الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/04/19

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- ثمرة وجوب المقدّمة - مقدّمة الواجب.

الجهة الخامسة:- مقدّمة المستحب والمكروه والحرام.

أما البنسبة إلى مقدمة المستحب:- فالكلام فيها هو نفس الكلام في مقدمة الواجب ،يعني ما ذكرناه هناك يأتي هنا وذلك لوحدة النكتة.

فقد ذكرنا بالنسبة إلى مقدمة الواجب أنه على الملازمة على مستوى الارادة والحب والشوق هي ثابتة ، فمن أراد شيئاً أراد أشتاق وأحبّ مقدماته ، وأما على مستوى الحكم الشرعي - يعني يلزم ان تكون واجبة كوجوب ذيها - فلا ، وبيّنا النكتة وهي أنّه إذ يمكن للشارع أن يكتفي بالحكم العقلي فإنّ العقل يقول حيث لزمك الاتيان بالحج لايجاب المولى - حيث قال المولى ﴿ ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا ﴾[1] - فلابد وأن تاتي بالسفر كي تصل إلى مكّة وتحج ، فلابد وأن تسافر ولابد أن تهيء بطاقة الطائرة وهكذا ، فلعلّ الشرع اكتفى بهذه اللابدّية العقلية عن الحكم بالوجوب - أي بوجوب المقدّمة شرعاً - ، وعلى هذا الأساس ما ذكرناه في بحث مقدّمة الواجب يأتي نفسه في مقدّمة المستحب فيقال إنّ من أحبّ شيئاً على مستوى الرجحان يحب ويريد مقدّماته على مستوى الرجحان أيضاً ، وهذا شيءٌ وجدانيٌّ ، أمّا على مستوى الحكم الشرعي - يعني أن يحكم الشارع باستحباب مقدّمة المستحب - فلا يلزم إذ لعلّه يكتفي بحكم العقل.

وأما مقدّمة المكروه:- فالكلام فيها هو الكلام في مقدّمة الحرام الذي سوف نذكره وذلك لوحدة النكتة.

وأمّا مقدّمة الحرام:- فهي على نحوين:-

النحو الأوّل:- المقدمة التي لاينفك تحققها عن تحقق الحرام ، أو قل مقدمة تسبيبية توليدية - إن صح التعبير - ، من قبيل العقد بلحاظ ملكية المصحف الشريف للكافر ، فإني لو بعت المصحف الشريف للكافر فبمجرد أن يتحقق العقد تتحقق الملكية التي هي محرّمة - بناء على الحرمة - ، فالعقد مقدّمة لا تنفك عن تحقّق الحرام.

النحو الثاني:- أن لا يكون الأمر كذلك ، يعني أنّ تحقق المقدّمة يمكن أن ينفك عن تحقّق الحرام ، كبيع السكّين لشخصٍ يريد أن يقتل بها شخصاً بريبئاً ، فبيع السكّين لا يلازم تحقّق الحرام.

أمّا بالنسبة إلى النحو الأوّل:- فمن المناسب أن تكون هذه المقدمة مبغوضة كبغض الحرام ، أي نفس ما ذكرناه في مقدمة الواجب هنا يأتي هنا ولكن هناك كان على مستوى الارادة والحب وأمّا هنا فعلى مستوى البغض الكراهة ، فنقول هنا إن من أبغض شيئاً أبغض مقدمته التي لا ينفك تحققها عن تحققه ، وهذا شيءٌ وجدانيٌّ ، فإذن الملازمة على مستوى البغض موجودة هنا كما هي موجودة على مستوى الارادة والحب في مقدّمة الواجب.

وأمّا على مستوى الحكم الشرعي:- فالكلام هو الكلام في مقدّمة الواجب ، يعني يقال قد لا يحكم الشرع بحرمتها اكتفاءً بحكم العقل بلابدية تركها ، إذ يقال ما دام العقل يحكم بأنه لابد وأن تترك ملكية الكافر للمصف فلابد وأن تترك العقد إذ العقد تحققه لا يفكّ عن تحقق الملكية ، فلتحقّق ترك الملكية لابد وأن تترك العقد ، ولعل الشرع اكتفى بحكم العقل هذا ولا داعي لأن يحكم بالحرمة كما ذكرنا في مقدّمة الواجب.

ولكن لو تنزّلنا وقلنا إنّ الملازمة على مستوى الحكم الشرعي ثابتة ، يعني بتعبيرٍ آخر أنّ العقد محكومٌ بالحرمة الشرعيّة ، فهذه الحرمة التي يحكم بها الشرع لو سلّمنا بها نسألك هل هي حرمة نفسيّة أو حرمة غيرية ؟

المناسب أنها حرمة غيرية ، يعني أنّه من باب ترك الحرام يحكم الشارع بحرمة المقدّمة ، فالحرمة حرمة غيرية.

وهل هناك توقّفٌ في هذا ؟

نعم ربما يظهر ذلك من الشيخ النائيني(قده)[2] والشيخ العراقي(قده)[3] أنّ الحرمة حرمة نفسيّة وذلك باعتبار أنّ المقدور هو المقدّمة وليس الحرام ، يعني أنّ المقدور للمكلف هو العقد ، فالعقد هو مقدور للمكلف فعلاً وتركاً أمّا نفس الملكية فهي ليست فعل المكلف بل هي اعتبارٌ شرعيٌّ أو عقلائي وليست تحت قدرة المكلف ، بل الذي تحت قدرته هو المقدّمة - أعني العقد - ، فتلك الحرمة النفسيّة الثابتة للملكية تثت حينئذٍ للمقدّمة - أي للعقد - وإلا فتلك الملكية لا معنى لحرمتها لأنها ليست مقدورة لأنها فعل الشرع أو العقلاء ، فالحرمة النفسيّة الثانبتة إلى الحرام تثبت إلى المقدّمة المحقّقة للحرام ، فالذي أنا قادر عليه هو العقد أما نفس الملكية فليست مقدورة لي ، فالحرمة الثابتة للملكية نصرفها إلى العقد ونجعلها ثاببتةً له ، هكذا ذكر هذان العلمان.

وجوابه واضح:- فإنه يكفي للقدرة للشيء القدرة على مقدّمته ، فأنت الآن تتتمكن أن تمتلك بيتاً وتتمكن أن تسافر وتتمكن من الزوجية .... وهكذا ، والقدرة على تلك الأشياء هي بسبب القدرة على المقدّمة ، فصارت تلك الأشياء مقدورة ، وإذا صارت مقدورة فلماذا الحرمة المنصبّة على الملكية نسحبها إلى المقدّمة - أي العقد - ؟!! إنّه لا داعي إلى ذلك بعدما كانت نفس الملكية مقدورة من خلال المقدّمة ، وأنا أتذكر من المعالم أنّه قد مرّت جملة من السيد المرتضى أو من غيره ينقلها صاحب المعالم شبيهة بهذا الكلام ، ولعلّهم أخذوا هذا الرأي من هناك.

إذن اتضح أنّه على مستوى الكراهة والبغض الملازمة ثابتة ، وأمّا على مستوى الحكم الشرعي - يعني في الحرمة - فليست ثابتة ، هكذا ذكرنا ، وما نقلناه عن العلمين كان جملةً معترضة.

ولكن ألفت النظر:- إلى أنّه حينما قلت إنّه لا توجد ملازمة على مستوى الحكم - يعني لا يلزم أن يحكم الشرع بالحرمة - لا ينبغي أن يتخيّل متخيّلٌ أنّه يجوز إذن أن يحكم بالاباحة مثلاً ، إنّه لا يمكن ذلك ، يعني هو لا يمكن أن يحكم بإباحة العقد والحال أنّه متى ما تحقق العقد تحققت الملكية ، فكيف يحكم بالاباحة ؟!! فإنهما متلازمان وسبب ومسبَّبٌ ، فكيف أن يصير المسبَّب حراماً والسبَّب يصير مباحاً فإنّ هذا مضحك للثكلى ؟!! فالمتلازمان لا يمكن أن يختلفا في الحكم الشرعي وهذا من البديهيات.

والجواب:- ليس المقصود من عدم الملازمة أنّ الشارع يجوز له أن يحكم بالاباحة ، بل المقصود أنه يجوز له أن لا يحكم بشيءٍ على المقدّمة بعنوان أنها مقدّمة ، يعني العقد بعنوان أنه مقدّمة إلى ملكية الكافر للمصحف فهو بعنوان المقدّمة لا يحكم بشيءٍ اكتفاء بحكم عقل ، ولكن لا يمكن أن يحكم بحكمٍ آخرٍ مغايرٍ فإنّ هذا غير ممكن.

إن قلت:- نحن قد تعلّمنا أن الواقعة لا تخلو من حكم وهنا يلزم أن تخلو الواقعة من حكمٍ لأنّه لا توجد حرمة وقلنا الحكم الاباحة لا يجوز لأنه يلزم التفكيك بين المتلازمين من حيث الحكم ، فحينئذٍ يلزم خلّو الواقعة من حكمٍ والوقائع لا تخلو من حكم ؟

قلت:- إنَّ المقدّمة لها حكم لا أنها ليس لها حكم ، ولكن نقول هي من حيثية كونها مقدّمة لا حكم لها بالاباحة ولا حكم لها بالحرمة ، وأما من حيثية كونها فعلاً من الأفعال بعنوانها الأوّلي لها حكم ، فالعقد بما هو عقدٌ لا بما هو مقدّمة للملكية محكومٌ بحكمٍ ، فالعقد بما هو عقدٌ بقطع النظر عن كونه مقدّمة للحرام هو محكومٌ بالجواز مثلاً ، والذي نريد أن نقوله هو أنّه لا يوجد حكمٌ من حيثية كونه مقدّمة ، وما دلّ على أنّ الواقعة لا تخلو من حكم يعني لا تخلو من حكمٍ من حيث العنوان الأوّلي ، أمّا من حيث العنوان الثانوي فربما لا يصدر الشارع حكماً اكتفاءً بحكم العقل.

وأمّا بالنسبة إلى النحو الثاني:- فهنا لا ملازمة على مستوى الحكم الشرعي كما هو واضح ، فإننا في النحو الأوّل لم نقبل بالملازمة على مستوى الحكم الشرعي فكيف نقبلها في هذا النحو ، بل لا ملازمة على مستوى البغض والكراهة ، والنكتة واضحة فإنّ قتل البريء وإن كان مبغوضاً ولكن بغضة لا يستلزم شراء السكين إذ شراء السكين لا يلازم تحقّق القتل حتى يكون شراؤها مبغوضاً بسبب قتل البريء إذ لعلّّه يتحقق شراء السكين من دون قتل البريء فلا يلزم من بغض قتل البريء بغض المقدّمة - يعني شراء السكّين - فهي ليست مبغوضة في مثل ذلك.


[1] آل عمران/السورة3، الآية97.
[2] أجود التقريرات، الخوئي، ج1، ص249، ط قديمة.
[3] بدائع الافكار، العراقي، ص402.