الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/05/12

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- تقسيمات الواجب - مقدمة الواجب.
الاشكال الثاني:- إن الاستطاعة في باب الحج هي شرط لأصل المصلحة، فالمصلحة في الحج غير موجودة إذا لم يكن الشخص مستطيعاً ولكن لا يلزم من هذا أن تؤخذ الاستطاعة - التي هي شرط لأصل المصلحة - شرطاً في الوجوب كما أخذها الشرع كذلك، والمناسب على ميزان الشيخ العراقي(قد) أن تؤخذ الاستطاعة شرطاً للوجوب كما أخذها الشرع لكن هذا ليس بلازم وذلك بأنّ يحكم الشارع أوّلاً بتحصيل الاستطاعة فإذا حصلت يأمر بالوجوب، فيجعل الاستطاعة شرطاً في المأمور به، يعني يلزم تحصيله في حق القادر على تحصيلها، فيصير تحصيل الاستطاعة واجب على خلاف ما هو المعروف بيننا، فإن المعروف بيننا هو أن تحصيل المصلحة ليس بلازم إذ هي شرط في أصل الوجوب وشرائط الوجوب لا يلزم تحصيلها، فإذا قال لك شخص أهبك كذا مقدار من المال تتمكن ان لا تقبل الهبة لأنّه بمجرد أن تقبلها فسوف تصير مستطيعاً وتحصيل الاستطاعة ليس بلازمٍ فالقبول ليس بلازم.
والسيد الخميني(قده) يجيب ويقول:- صحيحٌ أنها شرطٌ لأصل المصلحة ولكن يمكن للشارع أن يوجب تحصيلها ثم بعد ذلك تحصيل الحجز
إذن هو يريد أن يقول نخرج بهذه النتيجة وهي أنه أحيانا شرط المصلحة - الذي هو شرط لأصل المصلحة - لا يلزم أن يكون شرطاً للوجوب، بل يمكن للشرع أن يأمر أوّلاً بتحصيل الاستطاعة ثم يأمر بتحصيل الحج حتى يصير الحج واجداً للمصلحة فإنّ هذا شيئاً وجيهاً ولا يلزم أخذ الاستطاعة شرطاً في أصل الوجوب.
ويردّه:- لعلّ الشرط في المصلحة ليس هو الاستطاعة كيفما اتفق وإنما الاستطاعة الحاصلة اتفاقاً، فالاستطاعة الحاصلة اتفاقاً وصدفةً هي الشرط لثبوت المصلحة في الحج، وبذلك تصير الاستطاعة الاتفاقية هي الشرط للوجوب، ونحن لا نعرف الغيب والله عزّ وجلّ هو المطلع عليه فيمكن أن لا تكون المصلحة في الحج إلا إذا كانت هناك استطاعة لا أنك تحصّلها وإنما استطاعة بالاتفاق والصدفة لا بنحو الايجاب والالزام بها، والله عزّ وجلّ هو الذي يعرف الغيب.
إذن لا يمكن أن ننقض على ما أفاده الشيخ العراقي(قده) بما ذكر.
الاشكال الثالث:- إن الصلاة من دون طهارةٍ وقبلةٍ لا مصلحة فيها أبداً، فالطهارة والقبلة شرطان لأصل المصلحة فمن المناسب أخذهما شرطاً للوجوب والحال أنّ الشرع قد أخذهما شرطين في الواجب لا في الوجوب، فانتقض الميزان الذي ذكره الشيخ العراقي(قده).
وفيه:- لعلّ الطهارة والقبلة ليسا شرطين لأصل الاتصاف بالمصلحة وإنما هما شرطان لترتّب المصلحة ولذلك أخذا قيدين في الواجب دون الوجوب، والله تعالى هو الذي يعلم الغيب، فلا نتمكن أن نقول حتماً إنّ الطهارة والقبلة هما شرطان لأصل المصلحة ن بل لعلهما شرطان لترتّب المصلحة، فلا يمكن تسجيل هذا نقضاً على الشيخ العراقي(قده).
وعلى أيّ اتضح من خلال هذا أنّ الميزان الذي ذكره الشيخ العراقي(قده) لتحديد شرط الواجب وأنه ماذا يؤخذ شرطاً في الواجب وماذا يؤخذ شرطاً في الوجوب، فالذي يؤخذ في الوجوب هو شرائط أصل المصلحة، وما كان يؤخذ شرطاً للواجب هو ما كان شرطاً لترتّب المصلحة، فالميزان الذي ذكره يمكن أن نقول بأنه ميزان واقعي، ولكنه شرعاً قد تخفى علينا بعض النكات والله أعلم بها، فلا يمكن تسجيل ما ذكره السيد الخميني(قده) نقضاً على الشيخ العراقي(قده).
مطلبان يرابطان بالمقام:-
بعد الفراغ عن الميزان والضابط الذي ذكره الشيخ العراقي(قده) لتحديد شرط الواجب وشرط الوجوب نشير إلى المطلبين التاليين:-
المطلب الأوّل:- اتفقت الكلمة على أنّ الارادة المشروطة شيء ممكن، ولكن اختلف في حقيقة الارادة المشروطة وأنها إرادة ثابتة أو ليست بإرادة ؟
وهناك عدة احتمالات:-
الاحتمال الأوّل:- إنّ مرجع الارادة المشروطة إلى وجود إرادة بالفعل، فالشرط بالتالي يرجع إلى المراد وليس إلى الإرادة، فنحن حينما نقول عندنا إرادة لشرب الماء إذا حصل لنا العطش فنفس الارادة ليست مشروطة بل الارادة ثابتة بالفعل والمشروط هو المراد - يعني شرب الماء -، فشرب الماء الذي هو المراد مشروطٌ بالعطش لا أرادة شرب الماء، فالإرادة الآن فعلية وليست مشروطة وإنما المشروط هو المراد، ولعل هذا هو الذي يظهر من كلمات الشيخ الأعظم(قده)، لأنّه فيما سبق ذكرنا انه استدل على بطلان فكرة الوجوب المشروط بديلين الأوّل هو أنّ الوجوب مفاد للهيئة وهو جزئي والجزئي لا يقبل التقييد، وهذا لا لا يهمنا، والمهم لنا هو الدليل الثاني وهو انّ الوجدان قاضٍ بأنّ جميع الشروط ترجع إلى المراد وليس إلى الارادة، وهذا معناه أنّ الشيخ الأعظم(قده) يرى أنّ مرجع الارادة المشروطة إلى أنّ المراد هو المشروط لا أن نفس الارادة هي المشروطة.
وعلى أيّ حال ربما يستدلّ على أنّ الارادة المشروطة ترجع اشتراط نفس المراد لا أنّ نفس الارادة هي المشروطة بالوجهين التاليين:-
الوجه الأوّل:- قضاء الوجدان، حيث يرى وجود فرقٍ بين حالة إرادتنا للماء على تقدير العطش وبين حالة عدم ارادتنا رأساً، فلو كانت الارادة المشروطة ليست إرادةٍ بالفعل وإنما كانت مشروطةً والمفرض أنّ الشرط لم يتحقق فيلزم أن تكون الارادة معدومة، وبالتالي يلزم عدم الفرق بين الارادة المشروطة وبين عدم الارادة رأساً، والحال أن الوجدان يكذّب هذا المعنى، فالوجدان يلمس فارقاً بين حالة عدم الارادة رأساً وبين حالة الارادة للماء على تقدير العطش ولا يمكن أن نفسّر الفارق إلا إذا افترضنا أن الارادة المشروطة لا يرجع الشرط فيها إلى نفس الارادة إذ لو كان يرجع إلى نفس الارادة فمعناه أنه لا توجد إرادة لشرب الماء مادام لا عطش، وبالتالي يلزم عدم الفرق بين حالة الارادة المشروطة وبين حالة عدم الارادة رأساً والوجدان يكذّب ذلك.
الوجه الثاني:- إنّه قد يتصدى المولى لإبراز إرادته المشروطة ويقول:- ﴿ ولله على الناس حجّ البيت من استطاع إليه سبيلاً ﴾، إنّ هذا تصدٍّ لإبراز الارادة المشروطة، وعليه لابد وأن يكون له منشأ والمنشأ هو  ليس ألّا الارادة، فلابد وأن تكون الارادة المشروطة هي إرادة فعلية حتى تحرّك المولى نحو التصدّي لإبراز الطرف المشروط والارادة المشروطة، بينما لو كانت الارادة المشروطة يرجع الشرط إليها فهي ليست بإرادة، ومادامت ليست بإرادة فلا يمكن آنذاك التصدّي إذ منشأ التصدّي للطلب المشروط سوف يكون شيئاً عدمياً والعدم لا يصير سبباً وموجباً للتصدّي، بل لابد وأن تكون الارادة المشروطة هي نحوٌ من الارادة الفعلية وليست مشروطة حتى تصير منشأً للتصدّي.