الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

37/03/01

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع:- حكم ارتفاع العذر بعد انتهاء الوقت - أي حكم القضاء - مبحث الإجـــزاء.
الوجه السابع:- ما أشار إليه السيد الحكيم(قده)[1]، وحاصله:- إنّه لو لم يجزئ تقليد الأوّل يلزم عدم حصول الوثوق بتقليده، إذ أحتمل أنّ الثاني الذي سوف أقلده يكون رأيه مخالفاً، فلو لم نقل بالاجزاء يلزم أن لا أثق بالتقليد وباتباع رأي الأوّل بناءً  على عدم الاجزاء.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّ هذا الكلام ناقصٌ من الجنبة الفنية حيث قال ( لا يبقى وثوق بتقليد المجتهد )، ونحن نقول:- هذا صحيحٌ ولكن ثم ماذا ؟ فإنَّ هذا الكلام يحتاج إلى تتمّة، ولعلّه يقصد التتمة التي سوف نشير إليها فيما بعد.
ثانياً:- لنفترض أنّه يلزم عدم حصول الوثوق، ولكن هذا لا يؤثر شيئاً، فخبر الثقة يقبل به العقلاء والحال أنه يحتمل انكشاف المخالفة بعد ذلك وبالتالي يلزم العمل على طبق الواقع، كما لوفرضنا أنه قال لي فلان الثقة أنّه يوجد درسٌ في هذا اليوم وأنا حصرت لوكن لم يكن هناك درس فهنا لا معنى للإجزاء وهو لا يتصوّر هنا وانشكاف الخلاف موجودٌ ولكن مع ذلك العقلاء يتّبعون ذلك.
إذن انكشاف الخلاف ومن ثم لزوم تطبيق أحكام الواقع قضيّة ثابتة حتى في مثل خبر الثقة الذي يسير عليه العقلاء، فإذن هذا لا يشكّل محذوراً، فإن هذا نفسه جارٍ في اتّباع خبر الثقة والحال أننا نتبع خبر الثقة ويحتمل انكشاف الخلاف بعد ذلك وبالتالي يلزم ترتيب أحكام الواقع الجديد الذي انكشف لنا، فهذا المقدار لا يشكل محذوراً.
إذن هذا الوجه ناقصٌ - أو باطلٌ - لا يمكن الاعتماد عليه.
والأجدر بعد وهن الوجوه المتقدّمة أن يتمسّك بالوجهين التاليين:-
الوجه الأوّل:- إنّه لو لم يثبت الإجزاء يلزم حصر الطريق عملاً في حقّ المكلفين بالاحتياط، ووجه ذلك:- هو أنّ المكلّف مادام يعرف مسبقاً أنّه لو انكشف خطأ المجتهد الذي يقلده فسوف تلزمه الإعادة، كما لو عرف من البداية أن غسل الجمعة قد لا يجزي عن الوضوء وبالتالي يلزم إعادة جميع الصلوات لو قلد المجتهد الثاني، فإذن هو من البداية سوف يحتاط ويقول لماذا لا أتوضأ لأنه يحتمل أن أقلد مجتهداً ثانياً ويكون رأيه معاكساً فيلزم إعادة صلوات عشر سنين مثلاً.
وهكذا بالنسبة إلى الهديّة، فإذا كان يجب التخميس لها لو قلّد الثاني فيقول دعني أخمّس من الآن حتى لا تتكدّس عليّ الأموال في ذمّتي فيما بعد.
وهكذا لو صلّى عند سقوط القرص قبل ذهاب الحمرة تلزمه الاعادة لو قلد الثاني الذي لا يوافق الأوّل في الرأي، فإذا كان يلزم الاعادة فهو يحتاط من البداية ولا يقلد المجتهد الأوّل.
إذن سوف يلزم عملاً حصر الطريق في حقّ عوام الناس بالاحتياط، أو بطريقٍ آخر وهو الاجتهاد، بل الاجتهاد أيضاً يأتي فيه نفس الإشكال، فحتّى لو اجتهد يلزم عليه أن يحتاط ولا ينتفع برأيه لاحتمال أنّه ينكشف عنده الخلاف في يومٍ من الأيام . إذن يلزم حصر الطريق عملاً في حقّ الناس بالاحتياط وهذا شيءٌ غير محتملٍ، أو على الأقل بعيدٌ، فإنّ الشريعة الإسلامية لم تبتنِ على الاحتياط وهذا شيء جزميٌّ ومتّفقٌ عليه.
إذن من هنا يلزم أن نقول إنَّ اتباع رأي المجتهد مجزٍ حتى لا نقع في هذا المحذور.
إن قلت:- إنّ هذا تمسّك بفكرة لزوم العسر والحرج التي أشير إليها في أحد الوجوه المتقدّمة وليس بياناً جديداً ؟
قلت:- هذا الوجه لا ينظر إلى مسألة العسر والحرج، فإن المقدّمة الأولى فيه لم تأخذ ذلك بعين الاعتبار، بل قالت إنّه عملاً سوف يلزم حصر الطريق في حقّ المكلفين بالاحتياط.
والمقدمة الثانية - وهي أنّ لزوم الاحتياط باطل لأنّ الشريعة لم تبتنِ على ذلك - أيضاً لم يؤخذ فيها مسألة العسر والحرج بل بغضّ النظر عنها، بل هذا علمٌ من الخارج بقطع النظر عن مسألة العسر والحرج، فحتى لو فرض أنّ المكلّف لا يلزم عليه العسر والحرج  فإنّه مع ذلك الشريعة لم تبتنِ على ذلك، فإذن هذا الكلام ثابت بقطع النظر عن مسألة العسر والحرج.
الوجه الثاني:- صحيحية عبد الصمد بن بشير وما كان بمضمونها فإنه يمكن أن نستفيد منها الإجزاء، ونصّها:- ( عن عبد الصمد بن بشير عن أبي عبد الله  عليه السلام في حديث:- إنّ رجلاً أعجمياً دخل المسجد يلبّي وعليه قميصه فقال لأبي عبد الله عليه السلام:- إنّي رجل كنت أعمل بيدي واجتمعت لي نفقه فحيث أحج لم سأل أحداً عن شيءٍ وأفتوني هؤلاء أن أشقّ قميصي وأنزعه من قِبَل رجلي وأنّ حجّي فاسد وأنّ عليَّ بدنة، فقال له:- متى لبست قميصك ؟ أبعد ما لبّيت أم قبل ؟ قال:- قبل أن ألبّي، قال:- فأخرجه من رأس فإنّه ليس عليك بدنة وليس عليك الحج من قابل، أيّ رجلٍ ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه )[2]، فإنّ الإمام عليه السلام ذكر قاعدةً هنا وهي:- ( أيّ رجلٍ ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه ).
وهذه الرواية وإن ذكرها صاحب الوسائل(قده) وغيره في تروك الإحرام في باب الحج ولكن القاعدة التي ذكرها الإمام عليه السلام فيها هي قاعدة عامّة ومطلقة فيمكن التمسّك بها.
وقد تمسك غير واحدٍ من الفقهاء بنفس هذه الرواية في باب الصوم، فمن ارتكب ما يوجب الكفّارة جاهلاً كما لو أكل في بلده قبل أن يسافر باعتقاد أنه يجوز له الأكل في بلده مادام ناوياً للسفر، أو البنت التي بلغت ولم تصم باعتقاد أنها لا يجب عليها الصوم إلى أن تتزوج، أو الرجل يعتقد أنّه لا يجب عليه الصوم إلى أن يتزوج، وهكذا في اوائل البلوغ كان يأكل قليلاً من الخبز أو يشرب القليل من الماء فكلّ هذه الأمور ونقول لا تجب فيها الكفارة من باب هذه القاعدة  ( فإيّ رجلٍ ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه )، بل يمكن أن يقال بأنّ القضاء ليس بواجبٍ عليه لأنّ المكلف كان يعتقد أنّ هذا العمل جائز له.
نعم إذا لم يصم وكان يعتقد أنّه لا يجب عليه الصوم إلى أن يتزوّج فنقول له لا كفارة عليك لهذه الرواية ولكن يجب قضاء الصوم، ولا فرق بين أن يكون قاصراً أو مقصراً لاطلاق هذه الرواية.
ومن باب الكلام يجر الكلام نقول:- ينبغي أن نفرّق بين شيئين، فمرةًلا يعلم المكلّف بأنّ تناول حبّة الرز مثلاً ليس بحرام، وأخرى يعلم بأنها حرام ولكنّه لا يعلم بأنها توجب القضاء أو الكفارة، وكلّ كلامنا المتقدّم هو فيما إذا فرض أنهه يعتقد أنه ليس بحرام، أمّا إذا كان يعلم بحرمته ولكن لا يعلم بوجوب الكفارة ففي مثل هذه الحالة يجب عليه القضاء والكفارة، فالفتوى التي تقول لا يجب القضاء بل لا تجب الكفارة هو فيما إذا كان يتصوّر أنّ هذا العمل ليس بحرام فحينئذٍ نقول له ليس عليك القضاء ولا الكفارة لهذه الرواية، والسيد الخوئي(قده) كان يتمسّك بهذا الرواية وهكذا غيره، نعم إذا فرض أنّه لم يصم بتخيّل أنّ الصوم ليس بواجبٍ عليه فالقضاء واجب عليه ولكن لا كفارة عليه لأجل هذه الرواية.
ونفس ما ذكرته هذه الرواية نطبّقه في مقامنا فنقول:- إذا فرض أن المكلف صلّى قبل ذهاب الخمرة المشرقية - عند سقوط القرص - تمسكاً برأي المجتهد الأوّل أو فرضنا أنّه صلّى بغسل الجمعة من دون الوضوء تمسّكاً برأي المجتهد الأوّل فهو قد صلّى ولكن بهذا النحو لا أنّه لم يصلِّ أصلاً فيصدق عليه أنه ركب أمراً بجهالة - يعني اتضح بتقليد الثاني أنه ركب أمراً بجهالة - فلا شيء عليه بمقتضى هذه القاعدة العامّة.
وهكذا لو ظلّل بالليل يصدق عليه أنه ركب أمراً بجهالة فلا شيء عليه.
نعم لو لو فرض أن المكلف لم يأت بالعمل رأساً كما في خمس الهديّة فهو لم يخمّسها فهنا لا يصدق عليه أنّه ركب أمراً بجهالة فإنّ هذا العنوان يصدق بلحاظ الأفعال الوجوديّة - أي لو فعل شيئاً كما لو صلّى قبل ذهاب الحمرة فهنا يصدق عليه أنه ركب أمراً بجهالة أو صلى من دون وضوء اكتفاء بغسل الجمعة - فهنا يمكن أن يدّعى الانصراف عرفاً عنه، وهذه قضيّة جانبيّة، ولكن بالتالي سوف نستفيد من هذه القاعدة في موارد متعدّدة وكثيرة ونثبت بذلك الإجزاء.


[1]  مستمسك العروة الوثقى، الحكيم، ج1، ص81.
[2]  وسائل الشيعة، العاملي، ج12، ص488، ابواب تروك الاحرام، ب45، ح3، آل البيت.