الأستاذ الشيخ باقر الايرواني

بحث الأصول

36/12/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:- مبحث الإجـــزاء.

استدراك:-

نقلت في المحاضرة السابقة عن الشيخ الطوسي(قده) في تهذيبه أنّه أجاب عن أخبار من صلّى فرادى ثم وجد جماعة أنّه فسّر الرواية بأنّه إذا كان يصلّي فرادى ثم وجد جماعة فيدخل في الجماعة فيما تبقّى من الصلاة.

والآن أتراجع وأقول:- إنّه لا يقول بذلك وإنما يقول يقلبها نافلة ثم يشرع مع الجماعة . ولعل فقهاءنا الآن يفتون بذلك

ولعل المناقشتان اللتان ذكرتهما لا تتأثران بهذا الشيء لأني ذكرت بعض الروايات وأبرزت بعض القرائن ظاهرها أنّه قد أنهى صلاته وليس في أثنائها ، ولكني أردت أن أصحّح النسبة فهذا ينبغي الالتفات إليه.

كما لا بد من حذف المناقشة الأولى - وهي أنه لم يقل فقيه بأنّ الفرادى تقلب جماعة -.

إجزاء الأمر الاضطراري عن الأمر الواقعي الأوّلي الاختياري

والكلام يقع في مقامين:-

الأوّل:- ما إذا فرض أنّ المكلّف أتى بالوظيفة الاضطرارية في بداية الوقت بناءً على جواز البدار ثم قبل نهاية الوقت أمكنته الوظيفة الاختيارية فهل يجزي ما أتى به أو لا ؟

الثاني:- فيما لو فرض أنّه أمكن الاتيان بالوظيفة الاختيارية خارج الوقت ، يعني هو أتى بالوظيفة الاضطرارية داخل الوقت إمّا في بداية الوقت أو في نهايته ثم بعد ذلك تهيأت له الوظيفة الاختيارية.

والكلام في المقام الأوّل:-

وفي هذا المجال توجد عدّة بيانات

البيان الأول:- وهو للشيخ الخراساني(قده) في الكفاية وحاصل ما ذكره:- إنّه تارةً نتكلّم بلحاظ عالم الثبوت ، وأخرى بلحاظ عالم الاثبات.

فبلحاظ عالم الثبوت توجد أربعة احتمالات على ثلاثة منها يثبت الإجزاء وعلى واحدٍ منها لا يثبت الإجزاء ، والاحتمالات هي:-

الأوّل:- أن تكون الوظيفة الاضطرارية وافية بتمام الملاك . ولازم ذلك الإجزاء لأنّها وافية بتمام الملاك.

ولا تقل:- إذا كانت وافية بتمام الملاك فيلزم أن يخيّر المولى بينها وبين الوظيفة الاختيارية ، فلا يلزم أن يقول يجب عليك الوضوء بل يقول أنت مخيّر بين أن تأتي بالصلاة مع الوضوء أو تأتي بها مع التيمم.

وجوابه واضح حيث نقول:- إنّها وافية بتمام الملاك حالة الاضطرار أمّا حالة عدم الاضطرار فليس فيها أيّ ملاكٍ ، فلا معنى للتخيير آنذاك.

الثاني:- أن تكون وافيه ببعض الملاك والبعض الآخر لا يمكن تداركه . وبناءً على هذا يثبت الإجزاء لأنّه لا يمكن التدارك.

الثالث:- أن تكون وافية بقسمٍ من الملاك والقسم الآخر يمكن تداركه ولكن يستحب ولا يجب . وبناءً على هذا الاحتمال يحكم بالإجزاء.

الرابع:- أن يفترض أنها وافية ببعض الملاك والقسم الآخر يمكن تداركه ويلزم تداركه . وبناء على هذا يثبت عدم الإجزاء.

وأما إثباتاً فيقول(قده):- إنّه لو رجعنا إلى لسان الأدلّة فربما يمكن أن يستفيد الفقيه من لسانها الإجزاء.

من قبيل قوله تعالى:-﴿ فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً ﴾[1] [2] ، فهذه الآية الكريمة تدلّ على الإجزاء بمقتضى إطلاقها.

وهكذا قوله صلى الله عليه وآله:- ( يا أبا ذر يكفيك الصعيد عشر سنين )[3] .

وهكذا قوله عليه السلام:- ( التراب أحد الطهورين )[4] .

إنه يمكن أن يستفاد من إطلاق هذه النصوص الشرعيّة الإجزاء.

ولنا توضيحٌ وتعليق:-

أمّا التوضيح:- فإن الشيخ الخراساني(قده) قال نتمسّك بالإطلاق ، وليس المقصود هو الاطلاق اللفظي لأنّه لا يوجد لفظٌ قابل للتقييد ولم يقيد حتى يتمسّك بإطلاقه ، وإنما مقصوده هو الإطلاق المقامي ، يعني هو في مقام بيان الوظيفة بالكامل وحيث سكت فسكوته عن بيان الإعادة يدلّ على أنّه لا تجب الإعادة.

وواضح أنّ هذا مبنيّ على أنّه في مقام البيان حتى من ناحية أنّه لو ارتفع العذر ما هو حكمه.

فرب قائل يقول هو في مقام البيان من هذه الناحية وأنا أعطيه المجال فإنّ هذه قضيّةٌ قابلةٌ للأخذ والعطاء وأنّ هذه النصوص هل تريد بيان الوظيفة حال الاضطرار أو أنها ناظرة إلى حال الاضطرار وإلى ما بعد ارتفاع الاضطرار ، فهل هي ناظرة إلى كلتا المساحتين أو أنها ناظرة إلى المساحة الأولى فقط ؟ فيمكن أن يقول شخصٌ هي ناظرة إلى حالة الاضطرار أمّا ما بعده فهي ليست ناظرة إلى حكمه ، وبناءً على هذا حتى الاطلاق المقامي لا يكون موجوداً.

والذي أريد أن أقوله هو أنّ الشيخ الخراساني(قده) حينما يريد أن يتمسّك بالإطلاق هنا فلابد وأن يكون المقصود منه الاطلاق المقامي دون اللفظي ، أمّا أنّه هل يوجد إطلاق مقامي أو لا فهذا قضيّة ثانية.

وأمّا التعليق فنقول:- إنّ المهم هو ملاحظة عالم الإثبات ، أي الأدلّة ولسانها ، فنلاحظ هل نستفيد من إطلاقها أو من غير ذلك الإجزاء أو لا ، فإنَّ هذه هي الطريقة العلمية ، أمّا أن نذهب إلى عالم الثبوت ونقول هناك احتمالات أربعة وأنّه على ثلاثة منها يحكم بالإجزاء فهذا تطويل بلا طائل وبحثٌ بلا فائدة.

إذن صاحب الكفاية قال نرجع إلى لسان الأدلة علّه نستفيد إطلاقاً فنحكم بالإجزاء.

وما ذكره جيّد ولكن القسم الأوّل منه لا ينفع - وهو ذكر الاحتمالات الثبوتية -.

البيان الثاني:- ما ذكره الشيخ النائيني(قده)[5] [6] وحاصله:- لو وجبت إعادة الصلاة بعد ارتفاع العذر - يعني داخل الوقت - فهذا يعني أنّ الواجب على المكلف في اليوم والليلة ست صلوات بدل خمس صلوات والحال أنّ الإجماع والضرورة قاما على أنّ الواجب على المكلف في اليوم والليلة خمس صلوات لا أكثر.

وهذه كلمة لا باس بها ولكنها :-

أوّلاً:- هي خاصّة بباب الصلاة ، فالمحذور الذي بيّنه يأتي في باب الصلاة أمّا في الموارد الأخرى للاضطرار كالطواف وغيره فلا يأتي ، فهذا الكلام نافعٌ في باب الصلاة فقط ، يعني هو أخصّ من المدّعى.

ثانياً:- يحتاج هذا الكلام أيضاً إلى أن يدّعى أنّ الضرورة والإجماع هما ناظران حتى إلى الحالة العذريّة ، أمّا إذا ادّعى مدّعٍ بأنّ القدر المتيقّن من هذا الإجماع أو الضرورة - الذي هو دليل لبّي - هو النظر إلى الحالة الاختياريّة للمكلّف فالواجب عليه خمس صلوات لا أكثر أمّا الحالة غير الاختيارية فليس مشمولاً بالإجماع والضرورة فلا يمكن حينئذٍ التمسّك بالإجماع والضرورة لأنّهما ناظران إلى حالة الاختيارية فقط ، وهذه قضية متروكة لك فربّ فقيهٍ يقول إنَّ الضرورة ثابتة والإجماع وسيعٌ وإن كان دليلاً لبّياً ولكن هنا بالخصوص الضرورة الثابتة نشعر بالوجدان أنها وسيعة وشاملة لكلّ الحالات والإجماع أيضاً كذلك ، فإذا كان كذلك فلا مشكلة ، والأمر إليك.

البيان الثالث:- ما ذكره الشيخ العراقي(قده)[7] وتبنّاه السيد البروجردي[8] ، والسيد الخميني(قده)[9] ، ولعلّه تبنّاه غيرهم.

وحاصل هذا البيان:- هو أنّ الأمر المتوجّه إلى المكلف المختار وإلى المكلف المضطر تارةً نقول هو أمرٌ واحدٌ لا أمران بيد أنّ هذا الأمر بالواحد هو أمرٌ بالجامع ، فكأنه يقول هكذا ( صلِّ مع الوضوء إن كنت مختاراً ومع التيمم إن كنت معذوراً ) ، فالأمر واحدٌ ولكن بالجامع بين الحصّة الاختياريّة والحصّة الاضطرارية والحصّة الاختيارية في حقّ المختار والحصّة الاضطرارية في حقّ المضطر.

ومرّة نبني على أنّه يوجد أمران بأن يقول الأمر الأوّل ( إن كنت قادراً على الماء فيجب عليك الوضوء ) ، ويقول الأمر الثاني ( إذا كان الشخص ليس قادراً على الماء وظيفته الصلاة مع التيمم ).

فإن بُني على الأوّل - يعني أن الأمر واحد ولكن بالجامع – ونحن نعرف أنّ الأمر الواحد المتعلّق بالجامع يتحقّق امتثاله بالإتيان بأحد الفردين والمفروض أنّ المكلف أتى بأحد الفردين - وهي الصلاة مع التيمم - وبذلك قد امتثل الأمر بالجامع ومادام قد امتثله والمفروض أنّه لا يوجد أمرٌ ثانٍ فالحكم هو الإجزاء ولا يحتمل غير ذلك ، بل التعبير بالإجزاء فيه شيءٌ من المسامحة لأنّه لا يوجد شيءٌ ثانٍ حتى نقول هو يجزي عنه أو لا يجزي عنه ، بل المطلوب منك شيء واحد وقد امتثلته ، فالتعبير بالإجزاء وعدم الاجزاء لا معنى له ولكنّ هذا من باب ضيق التعبير.

وأمّا إذا كان يوجد أمران فالمناسب عدم الإجزاء لأنّ الأمر الأوّل قد امتثلته حينما كنت معذوراً ، ولكن يوجد أمر ثانٍ فأنت الآن موضوعٌ للأمر الثاني لأنّك لا زلت داخل الوقت فـــ( وإن كنت واجداً للماء ... ) يصدق عليك الآن فلابد وأن تأتي بالصلاة الوضوئية والاجزاء لا معنى له إذ أنت قد امتثلت الأمر الأوّل ولكن يوجد في حقّك أمرٌ ثاني.

والفارق بين هذا الشق والشق السابق هو أنّه في الشقّ السابق الأمر واحدٌ وأنت قد امتثلته فلا معنى لأن تقول هل يجزي عن الحصّة الاختيارية أو لا لأنّ الحصة الاختيارية ليس فيها أمرٌ ثانٍ ، أمّا هنا فالحصّة الاختيارية فيها أمر ثانٍ فيتعيّن عدم الإجزاء.


[1] سورة النساء/ الآية43.
[2] سورة المائدة/ الآية6.
[3] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص386، ابواب التيمم، ب24، ح4، ط آل البيت.
[4] وسائل الشيعة، العاملي، ج3، ص386، ابواب التيمم، ب24، ح5، ط آل البيت.
[5] فوائد الاصول، النائيني، ج1، ص245.
[6] أجود التقريرات، الخوئي، ج1، ص196، ط قديمة.
[7] بدائع الافكار، الرشتي، ص289، 290.
[8] نهاية الاصول، المنتظري، ص114- 117.
[9] تهذيب الاصول، الخميني، ج1، ص142.