الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
37/04/12
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- ثمرة وجوب المقدّمة - مقدّمة الواجب.
الثمرة الثالثة:-
ما إذا فرض توقّف فعل الواجب على ارتكاب مقدّمة محرّمة كإنقاذ الغريق المتوقّف على اجتياز الأرض المغصوبة.
والفارق بين هذه الثمرة وسابقتها واضح:- فإنه في السابقة لم يتوقّف فعل الواجب - أعني الازالة - على ارتكاب محرّم إذ يمكن الازالة ثم فعل الصلاة بعد ذلك فلا يلزم من ذلك توقّف الازالة على فعل المحرّم ، بينما هنا يفترض أنّ الانقاذ يتوقّف على اجتياز الأرض المغصوبة الذي هو شيءٌ محرّم في حدّ نفسه.
هذا مضافاً إلى أنه في الثمرة السابقة الازالة تتوقّف على ترك واجبٍ وليس على فعل محرّم ، وترك الواجب ليس محرّماً وإنما هو تركٌ للواجب فقط ، وإلا لعوقب المكلف بعقابين عقاب على ترك الواجب وعقاب على ارتكاب المحرّم ، فترك الواجب هو تركٌ للواجب فقط وليس فعلاً للحرام ، نعم قد نتسامح ونقول هو حرام بمعنى ترك الواجب ولكن بالدّقة ترك الواجب ليس إلّا تركاً للواجب وليس فعلاً للحرام.
وحينئذٍ نقول:- إذا فرض أن الانقاذ كان أهم كما إذا كان انقاذاً لنفسٍ محترمة فيصير أهم من حرمة الاجتياز ، فهنا إذا دخل المكلف الأرض المغصوبة واستغل بالانقاذ ففي مثل هذه الحالة لا يكون الاجتياز محرّماً باعتبار أنّه قد تزاحم تكليفان الانقاذ واجتياز المغصوب وكلّ تكليفٍ مشروطٌ بعدم الاشتغال بتكليفٍ مساوٍ أو أهم وهذا قيد عقلي ، فإذا اشتغل بالواجب الأهم أو المساوي - ويكفي أن يكون الواجب مساوياً - فلا تكون هناك حرمة للاجتياز لأنّ ثبوت الحرمة مشروط بعدم الاشتغال بواجبٍ أهم أو مساوٍ.
وقلنا لو سألتني وقلت:- من أين لك هذا القيد فهل توجد آية أو رواية تدل عليه ؟
أجبت:- بأنّ هذا قيدٌ عقليٌّ واضح ، وهو من البديهيات الأولية ، ولا يحتاج إلى دليل ، فثبوته مشروط بعدم الاشتغال بتكليفٍ آخر أهم أو مساوٍ ، أمّا إذا كان هناك تكليف أهم أو مساوٍ وانشغلت به فلا تكليف هنا ، وإلا فالله عزّ وجلّ يكلفنا بغير المقدور ، إلا على رأي الأشاعرة فهم لا يوجد عندهم قبيح عقلي.
والخلاصة:- إذا فرض أنّ المكلف دخل الأرض المغصوبة وشتغل بالانقاذ الذي هو مساوٍ أو أهم للحرمة ففي مثل هذه تزول الحرمة لقانون عقليٍّ وهو أن كلّ تكليف ثبوته مشروط بعدم الاشتغال بتكليفٍ أهم أو مساوٍ ، وهل تظهر ثمرة لمسألة وجوب المقدّمة إلى الآن ؟
إنه لا تظهر ثمرة سواء قلنا بوجوب مقدّمة الواجب أو لم نقل بها ، فما قلناه ثابت سواء قلنا بوجوب المقدّمة أم لم نقل به لأنّه بالتالي أنت اشتغلت بالواجب المساوي أو الأهم ومادام قد اشتغلت به فلا حرمة للاجتياز للغصب آنذاك.
وأمّا إذا دخل الأرض المغصوبة ولم يشتغل بالانقاذ فهنا دخوله إلى الأرض المغصوبة هل يكون حراماً أو لا[1] ؟
فإن بنينا على أنّ ذات مقدّمة الواجب واجبة مطلقاً سواء كانت موصلة أو غير موصلة قصد التوصل أو لم يقصد التوصل - كما بنى على هذا صاحب الكفاية(قده) - ففي مثل هذه الحالة يقال إنّ الحرمة تزول لأنّ هذا الدخول متّصفٌ بالوجوب ، واتصافة بالوجوب يمنع من ثبوت الحرمة.
أمّا إذا لم نبن ِعلى أنّ مقدّمة الواجب واجبة شرعاً فالحرمة تبقى ثابتة إذ لا يوجد ما يمنع من ثبوتها.
وقد أشار السيد الشهيد(قده) إلى هذه الثمرة[2] ، وقبل ذلك أشار إليها صاحب الكفاية(قده) في موردٍ آخر غير مورد بيان الثمرة فإنه ذكر بحثاً مستقلاً للثمرة بعنوان ( تذنيب)[3] وأشار إلى الثمرة الأولى المتقدّمة ، ولكن هذه الثمرة الثالثة لم يشر إليها هناك ، وإنما أشار إليها في موردٍ آخر وهو عند بيان رأي الشيخ الأنصاري(قده) في باب المقدّمة ورأي صاحب الفصول(قده) ، فهو أراد أن يبيّن ثمرةً بين رأي العلمين وبين رأيه ، فهم الثلاثة يقولون بوجوب المقدّمة ولكن الشيخ الخراساني يقول بوجوبها مطلقاً من دون قيد ، والشيخ الأعظم يقول إنَّ الواجبة هي المقصود بها التوصّل أما غير المقصود بها التوصّل فليست واجبة ، وصاحب الفصول يقول بأنّه لا مدخلية للقصد بل المدار على الوصول الفعلي ، وهناك أراد(قده) أن يبيّن ثمرة[4] - يعني قبل بحث الثمرة - فأشار إلى هذا المطلب ، ولكن يظهر أنّه نسي أن يذكرها في بحث الثمرة ، فهو هنا قال من دخل الأرض المغصوبة الذي يتوقّف عليه إنقاذ الغريق ولم ينقذه - يعني لم تكن موصلة - فعلى رأي صاحب الفصول هي ليست متّصفة بالوجوب فلا مانع من اتصافها بالحرمة سواء قصد التوصل إلى الانقاذ إو لم يقصده فإنّ هذا ليس بمهم بل المهم أنه يترتّب الايصال ، وأمّا على رأي شيخنا الأعظم إذا دخل الأرض المغصوبة بقصد التوصّل إلى انقاذ الغريق فمادام كان قاصداً لذلك فحينئذٍ تتّصف هذه المقدّمة بالوجوب فلا تثبت الحرمة آنذاك ، وأما إذا لم يقصد التوصّل فلا تتّصف بالوجوب وإذا لم تتّصف بالوجوب فتتّصف بالحرمة ، وأمّا على رأينا فيقول سواء قصد التوصّل أو لم يقصده وسواء أوصلته بالفعل أو لم توصله فهي مادامت واجبة فنفس ثبوت الوجوب يمنع من اتصافها بالحرمة.
وهذاذ هو عين الثمرة الثالثة ، فهو بينها ولكنّه لم يذكرها في بحث الثمرة.
وتكملة لبيان الثمرة نقول:- إنَّ هذه الثمرة تتوقّف على أحد مبانٍ ثلاثة:-
المبنى الأوّل:- أن نبني على استحالة اجتماع الأمر والنهي في شيءٍ واحد ولو بعنوانين ، فبعنوانين لا يكفي مادام الوجود واحداً ، وأمّا إذا قلنا باستحالة اجتماع الأمر والنهي في شيءٍ واحدٍ بعنوانين كما بنى عليه صاحب الكفاية - لأنه قال إنّ الأحكام لا تتعلّق بالعناوين إذ العناوين لا أثر لها وإنما تتعلق بالمعنونات والمعنون واحدٌ فلا يجوز اجتماع الأمر والنهي - فهذه الثمرة لا بأس بها.
وأمّا إذا بنينا على جواز اجتماع الأمر والنهي بعنوانين بحيث قلنا إنَّ الأحكام تتعلّق بالعناوين فهنا يوجد عنوانان عنوان المقدّمية وعنوان الغصب فلنقل يوجد وجوبٌ وتوجد حرمةٌ فلماذا تقولون إنّه إذا كانت المقدّمة واجبة فالحرمة تزول ؟!! فلنقل إنّ كِلا الحكمين موجودٌ فالثمرة هي هذه.
إذن لابد وأن نبني على استحالة اجتماع الأمر والنهي رغم تعدّد العنوان حتى تكون هذه الثمرة تامّة.
المبنى الثاني:- أن نبني على أنه عند تعدّد العنوان يجوز اجتماع الأمر والنهي لأنّ الأحكام تتعلّق بالعناوين ، ولكن هنا لا يوجد عنوانان بل يوجد عنوانٌ واحدٌ وهو عنوان الغصب أمّا عنوان المقدّمية فليس عنواناً فإنّ الوجوب لا يتعلّق بعنوان المقدّمة بل يتعلّق بواقع المقدّمة فإن واقع المقدّمة هو المقدّمة لا عنوان المقدّمة ، فعنوان المقدّمة ليس مصبّاً للوجوب ، فلا يوجد عنوانا بل يوجد عنوانٌ واحدٌ وهو عنوان الغصب لا أكثر من ذلك ، فإذن في مثل هذه الحالة لا نتمكن أن نقول يجوز اجتماع الأمر والنهي مع تعدّد العنوان لأنّه هنا لا يوجد عناونان بل يوجد عنوان واحد.
المبنى الثالث:- أن نبني على أنّ دليل حرمة الغصب هو بنفسه قاصر عن شمول حالة توقّف الواجب الأهم أو المساوي عليه ، مثل موردنا فإنّ هذا الغصب يتوقّف عليه واجبٌ[5] ، فمثل هذا المورد يكون دليل حرمة الغصب قاصرٌ عن شموله[6] ، فإذا بنينا على هذا فحينئذٍ مادامت المقدّمة واجبة فلا تحرم هذه المقدّمة مادامت متّصفة بالوجوب لقصور دليل حرمة الغصب عن إثبات الحرمة في مثل هذه الحالة.
إذن لابد وأن نبني على أحد هذه المباني حتى تكون هذه الثمرة تامّة ووجيهة.