ الشرط هو اللحاظ بما هو لحاظ ؟ ونحن قلنا إنَّ الشرط هو اللحاظ بما أنه يرى به الخارج وبما هو عين الخارج ، وحيث إنّ الخارج لم يتحقق الآن فالشرط لا يكون متحققاً إذن ، وبالتالي لا تكون الإرادة فعلية.

وقد تسال وتقول:- كيف اللحاظ يرى به الخارج ؟

قلت:- إنّ الله عزّ وجلّ أعطى قدرةً للإنسان بأن يرى بلحاظه وتصوراته الخارج ، ولذلك قلنا إنه حينما يقرأ الخطيب الحسيني فسوف نبكي ، ولماذا نبكي فهل نرى الواقع أمامنا ؟ نعم ، فإنه يجعل لك بألفاظه تصوراتٍ ترى بها الخارج وكأن واقعة كربلاء قد حدثت الآن ، كما لعل بعضنا يجلس وحده ويستذكر أيام الفرح فيفرح ويتذكر أيام الحزن فيتألم ، فهذا اللحاظ نرى به الخارج.

ثالثاً:- نقوله له إنا وافقناك وتنزّلنا عن الاشكال الأول والثاني ولكن نقول إنّ النافع في المقام ليس هو الوجوب الفعلي بلا فاعلية وإنما النافع لحلّ مشكلة المقدّمات المفوّتة هو ثبوت وجوبٍ له فعلية وفاعلية ، أمّا أنه له فعلية من دون فاعلية فلا ينفع شيئاً لأنه لا يحرّك نحو الغسل قبل طلوع الفجر ، والذي يحرك نحوه هو الوجوب الفاعلي لا الوجوب الفعلي من دون الفاعلية ، فإذن هذا الجواب لا ينفعك.


[1] كفاية الاصول، الآخوند الخراساني، ص104، ط مؤسسة آل البيت.
[2] بدائع الافكار، الرشتي، ص366، في التنبيه الثاني.