الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/04/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:-مقدمة الواجب.
وأمّا حلاً:- فإنه يمكن أن نختار تارةً عدم السقوط، وأخرى نختار السقوط ولا محذور.
أمّا عدم السقوط:- فيمكن أن يوجّه بأن الأمر إنما يسقط بامتثاله لو كان أمراً استقلالياً ولم يكن أمراً ارتباطياً مرتبطاً بغيره، كما هو الحال في باب المركّبات كالصلاة فإنّ لها أمراً واحداً لكن هذا الأمر الواحد ينحلّ إلى أوامر نفسيّة ضمنيّة بعدد الأجزاء، فالتكبير له أمرٌ ولكنه ضمني وليس استقلالياً، والقراءة لها أمر ولكن ضمني وليس استقلالياً، ومادام ضمنياً وليس استقلالياً فسقوطه يكون تبعاً لسقوط الأمر بالكلّ المركّب، وإلا إذا سقط وحده من دون سقوط أمر بقيّة الأجزاء - يعني من دن سقوط الأمر بالمركّب - فهذا معناه أنه أمرٌ استقلالي وليس أمراً ضمنياً وهو خلف الفرض.
إذن فكرة سقوط الأمر بالامتثال تتم في باب الأوامر الاستقلالية دون الأوامر الضمنة، فإن الأوامر الضمنية لها امتثالٌ واحدٌ وهو امتثال الكلّ، فمتى ما تحقّق الكلّ سقط الأمر به فسقطت الأوامر الضمنية، أما أن يسقط الأمر الضمني الأوّل أو الثاني ..... من دون سقوط الأمر بالكلّ فهذا خلف الفرض.
وإذا اتضح هذا في باب المركّب ننقل نفس هذه الفكرة إلى باب المقدّمة وذي المقدّمة، فإنّ الأمر بالمقّدمة ليست له محركية مستقلة وليس له امتثال مسقل وليس له عصيان مستقل، بل هو مرتبط بالأمر بذي المقدّمة، فالمحركية هي للأمر بذي المقدّمة والامتثال للأمر بذي المقدّمة والعصيان للأمر بذي المقدّمة، ولا توجد محركية على المقدمات فلا عصيان ولا امتثال، وإنما الامتثال والعصيان والمحركية هي من خصائص الوجوب الغيري - وهو ذو المقدمة -.
إذن الأمر بالمقدّمة لا يوجد له امتثالٌ مستقلٌّ حتى تقول يا صاحب الكفاية هل يسقط أو لا ؟ بل نقول:- هو لا يسقط لأنّه إنّما يسقط بتبع سقوط الأمر بذي المقدّمة، فالأمر بذي المقدّمة مادام موجوداً فهذا الأمر بعدُ لا يسقط لأنّه ليس له امتثال مستقلّ، غايتة أنك تقول لي:- هل يلزم أن أرجع وأئت بالمقدّمة من جديد ؟ فأقول:- كّلا، فهو الآن ليس بساقطٍ ولكن عليك أن تنتظر إلى أن يحين اليوم التاسع وأتيت بالحج فهنا يسقط الأمر بذي المقدّمة ولا حاجة إلى العود والاتيان بالمقدّمة من جديد، فالسقوط ليس موجوداً بل هو سقوط مراعى بسقوط الأمر بذي المقدّمة، فإذن صار هناك شقٌّ ثالثٌ هو أنه لايسقط وإنما يسقط بمراعاة ذي المقدّمة، مثل الأمر بالتكبير فهو سقوطه مراعى بالاتيان بالكلّ المركّب وسقوط الأمر بالكلّ المركّب.
إذن يمكن أن نختار الاحتمال الأوّل - وهو عدم السقوط - وهو الصحيح.
ويمكن أن نختار الاحتمال الثاني وهو السقوط:- ولكن الاحتمال الصحيح هو الأوّل ولكن هذا تجارياً مع دليله ومقدمات دليله - فنقول:- إنَّ الأمر بالمقدّمة يسقط قبل الاتيان بالحج مثلاً ولكن لا من باب الامتثال، فأنت تقول إذا سقط فهذا معناه أنّ السقوط سببه الامتثال إذ لا عصيان لأنّ وقت الحج بعدُ لم يأتٍ وفوات الموضوع أيضاً لم يتحقّق فهذا يكون سقوطاً بالامتثال وإذاكان السقوط بالامتثال فهذا معناه أنّ الأمر المقدّمي متعلّق بذات المقدّمة.
ونحن نقول:- لماذا تحصر مسقطات الأمر بثلاثة ؟ بل يوجد مسقطٌ رابع وهو محذور اللغوية، فإذا لزم من عدم السقوط محذور اللغوية كما في مقامنا فيسقط الأمر، فهنا إذا لم يسقط الأمر هو(قده) قال يلزم أن ترجع وتأتي بالمقدّمة من جديد، ونحن نقول:- إنّه لا يلزم ذلك لأنّ هذا لغوٌ فيسقط الأمر ولكن هذا سقوطٌ بسبب لزوم محذور اللغوية لا لأجل الامتثال حتى تقول إنّ هذا السقوط يكشف عن أنّ الأمر المقدّمي متعلّق بذات المقدّمة، كلا فإنّ هذا ليس سقوطاً امتثالياً، بل هو سقوط بسبب اللغوية.
فإنّ قلت:-نحن لم نسمع بمسقط رابع من هذا القبيل فمن أين لك هذا ؟
قلنا:-إنّ هذه قضية ليست سمعية، ولسيت عقلية حاصرة، وإنما نحن نلاحظ الواقع الخارجي، وفي الواقع الخارجي يكون الغالب هو السقوط إما بالامتثال أو بالعصيان أو بفوات الموضوع والآن وجدنا شقاً جديداً وهو لزوم محذور اللغوية[1]، فهو يسقط من هذه الناحية فلا يكشف هذا السقوط تحقّق الامتثال.
الإشكال الرابع:- وهو لصاحب الكفاية(قده) أيضاً حيث قال:- إنّه بناءً على وجوب المقدّمة الموصلة يلزم اختصاص الوجوب المقدّمي الغيري بخصوص المقدّمات التسبيبية التوليدية ولا يعمّ المقدّمات التي تكون بنحو الفعل المباشري.
وتوضح مصطلح الفعل التوليدي - التسبيبي - والفعل المباشري:- هوأنّه تارةً يكون الشيء بنفسه ليس اختيارياً وإنما  اختياريته بمقدّمته فمن خلال المقدّمة أنا أتمكن عليه، وأخرى يكون مقدوراً بنفسه بلا حاجة إلى مقدّمة.
أما الذي يكون اختيارياً بنفسه بلا حاجة إلى مقدّمة فيصطلح عليه بالفعل المباشري مثل أن آكل أو أقوم أو أجلس وغير ذلك فهذا فعلٌ مباشر وباختياري.
أما إذا فرض أني أردت أن أتزوج من امرأة وأردت أن أُحدِثَ علقة الزوجية فهل استطييع أن أحدثها وأوجدها بإرادتي ؟ كلا، وإنما يتحقق هذا من خلال صيغة العقد من الايجاب والقبول، فالعلقة الزوجية ليست مقدورة بالمباشرة وإنما هي مقدورة بالواسطة ومتى ما تحققت الواسطة تحقّق ذاك حتماً، فبمجرد أن تقول المرأة ( زوجتك نفسي ) وأنا قلت ( قبلت ) فقد حصلت العلقة الزوجية ولا تستطيع أن تتركها إلا بالطلاق وإعطاء نصف المهر، فالفعل يخرج عن الاختيار ويتحقّق أوتوماتيكياً.
وهكذا في قتل الإنسان الذي يجوز أو يجب قتله، فأنا لا استطيع قتله ولكن أستطيع أن أوجّه إليه الإطلاقة، فالمقدور هو المقدّمة أمّا نفس زهاق الروح الذي هو ذو المقدّمة فسوف يتحقق بالقهر بعد تحقّق المقدّمة، فالقتل نسميه فعلاً توليدياً تسبيبياً أي ليس مقدوراً بالمباشرة وإنما المقدور مقدّمته.
وهكذا الإحراق فأنت لا تستطيع أن تحرق هذا المكان ألا بواسطة عود الثقاب.
إذن صار الفارق بين الفعل التسبيبي والفعل المباشري واضح، فالفعل المباشري ما كان مقدوراً بالمباشرة والتسبيبي ما كان مقدوراً بالواسطة والقدرة فقط وفقط تكون على الواسطة.
وإذا اتضح هذا فصاحب الكفاية(قده) يقول:- إنّه إذا بنينا على وجوب المقدّمة الموصلة يلزم أن يكون الواجب هو ما يوصل والذي يوصل إلى ذي المقدّمة حتماً هو ما إذا كانت المقدّمة تسبيبية توليدية، فالعقد موصل إلى العلقة الزوجية، وأمّا في الأفعال المباشرية التي هي اختيارية مثل ذهابنا إلى مكة المكرمة فالحج هنا فعلٌ مباشريٌّ لأنّه بإرادتك فإن أرت الحج فعليك أن تحرم وتأتي بالحج وأمّا لم ترده فلا تحج، فهو فعل مباشريٌّ موقوفٌ على الارادة، ومتى تكون المقدّمة موصلة إذن ؟ إنّه إذا أردت، يعني أنّك سافرت مع الإرادة حتى يتحقّق الإيصال للحج، يعني صار الوجوب متعلقاً بالسفر وبالارادة حتى تصير موصلةً، والارادة حيث إنها ليست اختيارية إذ لو كانت اختيارية لكانت اختياريتها بإرادة سابقة عليها فيلزم التسلسل، فهي ليست اختيارية، ومادامت ليست اختيارية فلا يمكن تعلّق التكليف بها، وإذا لا يمكن تعلّق التكليف بها فإذن لا توجد عندنا مقدّمة موصلة في الحج وأمثاله – أي في الأفعال المباشرية -، بل المقدّمة الموصلة سوف تنحصر بمثل عقد النكاح وما شاكل ذلك لأنّه بمجرد أن يحصل العقد فإنه يوصّل إلى ذي المقدّمة، أمّا في المقدّمات التي لا توصل بنحو الحتم إلى ذي المقدّمة بل يبقى للانسان إرادة واختيار فهنا لا يمكن توجّه الوجوب إلى المقدّمة الموصلة.
وخلاصه ما يريد أن يقوله صاحب الكفاية(قده):- هو أنّ الذي يجب من المقدمة هو خصوص المقدّمة التي يكون الفعل فيها تسبيبياً توليدياً، يعني لا تتوسط الارادة بين المقدّمة وبين ذي المقدّمة فهنا تتصوّر الموصلة فيلزم أن تكون واجبة هنا والغالب هو وجود توسط للارادة بين فعل المقدّمة وبين فعل ذي المقدّمة، أمّا في غير ذلك فيلزم أن تكون المقدّمة الموصلة  ليست واجبة للمحذور الذي ذكره.


[1]  ولو قلت لي:- هل تلتزم أنت بهاذ ؟ قلت:-  كلا لا ألتزم بذلك ولكني أمشي على تفكيره، فأنا ملتزم بعدم السقوط لكن لا يسقط ليس من باب أنه يلزم محذور اللغوية بل لأجل أنه أمر ارتباطي ولكني أستطيع أن أجاري دليله وأقول له يمكنني أن التزم بالسقوط لكن سقوطاً ليس ناشئاً من الامتثال بل لوجود مسقط رابع وهو لزوم محذور اللغوية فيسقط من هذه الناحية.