الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
37/05/28
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- الواجب المعلق والواجب المنجّز- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.
وفيه:- إنه(قده) استند إلى مقدمة وهي أن كل قيد إما أن يؤخذ قيداً في الواجب وذلك إذا كان اختيارياً أو في الوجوب إذا كان غير اختياري ، فإذا سلّمنا هذه المقدمة يثبت ما أراده(قده) فيقال إن طلوع الفجر حيث إنه غير اختياري فسوف يؤخذ قيداً في الوجوب ، فيصير المعنى هكذا:- ( إن فرض طلوع الفجر فيما بعد يجب من الآن - أي من حين رؤية الهلال - الصوم من الفجر ) ، فصار قيد ( إن فرض طلوع الفجر ) الذي هو قيد غير اختياري قيداً للوجوب ، فإذا سلّمنا بأنّ القيد إما اختياري وإما غير اختياري والاختياري يكون قيداً للواجب وغير الاختياري يكون قيداً للوجوب فالأمر كما أفاد السيد الخوئي(قده) فسوف يصير الوجوب مشروطاً بشرط متأخر.
ولكن نقول:- إنّ بعض القيود لا يلزم أخذها قيوداً لا في الواجب ولا في الوجوب ، وذلك فيما إذا كانت مفروضة الحصول وجزمية الحصول ، فالقيد الجزمي الحصول لا يؤخذ قيداً لا في الواجب ولا في الوجوب وإنما يؤخذ التقيّد من دون القيد ، فمثلاً حينما يقال ( صلّ تحت السماء ) فالسماء هي قيد ولكنها ليست مأخوذةً بنحو فرض الوجود - يعني ( إن فرض تحقّق السماء ) فإن هذا لا معنى له لأنّ السماء متحققة فهي حتمية موجودة فماذا تؤخذ قيداً في الواجب أو في الوجوب ؟! إنّه لا نحتاج أن تؤخذ قيداً بنحو فرض الوجود في الواجب أو في الوجوب.
فنحن نسلّم للسيد الخوئي(قده) أنّ القيود غير الاختيارية يلزم أخذها مفروضة الوجود في القيود التي هي ليست حتمية التحقق وليست مضمونة التحقق مثل ( إن طرأ مخوف سماوي فيجب عليك صلاة الآيات ) فالمخوف السماوي غير اختياري وغير مضمون الوجود فهو قد يتحقق وقد لا يتحقق فمثل هذا يلزم أخذه قيداً في الوجوب ، أمّا إذا كان القيد حتمي الحصول والتحقق فلا داعي لأخذه ، ومن جملة ذلك طلوع الفجر فإنه حتمي الحصول ، فإذا كان حتمي الحصول فلا يلزم أخذه قيداً مفروض الوجود ، يعني ليس التقدير هكذا:- ( إن فرض تحقق الفجر فيما بعد فيجب من الآن - أي من حين رؤية الهلال - الصوم ) ، كلا فإن هذا لا يؤخذ قيداً حتى بنحو فرض الوجود لأنّه حتمي الحصول ، فإذا لم يؤخذ قيداً فسوف يبقى الوجوب من ناحية الفجر مطلقاً ، فتمّ ما أراده صاحب الفصول(قده) من أنّ المعلّق فرد من المطلق وليس فرداً من المشروط.
إن قلت:- صحيح أنّ الفجر يتحقق ولكن من قال أني سوف أبقى حيّاً إلى طلوع الفجر ؟! فإذن لابد وأن تؤخذ الحياة إلى الفجر بنحو فرض الوجود ، ولعلّ هذا هو مقصود السيد الخوئي(قده).
وإذا كان هذا هو مقصوده فهو شيء صحيح ويصير التقدير هكذا:- ( إن بقيت حيّاً إلى طلوع الفجر فيجب عليك من الآن - يعني من حين رؤية الهلال - الصوم ) ، وإذا كان هذا هو المقصود فهنا سوف يصير الوجوب مشروطاً ولا يكون مطلقاً.
قلت:- هذا إدخالٌ لقيدٍ آخر في الحساب ونحن كلامنا مع صاحب الفصول في طلوع الفجر ، فهو يتكلم بلحاظ طلوع الفجر لا بلحاظ قيودٍ أخرى ، فهو يقول نحن نتمكن أن نقول إنّ الوجوب ثابتٌ قبل طلوع الفجر وأما زمان الواجب فهو يبتدئ من طلوع الفجر ، فالكلام مع قيد طلوع الفجر وما ذكرته هو قيد آخر ذكرته إلى جنب هذا القيد ، ونحن نسلّم أنه بلحاظ القيد الآخر يصير مشروطاً ولكن صاحب الفصول ليس ناظراً إليه ، بل هو ناظر إلى قيد طلوع الفجر ، فبلحاظ طلوع الفجر يكون الواجب مطلقاً كما قال هو(قده) لأنه لا يؤخذ بنحو فرض الوجود حيث إنه جزمي الحصول وإنما القيد يؤخذ بنحو فرض الوجود بلحاظ غير طلوع الفجر كبقاء الحياة وهذا قيدٌ آخر ، ونحن قد ذكرنا سابقاً - ونذكر الآن بل هو من الأمور الواضحة التي لا تحتاج إلى تذكير - أن الواجب لا يكون مطلقاً او مشروطاً في حدّ نفسه ، إنما يكون وشروطاً أو مطلقاً بالإضافة - يعني حينما ينظر بالقياس إلى وصفٍ أو إلى شرط - ولعلّه بالقياس إلى بعض الشروط يكون مطلقاً ، وبالقياس إلى بعض الشروط يكون مشروطاً ، فالحج مثلاً بالقياس إلى الاستطاعة يكون مشروطاً ، وبالقياس إلى أني متزوج أو غير متزوج يكون مطلقاً ، وكلّ واجبٍ من الواجبات هو مشروط حتماً ولا يوجد واجب مطلق من جميع الجهات إذ لا أقل من اشتراط كلّ واجبٍ الشروط العامة ، وإنما نقول هذا مطلق وذاك مشروط بالقياس.
فإذن وجوب الصوم من حين رؤية الهلال هو مطلق بالنسبة إلى طلوع الفجر ولا يؤخذ مفروض الوجود خلافاً للسيد الخوئي(قده) ، لأنّ طلوع الفجر حتميّ الوجود ، وبالقياس إلى الشرط الآخر الذي افترضته أنت يكون مشروطاً.
إذن كلّ واجبٍ مطلقٌ هو من هذا القبيل يكون مشروطاً ، وكلّ واجبٍ مشروطٍ قد يكون مطلقاً بالقياس إلى شرطٍ آخر وهذا لا يضرّ ، فما أراده صاحب الفصول تامّ ولا يرد عليه إشكال السيد الخوئي(قده).
الأشكال الثالث[1] :- ما قد يخطر إلى الذهن وهو أنّ اثبات الوجوب قبل زمان الواجب عبثٌ ولغوٌ وبلا فائدة ، فلماذا أنت تثبت الوجوب قبل طلوع الفجر مادام الواجب هو الصوم من حين الفجر ، فتقديمك لزمان الوجوب أيّ فائدة فيه ؟! ، وهكذا بالنسبة إلى الحج فإذا كان الحج يبتدئ من يوم عرفة مثلاً فإّثباتك لوجوبه من الآن ما الفائدة فيه فإنّ هذا عبثٌ ولغو ؟!
ويظهر من الشيخ العراقي(قده)[2] الاجابة عن ذلك:- بأن الملاك إذا كان تامّاً وموجوداً من حين رؤية الهلال - في مثال الصوم - أو من حين الحصول على المال - في مثال الحج - فينبغي للمولى أن يجعل الوجوب ، وإذا لم يجعل الوجوب فسوف يكون مورداً للاستفهام أمّا الجعل فليس مورداً للاستفهام.
وفيه:- صحيحٌ أنّ الملاك موجودٌ ولكن مجرّد وجود المقتضي لا يكفي لإثبات الحكم ، بل لابدّ من ارتفاع المانع وتحقق الشرط ، وهنا إذا كان يلزم لغويةً فاللغوية تكون بمثابة المانع ، فأنت حينما تثبت الوجوب من الآن صحيحٌ أنّ المصلحة موجود ولكن ليس فيه فائدة؛ إذ المكلف لا يمكن أن يتحرك من الآن ، فإثبات الوجوب من الآن يكون لغواً.
وعلى هذا الأساس المقتضي وحده لا يكفي ، بل لابد من انضمام انتفاء المانع ، والمانع هنا موجودٌ وهو لزوم اللغوية حيث لا يمكن للمكلف أن يتحرك ، فلابد إذن أن نتصوّر وجود فائدةٍ حتى ينتفي المانع ، والفائدة التي تتصوّر هي أنّ المكلّف يهيئ نفسه ، فالوجوب إذا شرع من الآن فسوف يجب عليه أن يحافظ على مال الاستطاعة - إذا لم يقع في المشقة والحرج - وكذلك تهيئة بطاقة السفر والجواز وغير ذلك ، فإذن صارت هذه فوائد من جهة تقدّم الوجوب ، وعلى هذا الأساس لا يلزم محذور اللغوية.