الأستاذ الشيخ باقر الايرواني
بحث الأصول
37/02/03
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:- حكم ارتفاع العذر بعد انتهاء الوقت - أي حكم القضاء - مبحث الإجـــزاء.
وفيه:-
أوّلاً:- إن تحصيل الإجماع في هذه المسألة - التي قد لا تكون معنونة في كلمات المتقدّمين - أمرٌ صعب ، ولا نقصد بهذا أن ندّعي أن المتقدمين لم يشييروا إلى مبحث التقليد رأساً ، بل توجد إشارة في كلمات السيد المرتضى وغيره ، ولكن هذه المسألة - وهي ما لو تبدّل التقليد - قد يصعب تحصيلها من كلمات المتقدّمين ، فإذن من أين يمكن تحصيل الإجماع ؟!!
فمثلاً كيف يمكن تحصيل رأي الشيخ الصدوق أو الكليني أو الشيخ الطوسي ؟
أمّا بالنسبة إلى الفقة فيمكن تحصيله من خلال ذكرهم للرواية ، ولكن هذه المسألة فلم يُشَر إليها في كتبهم الحديثية - أي حتى على مستوى الرواية - فكيف نحصل على رأيهم ؟
إذن تحصيل رأي الفقهاء المتقدّمين في هذه المسألة شيءٌ صعب لا في مسألة التقليد بعنوانها العام بل في هذه المسألة التي هي أخصّ من مسألة التقليد ، والغريب من الشيخ النائيني(قده) أنّه تمسّك بالإجماع.
ثانياً:- إنّه حتى لو سلّمنا تحقّق الإجماع ولكنّه محتمل المدرك إذ يحتمل استناده إلى أحد الوجوه التي أشرنا إليها أو التي سوف تأتي ، والأجماع المدركي ليس بحجّة كما ذكرنا ، فإن الإجماع إنما هو حجّة من باب كاشفيته يداً بيدٍ وطبقةٍ عن طبقةٍ عن رأي المعصوم عليه السلام وموافقته ، ومع فرض احتمال المدرك لا نجزم بالكاشفيّة ، وهنا حيث نحتمل المدرك فلا جزم بالكاشفية يداً بيدٍ عن رأي المعصوم.
إذن التمسّك بالإجماع شيءٌ مشكل جداً في هذه المسألة.
الوجه الثالث:- سيرة المتشرّعة ، فإنّا لم نسمع بأنّ متشرّعاً أعاد أعماله أو قسماً منها حينما قلّد المجتهد الثاني بعد موت الأوّل مثلاً فإنّ هذه قضية ليست معهودة.
إذن سيرة المتشرعة منعقدة على الإجزاء ، وبالتالي هذه السيرة تكشف عن سيرةٍ متقدّمةٍ يداً بيدٍ إلى أن نصل إلى زمان المعصوم ونقول بالتالي هي متلقّاة من الإمام عليه السلام كسائر السير المتشرعيّة.
وفيه:-
أوّلاً:- إنّا نسلّم أنّ السيرة في الجملة منعقدة على عدم إعادة الأعمال عند موت المجتهد الأوّل وتقليد الثاني ولكن لا يتحتّم أن يكون عدم الاعادة ناشئاً من فكرة الإجزاء ، بل لعلّه ناشيء من مناشيء أخرى ، فمثلاً قد يفتي المجتهد الأوّل بجواز العقد بالفارسيّة ولكن عادةً لا نجري العقد بالفارسية رعم كونه جائزاً ، فنحن حينئذٍ لا نعيد ولا نحكم ببطلان زواجبنا أو بيوعنا لعلّه لا من جهة فكرة الإجزاء بل من جهة أنّنا لا نأتي بالعقد بالفارسية.
وهكذا قد يفتي المجتهد الأوّل بأنّ الغروب يتحقّق بسقوط القرص وربما نقلد مجتهداً من هذا القبيل ولكن عملاً نحن لا نأتي بالصلاة عند سقوط القرص وإنما جرت عادتنا على أن نتأخر قليلاً . فإذن نحن لا نعيد لا من جهة الإجزاء بل من باب أننا لا نأتي بالصلاة أو الإفطار عند سقوط القرص ، وهكذا بالنسبة إلى أمور أخرى من هذا القبيل.
ومن قبيل ما إذا فرض أنّ المجتهد الأوّل كان يفتي بكفاية التسبيحة الواحدة وقلّد مجتهداً آخر يقول بعدم كفايتها ولزم الثلاث تسبيحات . أو نفترض أن المجتهد الأوّل كان يقول إنّ جلسة الاستراحة ليست واجبة وقلّد الثاني الذي يقول هي واجبة ، أو فرض أنّ الأوّل كان يقول بعد وجوب السورة بعد الفاتحة وقلّد الثاني الذي يقول بوجوبها ..... وهكذا ، إنّه هنا يمكن أن نحكم بالصحّة وعدم الاعادة لا من باب فكرة الإجزاء بل من باب قاعدة لا تعاد[1] .
إذن عدم الاعادة نسلّمه ولكن لعلّه ليس ناشئاً من الإجزاء وإنما هو ناشيء إمّا من باب أن المكلف لا يعقد بالفارسيّة عادةً أو لا يصلّي عند سقوط القرص أو ما شاكل ذلك ، أو يكون ناشئاً من قاعدة لا تعاد.
نعم تبقى موارد لعلّها ليست بالكثيرة:-
من قبيل:- ما لو كان يصلّي قصراً على رأي المجتهد الأوّل ولكن المجتهد الثاني يقول لابد من الصلاة تماماً[2] ، فهنا لا تأتي قاعدة لا تعاد لأنّه ترك الأركان - لأنّه ترك ركعتين - ، وحينئذٍ المناسب أنّه تلزمه الاعادة.
أو في مسألة غسل الجمعة ، كأن قلّد مجتهداً يقول بإجزائه عن الوضوء ثم عدل إلى الآخر الذي يقول بعدم إجزائه عن الوضوء ، فهنا تظهر الثمرة ونحتاج إلى فكرة الإجزاء.
أو كان يقلّد مجتهداً كان يقول إنّ الهدية لا خمس فيها فلم يكن يخمسها ثم قلّد ا الآخر الذي يقول بوجوب الخمس فيها ، فهذا أيضاً من موارد الإجزاء.
أمّا الموارد الباقية فلعلها ليست كثيرة حتى تشكّل عنوان السيرة المتشرعيّة الواضحة المحرزة حتى نستند إليها.
إذن حصيلة جوابنا:- هي أنّنا نسلّم أنّ ظاهرة الاعادة عند تقليد الثاني ليست موجودة ، ولكنها قد تنشأ من المنشأ الأوّل - وهو أننا لا نعقد بالفارسية ، ونفطر عند سقوط القرص - ، وقد ينشأ من ناحية قاعدة لا تعاد ، وتبقى الموارد الأخرى ليست بالكثيرة حتى تكل عنوان السيرة الواضحة اليت يمكن الاستناد إليها.
ثانياً:- لا يمكن أن نقول إنّ هذه السيرة وصلت يداً بيدٍ من زمان أصحاب الأئمة عليهم السلام وبالتالي هي من المعصوم فإن هذا صعبٌ؛ لأنّه في زمان الأئمة عليهم لم يكن هناك تقليد بالنحو الذي عندنا هذا اليوم ، نعم نسلّم أنّ الإمام عليه السلام كان يُرجِع الناس إلى بعض الرواة ، فمثلاً كان الإمام الباقر عليه السلام يقول لأبان بن تغلب:- ( اجلس في مسجد المدينة وأفت الناس فإني أحب أن يرى في شيعتي مثلك )[3] ، وجاء في رواية يونس بن يعقوب:- ( كنّا عند أبي عبد الله عليه السلام فقال:- أما لكم من مفزع ؟ أما لكم من مستراحٍ تستريحون إليه ؟ ما يمنعكم من الحارث بن المغيرة النصري ؟! )[4] ، وجاء في رواية عليّ بن المسيّب الهمداني:- ( قلت للرضا عليه السلام:- شقّتي بعيدة ولست أصل إليك في كلّ وقت فممّن آخذ معالم ديني ؟ قال:- من زكريا بن آدم القمّي المأمون على الدين والدنيا )[5] .
إذن مسألة التلقيد لم تكن موجودةً في عصر الأئمة كما هي موجودة الآن ، نعم كان الإمام عليه السلام يُرجِع إلى بعض الرواة ولكن هذا إرجاعٌ إلى روايةٍ ، فصاحب الإمام يقول له –( توجد رواية ) ويفتيه على طبق هذه الرواية ، أمّا أنه يقلّده مع وجود الإمام فلا ، فإنّه مع وجود الإمام لا معنى لأن يقلَّد أصحابه.
وبعد ذلك من قال أنّه كان يتبيّن الخلاف ؟!
والخلاصة:- إنَّ التقليد بالنحو المتعارف لم يكن موجوداً في زمان أصحاب الأئمة ، كما أنَّ تبيّن الخلاف لم يكن واضحاً أيضاً حتى يمكن أن نستفيد هذا المعنى - وهو أن نقول إنّ السيرة تكشف عن عدم الاعادة في زمان المعصوم -.
ثالثاً:- يحتمل أن تكون هذه السيرة المتشرعيّة لا من باب التلقّي يداً بيدٍ بل هي ناشئة من فتاوى الفقهاء ، وهذا الاحتمال قريب جداً ، فعلى هذا الأساس كيف نستكشف هذه السيرة ؟!!
الدليل الدليل الرابع[6] :- إنّ التقليد الأوّل كالتقليد الثاني ، والمجتهد الثاني كالمجتهدالأوّل ، فكما أنّ المجتهد الثاني هو من الآن يكون رأيه حجّة كذلك المجتهد الأوّل كان رأيه حجّة في تلك الفترة ، فلماذا ترجح رأي الثاني على الأوّل ؟! فكلٌّ حجّةٌ في وقته.
وإذا قلت:- إنّ تقليدي للثاني يكشف عن بطلان رأي الأوّل ؟
فالجواب:- هو أنّه لماذا لا نعكس ونقول إنَّ تقليد الأوّل يكشف عن بطلان التقليد الثاني وأنَّ هذه الآراء آراء باطلة؟!!
إذن لا يوجد رجحانٌ للأخذ بالثاني في مقابل الأوّل . نعم نأخذ برأي الثاني في الأعمال الجديدة أمّا تلك الأعمال السابقة فهي ماضية وفق ذلك التقليد وكلّ تقليدٍ يكون حجّة في زمنه.
فالمناسب إذن أن نقول:- إنَّ كلّ تقليدٍ حجّة في فترته الزمنيّة ، وبناءً على هذا لا حاجة إلى الاعادة.